الحزب المهزلة

14 ابريل 2019
خلافات كثيرة شهدها مؤتمر الحزب (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
تلخّص أحداث مؤتمر حزب "نداء تونس" حالة الوهن والانتهازية التي وصلت إليها بعض الأحزاب والنخب السياسية في تونس، فبعد أن عاش هذا الحزب الفائز في الانتخابات الماضية انقسامات متتالية طيلة السنوات الماضية، ولّدت منه ستة أحزاب، انقسم مؤتمره الأول (بعد سبع سنوات على تأسيسه) إلى مؤتمرين ورئيسين للجنته المركزية، ادعى كل واحد منهما أنه الشرعي وأن منافسه منقلب على الحزب.

وتابع التونسيون أحداث هذا المسلسل الهزلي الذي استمر على مدى أسبوع ولم ينته بعد، ساخرين من هذا التكالب الأعمى على السلطة وهذا العطش الدموي للمناصب، في مشاهد متتالية استُعملت فيها كل الأسلحة الممكنة بين الطرفين، ولكنها صوّرت في نهاية الأمر ما تسبّب فيه هذا الحزب من مآسٍ للتونسيين على مدى السنوات الماضية.

فقد أدت خلافاته ونهم بعض قياديّيه إلى تعطيل الدولة، وبالتالي ضرب مصالح الناس، وربما شكّلت سبباً رئيسياً في تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. فهذا الحزب هو الذي يقود الدولة منذ الانتخابات الماضية، ويسيطر على رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان، وتسبّبت خلافاته في إقالة حكومة ومحاولة إقالة ثانية، وأسقطت تحالفات وتوافقات ضربت الاستقرار النسبي في المشهد السياسي، وكادت تقود إلى تعطيل الانتخابات البلدية، وربما تؤدي إلى عرقلة الانتخابات المقبلة. ولولا أن الإدارة التونسية قوية وبإمكانها الاستمرار من دون قيادة سياسية لفترة معينة، لكانت النتائج أكثر فظاعة.

ولكن تأثيرات هذه المهزلة السياسية لا تتعلق فقط بالمسائل الاقتصادية والإدارية، وإنما تضرب ركناً أساسياً في المستقبل التونسي، لأنها تسهم بشكل كبير في ضرب ثقة التونسي بالأحزاب والدولة والعمل السياسي عموماً، وتزيد من موجة العزوف عن المشاركة المواطنية والذهاب إلى صناديق الانتخابات، والإسهام بالرأي في بناء المخططات وتقديم المقترحات، وهو جوهر العمل الديمقراطي الذي يقوم على التشاركية وجعل المواطن ركناً أساسياً فيه وجوهره الذي تدور حوله ومن أجله الأحداث، وهذا ما يجعل من تداعي هذا الحزب وسقوطه خطراً على مستقبل البناء الديمقراطي وعلى تونس وتجربتها الهشة.
ولكن كل هذا لا يعني قياديّي "النداء"، فلا صوت يعلو فوق صوت الكرسي، وهو بالمناسبة شعار تتقاسمه أحزاب أخرى أيضاً في تونس، تتظاهر بأنها أكثر طهارة ولكنها في الحقيقة مصابة بالعدوى نفسها.
المساهمون