عندما تصبح اليابان أقرب من قطر

03 فبراير 2019
لم يكن المنتخب القطري بحاجة لتهنئة (كريم جعفر/فرانس برس)
+ الخط -


كيف هانت علينا أنفسنا كل هذا الهوان، ولماذا سقطنا كل هذا السقوط، وكيف وصلنا إلى القاع؟ رحم الله زمان كانت كلمة فلسطين وعروبة تُحرّك الدم وتقشعر لها الأبدان، وتُخرج الدمعة من مكامنها. أما هذا الزمان، زمان القادة الجدد، فصار العربي يلبس العلم الياباني في مواجهة فريق عربي.

ما حدث في مباراة قطر واليابان في نهائي كأس آسيا مأساة عربية موصوفة، تكتب فصلاً جديداً من تاريخ السقوط العربي وتفكك حلم التعاون والاقتراب، فضلاً عن الوحدة، التي صارت مفردة من معجم الأزمنة الغابرة. لكن ما حدث يكشف كيف يدفع بعض القادة شعوبهم دفعاً إلى منطقة السقوط الأخلاقي. تذكّروا معي مشهد رئيسة كرواتيا وهي تعانق الرئيس الفرنسي بعد فوز بلاده بكأس العالم، تبكي حسرة على فريقها أمام أنظار العالم، لكنها لم تتخل عن أخلاق الرياضة السامية التي تفرض تهنئة الفائز. وهكذا تتقارب الشعوب وتتآلف وتتعاون وتُعلّم أطفالها سموّ اللعبة ومنطق الربح والخسارة والنهوض بعد العثرة، وتبني شخصية متوازنة بإمكانها أن تضيف شيئاً للإنسانية.

أما العرب، بعض عرب هذا الزمان، فيهربون من المنصة لعدم تهنئة المنتخب القطري. مع أن السياسة فرضت على أعتى أعداء الحرب والإبادة أن يتصافحوا أحياناً، ولو مجاملة أمام الكاميرا صوناً للمظاهر، ولأن التاريخ لن يرحم. لم يكن المنتخب القطري في حاجة إلى تهنئة أو مجاملة، فقد فرحوا في بلادهم وفرح معهم عرب كثيرون بإنجاز مهم يضيف للعرب شيئاً، ويثبت أن العمل بطريقة علمية يقود حتماً إلى الفوز. لكن السقوط الأخلاقي المدوي، الذي رافق هذه البطولة ونِعال عرب على عرب، يكاد يُنهي ما تعلقنا به من آمال لهذه الأمة. بعد شهر من الآن سيجتمع العرب في تونس، في قمة عربية اعتاد التونسيون على تسميتها بـ"القمة بثلاث نقاط فوق القاف"، أي مجرى المياه التي تفوح منها تلك الروائح. ويتوهم التونسيون أن يحدثوا فرقاً في العلاقات العربية ــ العربية ويصالحوا الإخوة المتخاصمين. لكن هل سيمحو ذلك، إن حدث، آلام ما شهدنا ونشهد كل يوم؟ عندما تصبح اليابان أقرب إلى البعض من قطر نكون قد كتبنا سطراً جديداً في نهاية العرب.