واشنطن تُعدّ لحروبها المقبلة

24 ديسمبر 2014
تقارير عن مخاطر تهدّد الأمن القومي عبر الفضاء الإلكتروني(Getty)
+ الخط -
علمت "العربي الجديد" من مصادر في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنّ أعمال إنشاءات ضخمة تسير على قدم وساق في قاعدة فورت ميد العسكريّة، في ولاية ميرلاند، لبناء مرافق متطورة لإدارة الحروب الإلكترونية المتوقّعة مستقبلاً.
وتشمل الإنشاءات أيضاً بناء مقرّ رئيس لقيادة أركان مشتركة للدفاع الشبكي، تابعة للقيادة العسكريّة الأميركيّة للفضاء الإلكتروني، التي تقرر إنشاؤها عام 2009 بعد وصول الرئيس الحالي باراك أوباما إلى سدّة الرئاسة. وتقول المصادر ذاتها إنّه من المؤمل أن تكتمل أعمال البناء والتجهيز في عام 2018، وستكون عند الانتهاء منها مجهّزة بأحدث ما توصّل إليه العقل البشري من وسائل حديثة لتحقيق الغرض الذي أنشئت من أجله.
ولا تتعلّق الإنشاءات العسكريّة في القاعدة، التي تبعد ساعة واحدة (زمنياً) عن العاصمة واشنطن، وفق معلومات "العربي الجديد"، بـ "الهجوم الإلكتروني الذي تعرضت له شركة "سوني" وأثار غضب البيت الأبيض والكونغرس الأميركي، لأنّ خطط الإنشاءات سبقت زمنياً هذا الهجوم، ولكنّها مع ذلك تأتي في إطار استعدادات وخطط مضى عليها عدة شهور، اعتُمدت عقب تزايد التقارير والتحذيرات المثيرة للقلق، عن المخاطر التي تهدّد الأمن القومي الأميركي عبر الفضاء الإلكتروني.

وساهم الاختراق الإلكتروني الأخير الذي تعرّضت له خوادم شركة "سوني" في الولايات المتحدة، في تصعيد المخاوف وإثارة الفزع بين الأميركيين، من هجمات ناعمة محتملة على شبكات إلكترونية أكثر حساسية، قد ينفّذها أعداء مجهولو الهوية. ولم يُلحق اختراق شبكة "سوني"، بحدّ ذاته، أضراراً ملموسة بالأمن القومي الأميركي، لكنّ طريقة حدوثه واحتمالات تكراره، تؤكّد المخاوف التي بدأت الأجهزة الأمنيّة الأميركيّة ومراكز رسم الاستراتيجيات، من وجود أعداء، ذوي أنامل ناعمة، قد تلحق من أماكنها المجهولة، ما عجز عن تحقيقه الأعداء التقليديون.
ومن أبرز المؤشّرات على جديّة ما يثيره الخطر المحدق بالأمن الإلكتروني الأميركي من ذعر لدى صنّاع القرار، أنّ موازنة وزارة الدفاع الأميركية للعام المالي المقبل، والتي طالت الاقتطاعات معظم البرامج فيها، تضمّنت زيادات مضاعفة في الإنفاق على الدفاع الشبكي الإلكتروني. وتُعد هذه الزيادة باباً جديداً للإنفاق، لم يكن واضحاً بما فيه الكفاية، في موازنات الأعوام السابقة. وخصصت الموازنة الدفاعيّة لبنود هذا الباب، 5 مليارات دولار أميركي، كرقم علني يساوي تقريباً الرقم المخصّص لمواجهة التهديدات الآتية من سورية.

ولا يدخل في إطار هذا الرقم، الموازنات السريّة لـ 16 وكالة استخباريّة أميركيّة، أصبح هاجسها الرئيس اليوم، التهديدات الواردة عبر الفضاء الإلكتروني. وعلى الرغم من أنّ حصّة الأسد من المليارات الخمسة، ستحصدها دوائر البحث العسكريّة وراسمو الاستراتيجيات والقيّمون على التحصين وبناء الأسوار الرقميّة العازلة لحماية الشبكات الأميركيّة، إلا أنّ هناك مبالغ في الموازنة مخصّصة لخطط هجوميّة استباقيّة لم يعلن البنتاغون عن تفاصيلها. وكان الأخير يتجنّب الحديث عنها سابقاً، ولكنّه رصد الملايين لأسلحة ودوائر عسكريّة، ذات مهام هجوميّة لا دفاعيّة، من بينها سلاح الجو الأميركي، الذي سيحصل على 67 مليون دولار للأنشطة المتعلّقة بالحروب الإلكترونيّة في العام المقبل. كما تضاعفت الاعتمادات المخصّصة للعديد من الدوائر، التي تخضع في عملها للقيادة العسكريّة الأميركيّة للفضاء الإلكتروني.

ومن بين المخاطر التي يُحذّر منها أعضاء في الكونغرس الأميركي، استناداً لآراء خبراء في شبكات توزيع الطاقة وفي الشبكات الإلكترونيّة، التي تُدار منها الأسلحة النوويّة الأميركيّة، احتمال تعرّض هذه الشبكات للتدمير أو الاختراق من جانب إرهابيين لا يحتاجون حتى للوصول إلى أراضي الولايات المتحدة لتنفيذ خططهم.

وتحذر بعض الوسائل الإعلاميّة الأميركيّة من أنّ تعرّض مراكز الضبط والتحكّم الحسّاسة لشبكات توزيع الكهرباء للتدمير إلكترونياً سيعرّض الملايين للموت. ووفقاً لتحذيرات الخبراء، فإنّ انقطاع الطاقة عن أيّ تجمّع سكاني في الولايات المتحدة الأميركيّة، في فصل الشتاء على سبيل المثال، يمكن أن يقضي على 90 في المائة من القاطنين في ذلك التجمّع، بعد أن يكون قد أدّى إلى انقطاع المياه وتوقّف حركة الحياة المعتمدة كلياً على الطاقة الكهربائيّة وموت المرضى في المستشفيات. ولا يقلّ الأمر خطورة في المناطق الحارة، إذا ما كان الانقطاع في فصل الصيف، إذ يمكن أن تتعرض الأطعمة للفساد ويموت الآلاف بسبب غياب أجهزة التكييف، التي تتولى خفض درجات الحرارة داخل المنازل والمكاتب والمؤسّسات.

ويولي البنتاغون، وفق ما كشفه وكيل وزارة الدفاع الأميركية لشؤون الاستخبارات مايكل فيكيرز، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، الأمن الإلكتروني أهميّة قصوى. وينظر إلى أنّ الأولوية يجب أن توجّه للمخاطر الناجمة عن التهديدات التي يمكن أن تتعرض لها الشبكات الإلكترونية التابعة لوزارة الدفاع الأميركية وللأجهزة الفدرالية الأخرى، التي رأى أنّها أكثر خطورة من تهديدات التنظيمات الإرهابية، التي تحاربها الولايات المتحدة في سورية والعراق. ولم يتردّد المسؤول الأميركي في الإشارة إلى أنّ التحدّيات التي يواجهها الأمن القومي عبر شبكة الإنترنت، من أعداء مجهولي الهويّة، سواء كانوا أفراداً أو مجموعات أو دولاً معادية، تضعها الأجهزة الاستخباريّة الأميركيّة في حسبانها قبل الجيش الصيني، وقبل القوة الروسيّة المتنامية، وقبل أيّ مخاطر تقليديّة أخرى.
وعندما تعرضت شركة "سوني" للاختراق، فوجئ العالم بأنّ ردود فعل البيت الأبيض ومكتب التحقيقات الفدرالية (إف بي آي) والكونغرس الأميركي، كانت أشدّ غضباً وانفعالاً من الشركة الضحية ذاتها، التي كان لديها استعداد لمداراة الأمر، واحتواء المشكلة.

لكن الموقف الرسمي للحكومة الأميركيّة جاء مختلفاً، لأنّ صناع القرار يدركون أن ما حدث لشركة "سوني" لم يكن بعيداً عن التوقّعات والتحذيرات، التي ظلت تتردّد طيلة الشهور الماضية. ويعتقد هؤلاء أنّ الهجوم الإلكتروني على شركة سوني يُعدّ أقل حجماً من مخاطر تلوح في الأفق، يحيكها صنف جديد من الأعداء المسلحين، بكفوف ناعمة لا تترك أثراً، إلا بعد إلحاق دمار كبير وضرر بليغ قد تعجز القوة العظمى عن تحمّله.
ومن عوامل الفزع الأميركي أنّ المهاجم سيكون على الأرجح عدواً متخفياً وراء ستائر الشبكة الفضائيّة الإلكترونيّة، ولن يعرف له على الفور عنوان لتحريك الأساطيل الأميركية والطائرات إليه.
وإذا كانت الولايات المتحدة قد احتاجت عشر سنوات للوصول إلى زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، على الرغم من أنّه لم يكن مجرّد نموذج غير متطوّر وغير محدّث، فإنّ هؤلاء النابغين تقنياً، لا يردّدون هتاف "الموت لأميركا"، ولا تستطيع واشنطن حالياً تعقّبهم ومعرفة المكان الذي سينطلقون منهم لشنّ هجومهم الافتراضي. لكنّ الأكيد أنّ المسؤولين الأميركيين يعرفون بكل تأكيد، أنّ الهجوم الإلكتروني المرعب لن يأتي من جبال اليمن، ولا من أدغال أفغانستان، ولا من سورية أو العراق.

دلالات