جيسي جاكسون: حلم كينغ مستمر

أنس أزرق

avata
أنس أزرق
08 يونيو 2015
92CD5885-082F-483C-88AD-D7D895D06F19
+ الخط -
تفتح وعي الفتى الأسود، جيسي جاكسون، المولود عام 1941 على انتصارات حركة الحقوق المدنية التي قادها السود الأميركيون بزعامة مارتن لوثر كينغ، لإلغاء قوانين الفصل العنصري ضد السود، وهو ما تحقق عام 1956 بعد احتجاجات كبيرة أشعل شرارتها رفض المرأة السوداء، روزا ياركس، إخلاء مقعدها لأبيض كما تقول قوانين تلك الأيام.
وكان إلغاء قوانين الفصل العنصري قد تأخر قرناً كاملا عن تشريع إلغاء الرق الذي صدر بنهاية الحرب الأهلية الأميركية عام 1865.

بعد اغتيال مارتن لوثر كينغ 1968 حمل جاكسون حلم الأميركيين السود بالمساواة، وترشح عن الحزب الديمقراطي مرتين لرئاسة الولايات المتحدة عامي 1984و1988، ولكنه أخفق بالوصول الى البيت الأبيض؛ وهو ما نجح فيه أول رئيس أسود للولايات المتحدة باراك أوباما عام 2009.

* ناضلت من أجل حقوق السود وترشحت مرتين للرئاسة والآن هناك رئيس أسود في البيت الأبيض، هل تعتقدون أنك حققتم آمالكم؟
يدل وجود رئيس أميركي من أصل أفريقي على إحراز تقدم كبير بعد كل ما تعرضنا له من عبودية لمدة 246 سنة، إلى جانب 100 سنة أخرى من التمييز العنصري القانوني وجرائم القتل الجماعي.
حصلنا على حق التصويت عام 1965، ووصلنا إلى البيت الأبيض بعد حوالي 50 سنة من حصولنا على هذا الحق.
كان والد باراك أوباما أفريقياً من كينيا ووالدته امرأة بيضاء من ولاية كانساس، لذا كان يجسد قارتين مختلفتين، وهذا يدل على إحراز تقدم كبير، ولكن ليس حلاً نهائيا للتمييز العنصري في أميركا.

*هل تقول ذلك على خلفية ما جرى مؤخرا من احتجاجات للأميركيين السود بعد تبرئة ضابط شرطة أبيض من قتل فتى أسود؟
الشرطة تعتقل الأميركيين السود بشكل فج، قتل السود العزل أصبح نمطاً تاريخياً، فعلى سبيل المثال، يشكل السود حوالي 13% من السكان، بينما يشكلون 55% من السجناء.
وتوجد الآن سجون خاصة هادفة للربح، أي مثل العبودية، فهي تجني المال من الاعتقالات، التي غالباً ما تكون خاطئة.
وقد رأينا مؤخراً العديد من السود العزل يتعرضون لإطلاق النار والقتل، ومع ذلك يُحكم على قاتليهم بالبراءة. ولكن الكاميرات أحدثت فرقاً كبيراً. لذا أصبح الشعب الأميركي بأكمله الآن يدعو إلى وقف استخدام القوة المفرطة ووحشية رجال الشرطة، فذلك يضر بالبلاد.


* ماذا بقي في ذاكرتك من مارتن لوثر كينغ؟
لا يزال الحلم يتكشف، فعلى سبيل المثال، في عام 1963 ألقى مارتن لوثر كينغ خطابه الشهير "لدي حلم". حتى ذلك اليوم، لم يكن يحق للأميركيين السود استخدام الحمامات العامة.
في تلك الفترة، لم يكن يحق للأميركيين السود التصويت، وكان الجنود السود يعاملون كالجنود النازيين في القواعد العسكرية الأميركية.
ولكن كل ذلك تغير، وفي العام التالي تمت الموافقة على قانون المرافق العامة. حتى يوم إلقاء الخطاب، لم يكن لدينا حق التصويت في الجنوب. ولكن لم ينطبق ذلك على السود فحسب، فحتى المرأة البيضاء لم يكن يحق لها الانضمام إلى هيئة المحلفين، كما لم يكن يحق لشباب ذوي الثامنة عشرة – والذين كانوا يحاربون في فيتنام – التصويت. ولكن كل ذلك تغير.
ولكن آخر أعماله كانت حملة من أجل الفقراء، ولم تتم معالجة هذه المشكلة حتى الآن بشكل مجد، فهناك الكثير من الفقراء والكثير من العنف في بلد غني كأميركا، مما يعيق إحراز التقدم الذي نحتاج إليه.

* هناك صورة سلبية عند العرب للولايات المتحدة، حتى بعد وصول رئيس أسود لسدّة الحكم هل تعتقد أن هذه الصورة موضوعية أم لا؟
أعتقد أنه لا توجد إجابة بسيطة لهذا السؤال، فالعرب يرون أميركا من وجهات نظر مختلفة. يرسل العديد من القادة العرب أولادهم للدراسة في أميركا، فهؤلاء يرون أميركا كبلد التعليم. وهناك آخرون يستثمرون في أميركا، وهؤلاء يرونها كبلد الفرص التجارية.
أميركا لديها علاقات قوية ومتشابكة مع معظم الدول العربية، كالمملكة العربية السعودية أو دول الخليج عامة.
لا تؤدي أميركا دوراً ناجحاً في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فهي تحاول أن تكون بمثابة الحكم في هذا الصراع، ولكنها تدعم أحد الفريقين أكثر من الآخر. فمن الصعب تنفيذ حل الدولتين والاستمرار في بناء المستوطنات.
الأمن الإسرائيلي والعدالة الفلسطينية وجهان لعملة واحدة، ويكملان بعضهما البعض.
كانت أميركا تتبع سياسة القطيعة مع الفلسطينيين، وأنا ضد ذلك، والآن انتقلنا من سياسة القطيعة إلى حل الدولتين، إذن فهذا تقدم كبير في 30 سنة.

* لماذا نجح أوباما حيث أخفقت؟
لم تكن الظروف قد نضجت بعد، فقد كان علينا تغيير النفسية الأميركية وإصلاح أميركا وتغيير القواعد.
عندما ترشحت للرئاسة عام 1984، كان هناك مبدأ "الفائز يأخذ كل شيء"، فعلى سبيل المثال، إذا حصلت على نسبة 45% من الأصوات، وحصلت المعارضة على نسبة 50.1%، كانت المعارضة تحصد جميع الأصوات، وكان ذلك يهدف إلى الحد من تأثير أحزاب الأقلية.

وقد حصلت على ثلاثة ملايين صوت، وقد أقر قانون التناسب عام 1988، مما سمح لنفس عدد النواب بالحصول على أصوات الناخبين. وكان هذا هو التغيير. لذا حصلت على 1.200 نائب عام 1988.
الفرق الحقيقي عام 2008 عندما ترشح باراك أوباما للرئاسة كان فوز هيلاري كلينتون بأصوات كاليفورنيا وأوهايو وتكساس وبنسلفانيا. بناءً على قانون 1984، كانت كلينتون ستفوز بالانتخابات، ولكن بناءً على قانون 1988، استمر أوباما في الحصول على المزيد من النواب وفاز لأن القواعد تغيرت، فقد جعلنا الديمقراطية ديمقراطية!
تغيرت القواعد ولكن أوباما كان أيضاً مرشحاً ممتازاً، فقد كان محامياً متخرجا من جامعة هارفارد، وكانت حملته الانتخابية ممولة جيداً.
كنت أعرف حجم التحديات ولكن المشاركة في حد ذاتها تعد فوزاً، والاستسلام يعني الخسارة، ونحن لن نستسلم أبداً.


 مع حافظ الاسد:
*توسطت من أجل اطلاق سراح الطيار الاميركي روبرت جودمان بعد شعر من اسقاط السوريون طائرته من طراز إيه6-إي انترودر في 4 ديسمبر/كانون الأول عام 1983 وكانت جزءاً من حاملة الطائرات الأميركية "جي أف كينيدي" المتمركزة قبالة السواحل اللبنانية وأسروا طيارَيها روبرت غودمان ومارك لانغ الذي توفي متأثراً بجراحه.ماذا كانت الصفقة؟


سبق أن قابلت الأسد في محاولة لمعالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعند سقوط الطيارين، أحدهما كان أبيض والآخر أسود، وكلما طالت مدة أسر الطيارين، زادت رغبة الرئيس ريغان في إنقاذهما بعملية عسكرية. لذا عرضت على مستشاريه أن أذهب للتفاوض، فردوا بأنني لن أنجح ولكنهم لم يمنعونني، حيث كان يحق لي السفر إلى سورية لأن لدينا سفارة هناك.
قالوا لي إذا نجحت أحضر الطيار إلى البيت الأبيض، وهذا ما فعلته، واستقبله الرئيس وسألني "ما الذي يمكنني أن أفعله؟" فقلت له أن يتصل بالأسد ويشكره، حيث لم يكن بينهما حديث في تلك الفترة. فاتصل به وشكره ولم يتوقف الحديث بين البلدين منذ ذلك الحين.
كان الأسد متردداً في إطلاق سراح الطيار، ولكنني حاولت إقناعه بأنه لن يستفيد بأسر الطيار وبأن بدء المحادثات سيعود عليه بفائدة أكبر.
تحسنت العلاقات الأميركية السورية بعد وفاة حافظ الأسد وقمت أنا ومادلين أولبرايت بقيادة وفد إلى جنازته.

* كانت لديك علاقات جيدة ووساطات مع الأسد وكاسترو وميلوسوفيتش وشافيز!
نعم، فاوضت كاسترو لإطلاق سراح اثنين وعشرين أميركياً كانوا محتجزين في كوبا، وكان كاسترو يسعى إلى بناء جسر من التواصل، وفي ذلك الوقت كانت أميركا قد فقدت الدافع للاستمرار في القطيعة مع كوبا، ولكنها كانت تنتظر اللحظة المناسبة لإنهائها.
فعلى سبيل المثال، عندما حاولت جنوب أفريقيا التوسع نحو أنغولا، مما هدد شركات النفط الأميركية، قام كل من كوبا وأنغولا بحماية المصالح الأميركية هناك.

في كل مرة كانت هناك توترات بين أميركا وبين يوغوسلافيا أو كوبا أو سورية، وقد سعينا إلى تخفيف هذه التوترات من خلال التدخل للتفاوض من أجل إطلاق سراح الأسرى. في يوغوسلافيا كان هناك 3 سجناء أميركيين، وكان ميلوسوفيتش يشترط وقف القصف مقابل إطلاق سراح الأسرى.

زيارتي لشافيز لها جانب مختلف؛ وهو رفض تصريحات لأميركيين بضرورة اغتياله.
كان ثلاثتهم أقوياء (الأسد وميلوسوفيتش وكاسترو)، وحكموا بلادهم بالقوة، وكنا نأمل بأن ينتقلوا إلى الحكم الديمقراطي، وليس إلى الفوضى. فالانتقال من النظام (حتى العسكري) إلى الديمقراطية أسهل من الانتقال من الفوضى إلى النظام.

*هل تندم على عدم احترافك الرياضة وتوقيع عقد لتكون لاعب بيسبول؟
في ذلك الوقت لم تكن هذه مشكلة بالنسبة لي كمراهق، لقد اخترت الذهاب إلى الجامعة، ولكن الفصل العنصري كان عبئاً قمعياً. فعلى سبيل المثال، تم اعتقالي عام 1960 مع آخرين لأننا حاولنا استخدام المكتبة العامة، وكان ذلك هجوماً شخصياً. تم حبسنا ولكننا واصلنا الكفاح للقضاء على الفصل العنصري. لذا اخترت أن تتمحور حياتي حول الكفاح من أجل الحرية والعدالة.

لرفع معاناة الفقراء ومعالجة مشكلة الفقر بشكل مجد، فالفقر سلاح دمار شامل ويؤدي إلى المعاناة والتمرد والفوضى. ففي النهاية، تتغذى التنظيمات كالقاعدة والدولة الإسلامية على الفقر.

والنتيجة أننا اليوم لدينا قدرات عسكرية هائلة، ولكننا أقزام في ما يتعلق بالأخلاقيات. لقد غزونا العراق ثم أدركنا أنها كانت الهدف الخاطئ، ولكننا لم نعتذر أبداً.

اقرأ أيضاً: تمييز ضدّ السائقين السود في أميركا