معارك صعدة في اليمن: زعامة آل الأحمر تتأرجح

05 فبراير 2014
+ الخط -

بعد أسابيع من الاقتتال بين جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) ورجال قبائل ينتمون لأجنحة من قبيلة حاشد في مقدمتهم آل الأحمر، في محافظة عمران في أقصى شمال اليمن، يجري الحديث اليوم عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين. الاتفاق توسّط فيه أمين العاصمة اليمنية صنعاء، عبد القادر هلال، بعدما وصل إلى صعدة أمس الإثنين، والتقى على ما أُفيد بزعيم "أنصار الله"، عبد الملك الحوثي.

صحيح أن الاتفاق سيكون أمام اختبار التنفيذ في ظل تبادل الطرفين للاتهامات بالتسبب في اندلاع المعارك، وخصوصاً أن تجارب سابقة أثبتت أن مثل هذه الاتفاقات لا تدوم كثيراً، إلا أن الأهم يبقى أن الوساطة لم تكن لتجد طريقها إلى النجاح لولا حصول تغيرات في موازين القوى في المنطقة.

تبدُّل رُجِّحَت الكفة فيه لصالح "أنصار الله"، وبلغ ذروته بدخول الجماعة إلى معقل آل الأحمر في مديرية حوث، وتفجير منزل الشيخ حسين الأحمر، في خطوة سمحت في الوقت نفسه بإبراز تراجع غير مسبوق في نفوذ أولاد الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، داخل قبيلة "حاشد" التي يتزعمونها لصالح "أنصار الله".

جماعة "أنصار الله"، وعلى لسان المتحدث باسمها، محمد عبد السلام، أكدت لـ"الجديد" انفتاحها على أي وساطة، وتحديداً تلك التي قادها هلال، مشددةً على أنها لا تريد سوى "فتح الطرقات وإزالة نقاط التقطع". كما أنها تطالب بطرد "التكفيريين" من المنطقة (الأجانب الذين يقاتلون مع أولاد الأحمر)، وعودة المهجرين من أبناء حوث إلى منطقتهم". وهي نقاط تم تضمين معظمها في بنود اتفاق وقف اطلاق النار، ليتعزز بذلك موقف الجماعة، وخصوصاً أن الأخيرة كانت تؤكد على مدى الأسابيع الماضية أنها لم تعمد إلى فتح أي جبهة قتالية ولم تختر توقيت المعركة بل فرضت عليها الحرب.

موقف كرره عبد السلام في حديث لـ"الجديد"، محملاً "ميليشيات آل الأحمر" المسؤولية عبر فرض حصار على صعدة (بحجة مناصرة السلفيين بعد اندلاع المعارك بين أنصار الله والسلفيين في دار الحديث في دماج)، واستخدام عناصر تكفيرية لإذكاء الصراع".
وبينما ينفي عبد السلام لـ"الجديد" التهمة الموجهة لـ"أنصار الله" بوجود أطماع توسّعية على خلفية اتساع نطاق الحرب لتشمل، إلى جانب محافظة عمران، محافظة حجة المطلة على البحر الأحمر ومديرية أرحب التابعة لمحافظة صنعاء، فهو يصرّ على ضرورة الالتفات إلى أن الجماعة لم تكن وحدها من يخوض المعارك ضد آل الأحمر. كما أنه يجزم بأن العديد من أبناء محافظة عمران، بما في ذلك أجنحة في قبيلة "حاشد"، وتحديداً في حوث، كانوا يشاركون في القتال ضد آل الأحمر. جميعها معطيات دفعت عبد السلام للقول إن "توسع جماعته لم يحدث بسبب القوة العسكرية، بل بسبب ابتعاد الحاضنة الشعبية عن آل الأحمر في المنطقة".

على المقلب الآخر، يقدم رئيس تحرير جريدة "إيلاف" اليمنية، محمد الخامري، رؤية مختلفة للحرب وأبعادها، مشيراً، في اتصال هاتفي مع "الجديد"، إلى أن بداية الحرب سببها أطماع توسعية لـ"أنصار الله"، إلى جانب تصفية حسابات مع آل الأحمر الذين وقفوا إلى جانب الرئيس السابق علي عبد الله صالح في الحروب الست التي خيضت في صعدة ضد "أنصار الله".

اقتصاد الحرب

وهناك أسباب أخرى لا يمكن إغفالها، وقد اعتاد اليمنيون سماعها طوال السنوات الماضية. فيرى الخامري مثلاً، أن هذه الجولة الجديدة من الحرب في المنطقة يمكن وصفها أيضاً بأنها "حرب استثمارية للحوثي"، الذي يتسلم مبالغ مالية من إيران. كذلك الحال بالنسبة لآل الأحمر الذين يتسلمون من جهتهم مبالغ مالية من السعودية بحجة "محاربة الشيعة"، فضلاً عن وجود مراكز نفوذ يمنية لديها مصالح في استمرار الحرب، بما في ذلك مافيات بيع السلاح داخل الجيش أو خارجه.

ورغم ما أظهرته المعارك من تفوّق لـ"أنصار الله"، فإن هناك ما هو أكثر أهمية يجب الالتفات إليه من وجهة نظر كثيرين، وتحديداً في ما يتعلق بالتبدل في موازين القوى داخل قبيلة حاشد، إحدى أهم قبائل اليمن التي يتزعمها آل الأحمر منذ مئتي عام.

صحيح أن الخبرة العسكرية للحوثيين، التي اكتسبوها من ست معارك خاضتها الدولة ضدهم، أدّت دوراً أساسياً في ترجيح كفة الحرب لصالحهم، لكن ما يجب عدم التغافل عنه هو "تخاذُل" القبائل عن دعم أولاد الشيخ عبد الله الأحمر، بعدما انتقل بوفاته منصب شيخ مشايخ حاشد إلى نجله الأكبر، صادق.

وفي محاولة لفهم هذا التحول، لخّصت الصحافية ميساء شجاع الدين، لـ"الجديد"، رؤيتها لما جرى بالقول: "لم يسقط آل الأحمر أمام الحوثيين بسبب قوّتهم، بل بسبب تخلي قبيلتهم عنهم، وهذا بدا واضحاً منذ حرب الحصبة (المعارك التي اندلعت في صنعاء عام 2011 بين آل الأحمر والقوات المحسوبة على الرئيس اليمني في ذلك الحين، علي عبد الله صالح)"، والتي شهدت أيضاً انفراط عقد التحالف بين صالح وآل الأحمر الذي استمر لعشرات السنين.
كذلك أرجعت أسباب عدم نصرة قبيلة حاشد لمشايخها إلى ما وصفته بـ"السلوك المتعجرف" لأبناء آل الأحمر، فضلاً عن وجود مظالم تاريخية أدّى فيها سلوك آل الأحمر تجاه المناطق الخاضعة لسيطرتهم الدور الأبرز.

من جهة ثانية، يضيف الخامري أسباباً اضافية لتراجع نفوذه أولاد الأحمر، في مقدمتها انعكاسات وفاة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر على العائلة، وتحديداً لجهة تعدُّد جهات القرار داخلها، والمصالح الشخصية لدى الأبناء، فضلاً عن طغيان الاستثمار المالي على حساب الاستثمار القبلي.

ويوضح الخامري لـ"الجديد"، أن الشيخ عبد الله كان يُعرف عنه قدرته على الموازنة بين الاستثمار المادي والحفاظ على ولاء من يحيطون به، في حين أنّ الأبناء أصبح كل فرد منهم يريد تأسيس مملكته الخاصة على الصعيدين المالي والسياسي، وتكوين ولاءات خاصة به وليس ولاءات للعائلة.

كذلك توقف الخامري عند وجود أطراف في النظام الجديد تريد إضعاف آل الأحمر لتمرير مشاريع خاصة بها في إطار تنافس على مشاريع فئوية. وينبّه إلى أنه اذا كان هناك من يريد اضعاف آل الأحمر داخل "حاشد"، فإنه بالتأكيد لن يسمح ببروز شخصية قوية من جديد داخل هذه القبيلة.

رغم كل ما تعرضت له عائلة الأحمر أخيراً، فإنه لن يكون من السهل استبعادها او هزيمتها بسبب خسارتها لقرية هنا او مدينة هناك، لا لأن ما جرى ليس سوى جولة من ضمن معارك كثيرة مرجحة مستقبلاً فحسب، بل لأن قوة العائلة موزعة بين الجيش وباقي مؤسسات الدولة أيضاً، فضلاً عن قوتهم الاقتصادية التي لا يستهان بها.

 

المساهمون