تحديد موعد الجولة الثانية من الانتخابات البلدية بفرنسا رغم كورونا

22 مايو 2020
فيليب يبحث عن الإجماع (كريستوف بتي تيسون/ فرانس برس)
+ الخط -
قررت الحكومة الفرنسية وضع حد للنقاش والتكهنات حول موعد إجراء الدور الثاني من الانتخابات البلدية، حيث حدد رئيس الوزراء إدوار فيليب، في كلمة ألقاها اليوم الجمعة، 28 يونيو/حزيران المقبل موعداً لها، وذلك رغم المخاوف التي تسود بسبب إمكانية انتقال عدوى فيروس كورونا بين الناخبين.

ولم يكن مفاجئاً أن يقول فيليب، في كلمته اليوم، إن الحكومة تتخذ قرارها "وحدها"، وتتحمل مسؤولية خياراتها الحالية والسابقة، في إشارة إلى إجراء الدور الأول من الانتخابات في ظروف وبائية، الأمر الذي أدى إلى تعرضها لانتقادات عدة.

وفي غياب إجماع سياسي يمكن الاستناد إليه، بنى فيليب قراره اليوم على أساس "نصائح" و"تعليمات" المجلس العلمي الخاص بتقديم المشورة في فترة الوباء هذه. وبدا المجلس العلمي، في كلمة فيليب، كجهة تُستَمدّ منها الفتاوى والشرعية لتبرير هذا القرار أو ذاك. فالمجلس "يعتقد أنه من الممكن" إجراء الانتخابات في نهاية يونيو/ حزيران إذا ما اجتمعت شروط الحذر والتباعد الاجتماعي، لكنه يبدي قلقه من إمكانية إجراء الجولة بداية العام المقبل، لأن ذلك سيعني أن على الناس التوجه مرتين إلى صناديق الاقتراع، ما قد يضاعف احتمالات انتشار العدوى. وإذا ما دلّ تمترس الحكومة وراء مقولات المجلس العلمي على العزلة السياسية التي تعيشها هذه الأيام، فإنه يدل أيضاً على خوفها العميق من اتخاذ قرارات في الوقت الحالي، والذي تخفيه بخطاب تحمل المسؤولية.
ويأتي تحديد موعد الانتخابات في 28 يونيو/ حزيران المقبل بعد أيام من النقاش الساخن مع مختلف الأحزاب السياسية، المنقسمة بين الداعية إلى التعجيل بتحديد موعد الدور الثاني وإجرائه في أقرب وقت، وبين المحذرة من ذلك بسبب المخاطر الصحية أو بسبب صعوبة إجراء حملات انتخابية في ظلّ الوباء الذي تواجهه فرنسا.

وكان مقرراً لهذه الانتخابات أن تُحسَم في مارس/ آذار الماضي، وألا تدوم أكثر من يومَيْ أحد متتاليين، لكنها تحولت إلى مسلسل طويل لم يتفق القائمون عليه على كيفية إنهائه، بعدما حال وباء كورونا والعزل الذي عاشته فرنسا دون إجراء الجولة الثانية منها، ما فرض على العملية السياسية في فرنسا تجربةً لم يسبق أن شهدتها من قبل؛ إذ إن الحياة الإدارية معلقة في 5 آلاف مدينة وبلدة لم تُحسم الانتخابات فيها من الجولة الأولى. ورغم التعقيدات التي يفرضها غياب العمداء الجدد وفرقهم من الموظفين البلديين، إلا أن التعقيدات التي يفرضها وباء كورونا على إجراء الدور الثاني، والخلافات بين الأحزاب السياسية بل وحتى داخل الأغلبية الحاكمة، أخّرت حسم السؤال حتى اليوم.
وما جعل الملفّ شائكاً أكثر هو الضجيج الكبير الذي أثاره إجراء الحكومة، تحت ضغط اليمين، الدور الأول من الانتخابات يوم 15 مارس/ آذار الماضي رغم تحذير كثير من العلماء والأطباء حينها من خطورة ذلك ومن دور الاقتراع في نشر الفيروس بين الناس. وقد كلف هذا الخيار الحكومةَ ثمناً كبيراً دفعته من رصيد مصداقيتها وثقة الفرنسيين فيها، كما دفع بأعداد جديدة من الفرنسيين لرفع دعاوى ضد عدد من وجوهها، لتساهلهم في صد الوباء وتعريض حياة المواطنين للخطر. ولهذا، ربما، اقترح رئيس الوزراء إدوار فيليب، في لقائه مع ممثلي الأحزاب أول من أمس الأربعاء، موعدين متباعدين لإجراء الدور الثاني، هما نهاية يونيو/ حزيران المقبل وبداية السنة المقبلة، وكأن الأغلبية الحاكمة أرادت إظهار مرونتها أمام هذين الخيارين وإصغائها لكل الآراء، راميةً الكرة في ملعب الأحزاب المعارضة.


وفي حين بدا خيار يونيو/حزيران مستعجَلاً للبعض، ومخاطَرةً جديدة قد تشير إلى أن الحكومة لم تأخذ العبر من دروس الدور الأول، جرى ربط الخيار الثاني، أي تأجيل الانتخابات حتى بداية العام المقبل، بمسألة إلغاء نتائج الدور الأول وإعادة الاقتراع برمّته، وهي معركة لم يكن أحد يشكّ بأن الحكومة تريد خوضها أمام يمين سيستميت للحفاظ على مكاسبه خلال الدور الأول. 

وكما فعلوا قبيل الدور الأول، نشط مسؤولو حزب "الجمهوريون" اليميني، في الأيام والساعات الماضية، لدفع الحكومة نحو إجراء الدور الثاني في أسرع وقت ممكن.
ولتبرير موقفهم الداعي لحسم الانتخابات بسرعة، لجأ عدد من وجوه اليمين إلى القول بضرورة إخراج المدن والبلدات المعلّقة إدارياً من حالة من الركود، لا سيما على الصعيد الاقتصادي، حيث يعتمد عدد من القطاعات، مثل قطاعي الأشغال العامة والعمارة، على نتائج هذه الانتخابات. وهذا ما فعله جان روتنر، رئيس منطقة الشرق الكبير الإدارية وعضو "الجمهوريون"، الذي ربط، في حديث له أمس الخميس على إذاعة "فرانس إنفو"، بين تأخير الجولة الثانية وتأزم الوضع الاقتصادي.
لكن حزب "الجمهوريون"، الذي نال نصيباً كبيراً من النقد بسبب ما قيل عن دفعه للحكومة نحو إجراء الدور الأول، أبدى حذراً كبيراً من تكرار هذا السيناريو، وأظهر أكثر من مرة عدم رغبته بمشاركة الحكومة في اتخاذ القرار. ومن هنا تأتي معارضته لمقترح الأغلبية، قبل أيام، بتحويل النقاش إلى تصويت في البرلمان على موعد المرحلة الثانية. ولم يكن حزب "الجمهوريون" وحيداً في رفض هذا التكتيك الذي لجأت الحكومة إليه لتقاسم المسؤولية، حيث جاءها الرفض من أقصى اليسار إلى يمين اليمين.
وبدت في الأيام الماضية خريطة الأحزاب الرافضة أو المؤيدة لقرار الحكومة إجراء الجولة الثانية في يونيو/ حزيران المقبل، أكثر تعقيداً مما كانت عليه قبيل الجولة الأولى. وانضم إلى المؤيدين عدد من الوجوه اليسارية، لا سيما الاشتراكية، وأبرزها عمدة باريس آن هيدالغو، الراغبة في حسم نجاحها في الدورة الأولى، وعمدة ديجون، فرانسوا ربسامون، وعمدة لومان والوزير السابق ستيفان لوفول، إضافة إلى عمدة ميتز، فريدريك غرو، وهم جميعاً من "الحزب الاشتراكي".


ووقع هؤلاء، مع أكثر من 30 عمدة آخرين من اليمين واليسار، بياناً نشرته "لوجورنال دو ديمانش" قبل أيام، حذروا فيه من "عزل الديمقراطية" ودعوا فيه إلى تجنب "زيادة الوضع سوءاً" في المدن والبلدات المعلقة إدارياً والتي ينتظر فيها "ملايين من الفرنسيين أن يصبح لديهم رئيس بلدية وفريقاً بلدياً". وهما الأمران اللذان استحضرهما رئيس الوزراء في كلمته اليوم في سياق تبرير خياره. أما الرافضون، فيمتدون من أقصى اليسار (حزب فرنسا الأبية)، إلى يمين اليمين (حزب انهضي يا فرنسا)، ووسط اليمين (حزب أودي)، بل وحتى الوسط، كما هو حال رئيس البرلمان وعضو الحزب الحاكم، "الجمهورية إلى الأمام"، ريشار فيران.