تجاوزات شرقي الفرات: فصائل معارِضة في قفص الاتهام

29 ابريل 2020
تدخل الجيش التركي لمواجهة المجموعات المنفلتة (نذير الخطيب/فرانس برس)
+ الخط -
أعادت الاشتباكات العنيفة التي اندلعت أخيراً بين فصائل تابعة للمعارضة السورية، وبين مجموعات متهمة بارتكاب تجاوزات بحق المدنيين في مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي في منطقة شرقي نهر الفرات، وانتهت بتدخل الجيش التركي، الأنظار إلى الانتهاكات التي تُرتكب بحق المدنيين في المناطق الخاضعة لفصائل المعارضة، في الشمال والشمال الشرقي من سورية، والتي تعد منطقة نفوذ تركي، مع اتهامات لمجموعات تنتمي إلى فصيل "أحرار الشرقية" بالوقوف وراء أغلب هذه الانتهاكات، التي تولّد حالات احتقان واستياء لدى سكان هذه المناطق.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ تجدد خلاف بين فصيلين ينتميان إلى "الجيش الوطني" التابع للمعارضة السورية في ريف الحسكة، كانا معاً منذ أيام في مواجهة فصيل آخر، في مؤشر واضح على أن استقراراً أمنياً في المنطقة لا يزال بعيد المنال في المدى المنظور، وأن هذه المنطقة مقبلة على نزاعات أخرى.
واندلعت الأحد الماضي اشتباكات وُصفت بـ"الدامية" بين فصيل "أحرار الشرقية" و"الفرقة 20" في ريف مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، وهو ما استدعى تدخلاً مباشراً من الجيش التركي لوقف الاشتباكات التي أدت إلى إصابة عناصر من الفصيلين. وذكرت مصادر محلية أن الاشتباكات جاءت على خلفية اتهامات من قبل "أحرار الشرقية" لعناصر من الفرقة بتفجير عربة مفخخة قرب أحد مقراتها في بلدة سلوك في ريف الرقة الشمالي مطلع العام الحالي، أدّى إلى مقتل جنود أتراك وعناصر من الفصيل. بينما نقل موقع "زمان الوصل" الإخباري المعارض عن نشطاء تأكيدهم أن قائد "أحرار الشرقية" أبو حاتم شقرا يفتعل المشاكل مع "الفرقة 20" للسيطرة على مئات الهكتارات من الأراضي غرب رأس العين، وهي قطاعات خاصة بالفرقة. وتشكّلت هذه الفرقة التابعة لـ"فيلق الشام" عام 2018 في الشمال السوري، وتضم مقاتلين من أبناء المنطقة الشرقية من سورية، ومن مقاتلي منطقة القلمون الشرقي في ريف دمشق، والمهجرين إلى الشمال السوري.

وكانت مصادر مطلعة من "الجيش الوطني السوري"، قد ذكرت لـ"العربي الجديد"، أن مجموعات من فصائل المنطقة الشرقية في سورية، من بينها "أحرار الشرقية" و"الفرقة 20" التابعان للفيلق الثاني في "الجيش الوطني"، هاجمت قبل أيام مواقع لفصيل "فرقة المعتصم" في خمسة أحياء بمدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي. وأضافت أن الهجوم وقع بعد منع "فرقة المعتصم" لتلك المجموعات من الاستيلاء على منازل تعود لمدنيين في المدينة، مؤكدة أن هذه المجموعات "استخدمت رشاشات ثقيلة وقواذف في الهجوم"، ما استدعى تدخلاً من الجيش التركي لمواجهة هذه المجموعات المنفلتة. ووفقاً للمصادر فقد تركزت عمليات الهجوم على أحياء المحطة والخرابات والعبرة وشارع الكنائس وخزان المياه، إضافة إلى منطقة المعبر الحدودي مع تركيا.

ونفى مصدر من "فرقة المعتصم"، لـ"العربي الجديد"، وقوع قتلى أو جرحى بين عناصر الفرقة، مؤكداً أن الجيش التركي تدخل لمنع المهاجمين من الاستيلاء على منازل المدنيين. وذكرت مصادر محلية أن فصائل عدة في "الجيش الوطني" ساندت "فرقة المعتصم" ضد المهاجمين، مشيرة إلى أن من قام بالهجوم "مجموعات خارجة على القانون، تقوم بممارسة الانتهاكات بشكل متكرر في مناطق سيطرة الجيش الوطني". وكان الجيش التركي قد سيطر في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، مع فصائل المعارضة السورية، على المنطقة ما بين مدينتي تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي. وتسلّمت المنطقة فصائل تابعة للمعارضة السورية، منها "أحرار الشرقية"، لتحصل تجاوزات بحق المدنيين. وقُتل في يناير/كانون الثاني الماضي مدني في مدينة تل أبيض على يد عنصرين من فيلق "المجد" التابع لفصائل المعارضة، لأسباب تتعلق بسرقة ممتلكات، وهو ما تسبب باحتقان شديد في المدينة، التي شهدت حالات تعذيب معتقلين على يد مجموعات تُنسب إلى فصائل المعارضة، وفق مصادر محلية.

وتحدثت مصادر، لـ"العربي الجديد"، عن وجود حالة استياء من قبل سكان رأس العين من عدم انضباط عناصر في فصائل "الجيش الوطني"، وقيامهم بممارسة انتهاكات متعددة منذ السيطرة على المدينة التي كانت تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، منها سرقة منازل، بعد اتهام أصحابها بالعمالة لـ"وحدات حماية الشعب" الكردية التي تشكل الثقل الرئيسي في "قسد".

وقال مصدر من "الجيش الوطني"، لـ"العربي الجديد"، إن مجموعات تنتمي إلى فصائل بعينها لا تتوانى عن ارتكاب تجاوزات بحق المدنيين في كل المناطق التي تتمركز فيها، مشدداً على أن ذلك "يتعارض تماماً مع مبادئ وقيم الثورة السورية". وأكد المصدر أن "الجيش الوطني" جاد في ضبط الأمن ومنع التجاوزات والعبث بأمن المدنيين "من خلال مجموعات خارجة على القانون باتت معروفة للجميع". ويأتي "أحرار الشرقية" في مقدمة الفصائل التابعة للمعارضة المتهمة بارتكاب تجاوزات في المناطق التي لها وجود فيها في الشمال السوري. ويتهمه ناشطون سوريون أكراد بارتكاب تجاوزات تصل إلى حدود تصفية مدنيين في منطقة عفرين في الشمال الغربي من حلب، والسيطرة على ممتلكاتهم تحت ذريعة مساندتهم لـ"وحدات الحماية" الكردية التي كانت تسيطر على المنطقة. ووصل الاستياء في صفوف المدنيين في منطقة عفرين حد التظاهر مطلع العام الماضي، عقب قتل مهجر من منطقة القلمون في ريف دمشق وجرح شقيقه في عفرين، برصاص مقاتلين من "أحرار الشرقية". وطالب المتظاهرون بإخراج "أحرار الشرقية" من المنطقة ووضع حد لتجاوزات عناصره بحق أهالي عفرين، والمهجرين إليها من الغوطة الشرقية.

وأكدت مصادر محلية أن "أحرار الشرقية" يقف وراء عشرات حالات الخطف من أجل الفدية في منطقة عفرين، وهو ما استدعى تدخلاً من "الجيش الوطني" في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، لإيقاف هذا الفصيل عند حدود معينة. ولم تقتصر الانتهاكات على الخطف، بل وصلت إلى السيطرة على منازل لمدنيين اضطروا إلى مغادرتها، إضافة إلى السطو على مواسم الزيتون التي تتميز بها منطقة عفرين. كما تلاحق هذا الفصيل، الذي تشكّل مطلع العام 2016، في الشمال السوري، اتهامات بتجاوزات توصف بـ"الجسيمة" في منطقة "درع الفرات" في ريف حلب الشمالي والشمالي والشرقي. وحاصر هذا الفصيل في مارس/آذار الماضي مستشفى مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي إثر خلافات مع الشرطة العسكرية التابعة لـ"الجيش الوطني" انتهت بمقتل أحد القياديين في "أحرار الشرقية".

في المقابل، أوضحت مصادر مقربة من الفصيل أنه خسر نحو 500 عنصر من صفوفه في المعارك التي دارت ضد تنظيم "داعش" إبان عملية "درع الفرات" التي بدأت منتصف عام 2016، وانتهت في فبراير/شباط من عام 2017 بطرد التنظيم من ريف حلب الشمالي الشرقي. ويضم هذا الفصيل عدداً كبيراً من مقاتلين ينتمون إلى عشيرة الفدعان، وقبيلة الشعيطات التي كانت تسيطر على جانب كبير من ريف دير الزور الشرقي، قبل أن تدخل بصراع طويل مع "داعش" منتصف 2014 انتهى بسيطرة التنظيم على المنطقة الغنية بالبترول. وارتكب التنظيم منتصف ذاك العام مجزرة بحق نحو 700 شخص ينتمون إلى قبيلة الشعيطات، بينهم أطفال ونساء ورجال وشيوخ، وفق رواية ناجين من المجزرة. وفرض التنظيم تهجيراً قسرياً على أغلب أبناء القبيلة بعد سلب ممتلكاتهم، كما دمر مئات المنازل التي تعود ملكيتها لمقاتلين في صفوف "الجيش الحر"، واستملك أكثر من 4 آلاف منزل. وغادر عدد من أبناء القبيلة المنطقة باتجاهات مختلفة، حتى شُكّل فصيل "أحرار الشرقية"، الذي يقوده أبو حاتم شقرا، من المقاتلين الذين وصلوا إلى الشمال السوري. ويُتهم أبو حاتم شقرا، المتحدر من بلدة شقرا في ريف دير الزور الغربي، بقتل القيادية الكردية هفرين خلف وحارسين كانا معها، إبّان العملية العسكرية التركية في منطقة شرقي نهر الفرات في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

ووفق مصادر مطلعة، يتجاوز عدد عناصر "أحرار الشرقية" الألفي مقاتل، وله معسكرات تدريب في ريف حلب الشمالي، خصوصاً في مدينة الراعي التي يتخذها الفصيل مركزاً رئيسياً له، إلى جانب ناحية راجو ومدينة الباب. وعقب العملية العسكرية التركية في منطقة شرقي نهر الفرات العام الماضي، حاولت جماعات ضغط كردية دفع واشنطن إلى تصنيف "أحرار الشرقية" وفصائل أخرى تابعة للمعارضة السورية، في خانة التنظيمات الإرهابية، ولكن هذه المحاولات لم تنجح. وكانت مصادر تركية كشفت، لـ"العربي الجديد"، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن واشنطن أبلغت أنقرة بأنها ستعمل على زجّ فصائل وقيادات عسكرية من الفصائل السورية، المدعومة من قبل تركيا، ضمن قوائم الإرهاب، بحجة ارتكاب هذه الفصائل تجاوزات وانتهاكات بحق المدنيين في مناطق العملية العسكرية التركية. ومن أبرز الفصائل التي جرى تهديدها، بحسب المصادر، "فرقة السلطان مراد"، و"أحرار الشرقية"، و"أحرار الشام"، و"فيلق الشام"، والقيادي السابق في "فيلق الشام" ياسر عبد الرحيم. لكن المصادر لفتت إلى أنه بعد نقل هذا التحذير الأميركي لأنقرة، ساد هدوء نسبي في هذا الملف، ما يشير إلى مساعٍ أميركية من أجل إبقاء الأمر سيفاً مسلطاً على رقاب المعارضة، وورقة ضغط ضد تركيا في أي مفاوضات مستقبلية لتنظيم المشهد السوري.

دلالات