استمع إلى الملخص
- **ترشيح كامالا هاريس والتحديات المقبلة**: دعم بايدن نائبته هاريس كمرشحة بديلة، لكن التحدي يكمن في تجيير المندوبين لصالحها. تلميحات بترتيبات لانتخابات أولية مصغرة تشير لاحتمال استبدالها بمرشح آخر.
- **السيناريوهات المحتملة والضغوط الزمنية**: رغم تصدر هاريس، تحسنت فرص الديمقراطيين بعد أداء ترامب المتخبط. الوقت يلعب ضدهم، والتحدي هو عبور المرحلة بسرعة وبأقل تجاذبات.
في النهاية، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن انسحابه مضطراً من معركة الرئاسة. مغادرته المعركة كان لا فرار منها بعد انفضاح عجزه في مناظرة الشهر الماضي، التي كتبت نهاية محاولته لتجديد رئاسته. وترسخ ذلك بعدم قدرته على تعويم وضعه، الذي شهد منذئذ هبوطاً بدا أنه من النوع الذي لا رجعة فيه بحكم العمر، والذي حرّك المؤسسة الحزبية لمطالبته بالتنحي. ولم تقو معاندته طوال أسابيع على التغلب على ما أصبح موجة عارمة في هذا الاتجاه. وعلى هذه الخلفية، حظي رضوخه بالترحيب (ما عدا في صفوف الجمهوري الذي كان يحبذ بقاءه) باعتباره خطوة برغماتية ولو إجبارية، وفّر بها على حزبه هزيمة شبه محققة. والبعض يضيف أنه أعفى أميركا من عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
الآن ماذا بعد هذا الانقلاب غير المسبوق في تاريخ الرئاسة؟ السؤال تتفرع عنه أسئلة كثيرة تتطلب أجوبة ومعالجات في فترة زمنية ضاغطة، حيث لم يبق سوى 107 أيام لموعد الانتخابات. بايدن المدرك للتعقيدات والحساسيات، حاول استباقها بإعلان دعمه لنائبته كامالا هاريس مرشحةً بديلةً. وهي بحكم منصبها مرشح طبيعي حسب عرف انتخابي معمول به، حيث يحظى نائب الرئيس بالأولوية في الترشيح الحزبي بعد نهاية ولاية الرئيس. لكن الترشيح شيء والفوز بالتسمية مرشح الحزب، شيء آخر.
وعادة ورغم العرف، يدخل آخرون في منافسة لنائب الرئيس. لكن هذا يحصل في انتخابات التصفية الحزبية (الانتخابات الأولية) التي جرت في الأشهر الستة الأولى من الشهر الجاري، والتي حسمها بايدن لمصلحته ومن دون منافس تقريباً. الآن تغيرت اللعبة. تجيير المندوبين (3800) لمصلحة مرشح جديد يعتمده المؤتمر العام للحزب الديمقراطي في منتصف أغسطس/آب القادم، يتطلب التوافق بين الديمقراطيين على مرشح واحد يحظى بالأكثرية إن لم يكن بالإجماع. وهنا يبرز تحدّي مرحلة ما بعد بايدن، إذ بدأت التلميحات تتردد حول ترتيبات تنطوي على توجه يدفع بوجوه جديدة لتدخل على خط الترشيح عبر ما يسمى بـ "انتخابات أولية مصغرة وسريعة" لاختيار بديل "ليس بالضرورة هاريس". وثمة همس بأن مثل هذه الصيغة تستهدف في العمق "استبدال" هاريس بمرشح آخر.
وفي حيثيات هذا التوجه أن رصيد هاريس الانتخابي "فقير" مثل بايدن. وهذا صحيح لاسيما وأنها لم تلمع خلال السنوات الثلاث الماضية في المهمات التي أوكلت إليها ومنها قضية الحدود الفالتة مع المكسيك، إذ انتهت إلى الأسوأ. وهناك تحفظات ضمنية لا تخل من الغمز العنصري وتتراوح بين الكلام عن أنها السيدة الأولى من بين الملونين التي يمكن أن تخوض معركة الرئاسة وأن المناخ السياسي الاجتماعي السائد قد يعمل ضدها فقط لأنها من الأقليات (أمها هندية ووالدها من جامايكا وزوجها يهودي).
رصيد هاريس الانتخابي "فقير" مثل بايدن
يضاف إلى ذلك أن أميركا "غير مستعدة بعد لانتخاب امرأة" كما كشفت انتخابات 2016 التي خسرتها هيلاري كلينتون. يضاف إلى هذا وذاك أن هناك فرصة للطامحين إذ يجري طرح أسمائهم لجس النبض، مثل السناتور الديمقراطي سابقا والمستقل حاليا جو مينشن، كتسوية بين المتنافسين لو استفحلت الخلافات في ما بينهم أو غاب الإجماع عن هاريس.
السيناريوهات حول البديل كثيرة ولو أن هاريس تتصدر المرجحين والمتحفزين وهم على ازدياد بعدما تحسنت فرص المرشح الديمقراطي بعد بايدن وبعد الأداء "المتخبط" للرئيس ترامب في خطاب قبول الترشيح الذي ألقاه ليلة الخميس الماضي أمام المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري. وقد انعكس ذلك في تراجع رصيده إلى حد أن الفارق بينه وبين هاريس بات في حدود 2 إلى 3 نقاط. وفي ذلك حافز آخر للديمقراطيين المتطلعين إلى الرئاسة في هذه الانتخابات.
والحوافز أكثر بالنسبة لاختيار نائب جديد للرئيس. بازار جديد انفتح وعامل الوقت يلعب ضد المتعاملين فيه، إلا إذا حسموا الخيار بسرعة وتحاشوا الخلافات والحساسيات.
بانسحابه حفظ بايدن تركته وابتعد عن نهاية درامية لحياته السياسية. لكنه تأخر وخلط الأوراق في لحظة حرجة ومحتقنة خاصة بعد محاولة اغتيال ترامب قبل أسبوع. والتمادي في التأخير رفع منسوب المجازفة. هاريس مرشحة الأمر الواقع إلا إذا تغيرت المعادلة المفتوحة على شتى الاحتمالات. فهي ليست بالضرورة مرشحة إجماع. والاختبار للديمقراطيين أن يعبروا هذا الممر بسرعة وبأقل ما يمكن من التجاذبات، ولو أن ذلك عملة نادرة في صفوفهم هذه الأيام.