مع ظهور جائحة كورونا، وبدء التعامل معها في دولة الاحتلال الإسرائيلي بشكلٍ رسمي، أصدر مركز أبحاث الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، ومراكز أبحاث أخرى، دراساتٍ وسيناريوهات مختلفة حول تأثير الجائحة على إسرائيل، على مختلف الأصعدة، بدءاً من انطلاق إيران مجدداً نحو بناء قوة نووية، مروراً بسيناريوهات استعادة تنظيم "داعش" لقوته وإعادة تنظيم صفوفه، وبـ"حزب الله" اللبناني، وانتهاءً باحتمالات التصعيد مع حركة "حماس" واشتعال الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة. لكن موضوعاً وحيداً ظلّ بعيداً عن الأعين، وهو ما تُحدثه "كورونا" في دولة الاحتلال نفسها، وليس في سياق الاقتصاد والمجتمع لجهة تفاقم الفروقات الطبقية، وإنما لجهة احتمالات اندلاع تمرد وعصيان مدني ضد "الدولة" وضد سلطاتها المختلفة.
وكشف تقريرٌ خاص لصحيفة "هآرتس"، نُشر أمس الجمعة، أن جهات مختلفة في أذرع الاستخبارات الإسرائيلية العسكرية والعامة، بحثت وتداولت في سبل مواجهة ومنع اندلاع عصيانٍ مدني على خلفية جائحة كورونا. وبحسب التقرير، فإن ضباطاً وجنوداً من إحدى الوحدات السرّية في جمع المعلومات، التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، شاركوا في مداولات الطاقم الخاص الذي أسسّه مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، والذي أوصى بين جملة توصياتٍ مختلفة، بإقامة هيئةٍ خاصة تُدعى "هيئة الوعي"، وظيفتها منع تطور عصيان مدني في إسرائيل، رداً على تفاقم الأوضاع الاقتصادية والنفسية والصحية للإسرائيليين. كما من وظيفة الهيئة بحث كيفية "استباق ومنع مثل هذا العصيان، من خلال تفادي مخاطر هيجان اجتماعي واسع النطاق قد يسبب احتجاجات واسعة ضد الحكومة ومؤسسات الدولة".
كما احتلت المداولات محاولات السلطة، وتحديداً الحكومة والإعلام، البحث عن كبش فداء لتحميله مسؤولية تفشي الجائحة، كما عكست ذلك تقارير إعلامية بشأن الحريديم اليهود والمجتمع الفلسطيني في الداخل أو اللاجئين الأجانب. وأيضاً الشعور الذي نشأ لدى فئات من المجتمع الإسرائيلي، مثل كبار السن، بالإهمال المقصود، إلى جانب انخفاض الشعور بالأمن الشخصي، و"تطبيق القانون من قبل الأفراد أنفسهم"، وغيرها من العوامل التي عددتها وثيقة تمخضت عن المداولات بهذا الخصوص، تؤشر إلى احتمال تمرد عام يهدد على المدى البعيد "الديمقراطية والمجتمع في إسرائيل".
واقترح الطاقم الخاص في سياق دراسة إمكانيات مواجهة هذا السيناريو، العمل على مستوى الوعي العام لتخفيف وإضعاف مشاعر الغضب لدى الجمهور. واقترح عملياً، ما يشبه الأقسام والهيئات التي سادت في دول استبدادية، بإقامة قسمٍ خاص في كل وزارة يكون مسؤولاً عن "حالة الوعي" وقياس نبض الجمهور وزيادة وتكثيف مكونات الوعي العام "بأننا جميعاً في المركب نفسه" و"علاج متساوٍ للجميع" و"المصير المشترك" لدى كافة مكونات المجتمع الإسرائيلي. وتتماشى هذه التوصيات التي يقترحها الطاقم المذكور مع زيادة وتكثيف خطوات الحكومة الإسرائيلية للسيطرة على الوعي العام، وتقديم صورة وردية بشأن وقف تفشي المرض من جهة، مقروناً في الوقت نفسه بعامل الترهيب من أن عدم الانصياع للتعليمات الحكومية من شأنه أن يعيد خطر تفشي كورونا بشكل لا يمكن السيطرة عليه.
وفي هذا السياق، نشرت الصحف الإسرائيلية في أكثر من مناسبة، انتقادات من داخل وزارة الصحة وكبار المسؤولين فيها للسياسة التي يتّبعها مدير عام وزارة الصحة، موشيه بار سيمان طوف، بتنسيقٍ تام مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، واحتكار المعلومات المتعلقة بالمرض وسبل مواجهته وعدم اتباع الشفافية، من جهة، مقابل تحجيم ومحاصرة كل من يعارضون الخطّ الرسمي الذي يقوده نتنياهو وبار سيمان طوف، من جهة أخرى.
إلى ذلك، فإن ما نشر في وسائل الإعلام خلال عيد الفصح اليهودي قبل أسبوعين، بشأن خرق كل من نتنياهو ورئيس الدولة، رؤوبين ريفلين، وكبار الحاخامات لقواعد الحجر الصحي، هزّ الثقة العامة للجمهور بتعليمات الحكومة. ولعل ما يزيد حالة عدم الثقة، هو إصرار الحكومة على محاولة مواصلة توسيع صلاحيات جهاز "الشاباك" في مراقبة المواطنين تحت حجّة مراقبة المصابين بالجائحة، واستخدام المعلومات بما يتعدى هذه الضرورة المعلنة.
إلى ذلك، فإن ملامح الحكومة المقبلة، وكونها أوسع حكومة في تاريخ إسرائيل، إذ يفترض أن تتكون من 36 وزيراً مع نحو 16 نائب وزير، في وقت يزداد فيه تفاقم الأزمة الاقتصادية، تزيد من حالة النقمة العامة، في حال لم تتجه هذه الحكومة إلى منح دعم اقتصادي كبير، ووضع خطة للخروج من أزمة كورونا، وإعادة عجلة الاقتصاد إلى ما كانت عليه قبل تفشي الجائحة.