لقاح كورونا: حق للجميع تهدده مصالح الأنظمة والشركات الخاصة

22 ابريل 2020
لا يزال الوباء يكبّل العالم (Getty)
+ الخط -


في ظل تسارع الأبحاث والاختبارات الهادفة لإنتاج لقاح لفيروس كورونا المستجد، وبروز مؤشرات على قرب حدوث ذلك مع إعلان فريق من الباحثين في جامعة برن السويسرية تقدّمهم في هذا السياق وأملهم أن يتم تطعيم السكان السويسريين بالكامل في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، تبرز تساؤلات عديدة حول إمكان إيصال أي لقاح لجميع الناس، في ظل معركة مبكرة بدأت قبل أكثر من شهر حول إنتاج هذا اللقاح، تخللتها محاولة "سطو" من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب على جهود شركة ألمانية.

وتتركز التساؤلات الأساسية حول المسؤولية المشتركة لكل دول العالم، لا سيما الكبيرة منها والتي تمتلك موارد لتطوير لقاح، لتوفيره للجميع في إطار تحوّله إلى حق كالطبابة والغذاء والعمل، ولا سيما للدول الفقيرة، التي واجهت في تجارب سابقة معاناة كبيرة ودفعت أرواح الملايين من شعوبها بفعل عدم توفير لقاحات لوباءات سابقة، كما مع تجربة إيبولا مثلاً حين تأخر اللقاح لسنوات. وتبرز في هذا السياق حقيقة أن شركات خاصة هي من تعمل على إنتاج اللقاحات وليس الإدارات الرسمية، بما يعني أن المكاسب المادية تكون الدافع الأول لهذه الشركات والتي توجَّه لها اتهامات بالتأخر في البدء بالعمل على لقاح لكورونا نتيجة انتظارها لترى كيفية تطور الفيروس.

وجميع هذه المخاوف كانت السبب على ما يبدو وراء القرار الذي تبنته الدول الـ193 في الجمعية العامة للأمم المتحدة ليل الإثنين، والذي يدعو إلى "الوصول العادل" إلى "اللقاحات المستقبلية" لفيروس كورونا. وطلب النصّ الذي قدّمته المكسيك وتم تبنيه بالإجماع إلا أنه غير إلزامي، "تعزيز التعاون العلمي الدولي لمكافحة كوفيد-19 وتكثيف التنسيق"، بما في ذلك في القطاع الخاص. ولم تعترض أي دولة على هذا النص، لا سيما بعد تجارب سابقة مع تفشي الأوبئة.

في هذا الإطار، يشكل تفشي إيبولا منذ عام 2014 حتى عام 2016 مثالاً بارزاً عن ما يمكن أن يحدث عندما تصبح الشركات الخاصة مسؤولة عن تطوير اللقاحات. تم إجراء الكثير من الأبحاث والتطوير المبكر للقاح إيبولا من قبل مختبر علم الأحياء الوطني الكندي، والذي أعطى لاحقاً ترخيصاً لشركة صغيرة للتكنولوجيا الحيوية مقرها الولايات المتحدة للمراحل النهائية من تطوير اللقاح. ثم قامت تلك الشركة ببيع ترخيص بشكل مبطن لشركة "ميرك" مقابل 50 مليون دولار، لتفشل الأخيرة في تحقيق أي تقدم نحو المرحلة الأولى من التجارب السريرية حتى بعد أن قامت منظمة الصحة العالمية بتوفير متبرعين وأموال عامة كبيرة للقاح لمزيد من التطوير. وأظهر ذلك أن القطاع العام وليس شركة "ميرك" هو الذي قدّم كل التمويل، بما في ذلك للتجارب السريرية، خلال الوباء.

اليوم ومع انتشار كورونا، وبعدما بات محسوماً أن العودة لحياة ما قبل التفشي مرهونة باكتشاف لقاح فعال، ومع حديث منظمة الصحة العالمية عن الحاجة للاستعداد لأسلوب حياة جديد والتكيف مع الوباء حتى التوصل للقاح، يبرز تسابق للتوصل إلى لقاحات للفيروس، بين أكثر من دولة، وسط شكوك في إمكان تشارك الإنجاز الذي سيحققه أي طرف مع باقي الدول، على الرغم من القرار الذي تبنّته الجمعية العامة للأمم المتحدة الإثنين والذي يدعو إلى "الوصول العادل" إلى "اللقاحات المستقبلية" لكورونا، وتعزيز التعاون العلمي الدولي لمكافحة الوباء. غير أن المصالح الاقتصادية والرهانات المالية على الأرباح التي ستحققها أي شركة تنجح في إنتاج اللقاح أولاً، يُتوقع أن تتجاوز كل الدعوات للتعاون الدولي، لتصبح الدول الأفقر، والتي تفتقد القدرة على المنافسة في هذا المجال، ضحية جديدة.
يضاف إلى ذلك مشكلة أساسية حول الكميات التي ستُنتج وكيفية توزيعها، ولا تزال تبرز أمثلة كثيرة حول الصعوبات أثناء عملية إنتاج لقاح الإنفلونزا، مما يؤدي حتى اليوم إلى نقص في بعض الأحيان. وقد يكون تصنيع جرعات كافية أمراً صعباً، لا سيما أن إنتاج لقاح لكورونا ستكون كل دول العالم وشعوبها بحاجة إليه.

وأهمية التوصل للقاح تنطلق خصوصاً من معطيين، أولهما الاقتناع بأن العودة للحياة الطبيعية لن تتم قبل إيجاد لقاح، والثاني التبعات الخطيرة لتفشي الوباء لا سيما على الدول الفقيرة. وفي هذا السياق، قالت منظمة الصحة العالمية إن عملية التكيف مع الوباء ستكون هي الوضع الطبيعي لحين التوصل إلى لقاح للفيروس، معتبرة أن إجراءات العزل العام أثبتت فعاليتها وأنه ينبغي على الجميع الاستعداد لأسلوب حياة جديد يسمح للمجتمع بالعمل مع استمرار جهود احتواء الفيروس. وأوصى المدير الإقليمي لمنطقة غرب المحيط الهادئ في المنظمة تاكشي كاساي، في مؤتمر صحافي أمس، بضرورة أن يكون أي رفع لإجراءات العزل العام المفروضة لاحتواء الوباء تدريجياً، محذراً من أنه إذا جرى تخفيف القيود قبل الأوان فستكون هناك عودة للعدوى.

هذه الوقائع تؤكد الضرورة القصوى للتوصل إلى لقاح فعال للفيروس، يوقف تداعياته على العالم كله. وبدأ التنافس على إنتاج اللقاح منذ أكثر من شهر بين مختلف الدول. وفي 16 مارس/آذار الماضي ذكرت قناة "فوكس نيوز" أن الولايات المتحدة شرعت في مرحلة الاختبار الفعلي للقاح محتمل ضد الفيروس، موضحة أن أول الاختبارات بدأ في مدينة سياتل. وفي الصين، ذكرت صحيفة "الشعب" التابعة للحزب الشيوعي، في 17 مارس الماضي، أن الصين أجازت إجراء التجارب السريرية على أول لقاح تطوره لمحاربة الفيروس.


ودخلت مراكز الأبحاث والجامعات والمختبرات العلمية في عدة دول في حالة استنفار وسباق مفتوح، للتوصل إلى لقاح يتيح تطويق انتشار الوباء. ومن أبرز مختبرات الأبحاث وشركات صناعة الأدوية في العالم التي تعمل في هذا المجال، جامعة "إيه آند إم- تكساركانا" في تكساس، وشركة الأدوية الفرنسية "سانوفي"، وشركة "إينوفيو فارماسوتيكل" الأميركية، وشركة الأدوية البريطانية "غلاكسو سميث كلاين"، وغيرها.

لكن الاسم الأبرز في هذه اللائحة يبقى شركة "كيورفاك" الألمانية، التي بدأت منذ يناير/كانون الثاني العمل لتقديم لقاح في الصيف، وتوجهت الأنظار إليها بعدما حاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إغراءها بمبالغ مالية للانتقال إلى الولايات المتحدة وبالتالي الحصول على اللقاح بشكل حصري. وقالت صحيفة "دي فيلت" الألمانية، إن الرئيس الأميركي اجتمع مع دانييل منيشيلا أحد مديري الشركة، وهو أميركي وليس باحثاً، وذلك بهدف إغراء الشركة بمبلغ مالي يصل إلى مليار دولار لتنقل مقرها من توبنغن الألمانية إلى الولايات المتحدة على أن يتم الإنتاج بشكل حصري للأميركيين. لكن الشركة رفضت إنتاج اللقاح حصرياً للولايات المتحدة.
وأعلنت المفوضية الأوروبية عن تخصيص تمويل بقيمة 80 مليون يورو لشركة "كيورفاك". أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فأعلنت أن النزاع مع الولايات المتحدة قد حسم، فيما قال وزير الاقتصاد الألماني بيتر التماير إن "ألمانيا ليست للبيع"، ملقيا بعبارات المديح على موقف الشركة التي أعلن مديرها كريستوف هيتيتش أنها "تريد تطوير لقاح للعالم بأسره وليس لدولة بعينها".

وفي ظل النهج الذي يتبناه ترامب بضرب أي عمل دولي جماعي، والاتهامات الموجهة للصين بإخفاء حقائق حول الوباء، والنزاعات داخل التكتل الأوروبي، لا تبدو الدول الكبرى مستعدة للاستجابة لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، التي وجهها في 16 إبريل الحالي، لأن يكون اللقاح متاحاً للجميع، مشدداً على أنه ينبغي أن يكون "عالمياً ويسمح بالسيطرة على الجائحة".

وفي سياق الخلافات الدولية، أكدت الصين أمس أنها كانت دائماً شفافة بشأن معركتها ضد كورونا. وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غينغ شوانغ أمام صحافيين أن "الصين لطالما عززت التعاون الدولي بشأن الوقاية من الأوبئة بشكل مفتوح وشفاف ومسؤول". ويبقى موضوع رفع إجراءات العزل شاغلاً لمختلف الدول. وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أمس، إنه ليس من الممكن حتى الآن تحديد متى سيتم تخفيف القيود المفروضة على السفر، مضيفاً "لا يجب أن يعيش أحد في أوهام" لأن الجهود المبذولة للحد من الجائحة ستستمر في تقييد حرية الحركة.

كما أعلن رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي أمس أنه سيعرض بالتفصيل "قبل نهاية الأسبوع" الإجراءات التي ستتخذها البلاد لتخفيف القيود المفروضة. وعن "المرحلة الثانية" من إعادة البلاد إلى الوضع الطبيعي، قال "يمكننا التفكير بأننا سنطبقها اعتبارا من 4 مايو/أيار". من جهته، استأنف البرلمان البريطاني اجتماعاته أمس مع تشجيع أعضائه على حضور الجلسة عبر خدمة الفيديو على الإنترنت.

وفي تداعيات انتشار الوباء أيضاً، تواصلت الصدامات الليلية في فرنسا بين الشرطة وسكان ضواحي باريس وستراسبورغ. وتوتر الوضع في ضواحي باريس، منذ تعرض راكب دراجة نارية مساء السبت في فيلنوف لا غارين إلى حادث في ظروف غامضة. وتم القبض على تسعة أشخاص ليل الاثنين الثلاثاء في الضاحية الباريسية بعد أعمال عنف. وفي شرق فرنسا، شهدت منطقتان تابعتان لمدينة ستراسبورغ مشاجرات ليل الاثنين ــ الثلاثاء. وفي ميناو، بالقرب من عاصمة الألزاس، تم استهداف مركز للشرطة بقنابل المولوتوف.

(العربي الجديد)

المساهمون