بصورة لافتة، تصاعدت المطالب من قبل منظمات حقوقية وشخصيات سياسية وفكرية، بإطلاق مسار مصالحة جديد في المغرب، عنوانه الرئيس إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وذلك بالتزامن مع التعبئة الجماعية التي تعيشها البلاد ضد فيروس كورونا المستجد.
وفي الوقت الذي تواصل فيه الدولة المغربية حربها ضد الفيروس القاتل، في ظل إجماع لافت على تثمين سياستها، حتى من قبل أشرس معارضيها، بدا لافتاً انضمام هيئات جديدة للمطالبين باستثمار أجواء ذلك الإجماع، لإطلاق مصالحة تبدأ بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والحراكات الاجتماعية.
وفي هذا السياق، طالبت جمعية هيئات المحامين بالمغرب، في رسالة وجهتها الإثنين الماضي، إلى وزير العدل محمد بنعبد القادر، بإطلاق مسار جديد من المصالحة الوطنية، ووقف جميع المحاكمات والمتابعات الجارية ضد نشطاء وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والصحافيين والمدونين وكتاب الرأي، وكل المتابعين لأسباب سياسية. كما طالبت الجمعية بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والحراكات الاجتماعية، بما في ذلك حراك الريف وجرادة، داعية إلى استغلال فرصة الإجماع الوطني، التي تحققت في هذه الظروف العصيبة جراء تفشي فيروس كورونا، من أجل تسوية هذه الملفـات العالقة.
ومنذ بدء فرض السلطات المغربية لحالة الطوارئ الصحية، في 20 مارس/آذار الماضي، سارعت شخصيات سياسية وأكاديمية وحقوقية وإعلامية وجمعوية، إلى توجيه "نداء الأمل" إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، من أجل إصدار عفو ملكي شامل عن كافة المعتقلين على خلفية حراك الريف، وعلى الصحافيين المحكومين منهم والمتابعين، على اعتبار أن من شأن ذلك أن "يعزز الظرف الوطني التعبوي المتزامن مع وباء كورونا"، وأن "يقوي مناعته المرجوة، ويزيد من ثقتنا وأملنا في المستقبل". وقال الموقعون على النداء "في هذه الظروف بالذات التي يجابه فيها الوطن، دولةً ومجتمعاً ومواطناً، الوباء الفتاك، فإننا نحن الموقعين على نداء الأمل هذا، المرفوع إلى جلالة الملك، نرى أن إصدار عفو ملكي شامل عن كافة المعتقلين على خلفية حراك الريف، والصحافيين المحكومين منهم والمتابعين، من شأنه أن يعزز هذا الظرف الوطني التعبوي، وأن يقوي مناعته المرجوة، ويزيد من ثقتنا وأملنا في المستقبل".
وجرت العادة في المغرب أن يقوم الملك بإصدار عفو عن معتقلين، قد يصل عددهم إلى المئات، سواء من المتابعين قانونياً وغير الموضوعين في السجن بانتظار قرار المحكمة النهائي، أو المدانين من قبل المحاكم، وذلك خلال مناسبات وطنية ودينية، كذكرى المسيرة الخضراء وعيد العرش وعيدي الفطر والأضحى. وإلى جانب النداء الذي وقّعت عليه شخصيات وازنة أمثال الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية إسماعيل العلوي، والوزير السابق بنسالم حميش، ونحو 200 من القيادات الفكرية والسياسية والثقافية من مشارب مختلفة، طالبت اللجان المحلية لدعم الحراك الشعبي بالريف وقضية معتقليه، بضرورة "إطلاق سراح المعتقلين، وفتح مصالحة وطنية شاملة، يكون عمادها التضامن بين كل مكونات الشعب لتجاوز هذه اللحظات العصيبة".
وبحسب الباحثة في العلوم السياسية شريفة لموير، فإن التلاحم الذي أظهره المغاربة لمواجهة فيروس كورونا يمكن تقويته من خلال انفراج سياسي، بإطلاق معتقلي حراك الريف ومختلف الحراكات الاجتماعية والسياسية، والتعاطي الإيجابي مع كل الدعوات التي تقوي الأمل، عبر التجاوب الإيجابي في لحظة فارقة وصعبة من تاريخ المغرب. وأشارت إلى أنه "إذا كانت الدولة قد أظهرت مشروعية الإنجاز، واختارت إنقاذ أرواح البشر على التبعات الاقتصادية، فإن الحس الشعبي يقوي الأمل في تحقيق دولة المصالحة، ويصب في اتجاه تقوية مفهوم سيادة القانون ويدعم المؤسسات". وقالت لموير، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "المواطن المغربي أثبت بوعيه أنه يقدم مصلحة الوطن على سواها، وأن الدولة لجميع أبنائها. كما أظهر ملك المغرب حرصه على تماسك شعبه، في إطار وحدة وطنية، وأسبقية الإنسان على كل شيء". ولفتت إلى أنه "مع مضامين الثقة والعزم يمكن للعاهل المغربي إصدار العفو عن المعتقلين في حراك الريف، والتأسيس لمرحلة جديدة سيكون عنوانها ترسيخ سيادة القانون، كمعطى يكرس هيبة الدولة في إطار ترسيخ القانون، دون أن ننسى أن المغرب لطالما عُرف بالتسامح مع أبنائه في إطار: الوطن غفور رحيم".
ويعتبر ملف حراك الريف الذي تفجر، بعد الاحتجاجات التي شهدتها مدينة الحسيمة وعدد من مدن وقرى منطقة الريف شمال المغرب، في أكتوبر/تشرين الأول 2016، للمطالبة بتنمية المنطقة وإنهاء التهميش ومحاربة الفساد، من الملفات الشائكة والمعقدة، بكل تداعياته الحقوقية والمدنية، سواء من طرف الدولة، أو تعدد وتنوع المتدخلين فيه من هيئات ولجان محلية ووطنية ودولية تُعبر عن المعتقلين وأسرهم أمام الدولة وأجهزتها الرسمية.
وفي تقدير الناشط الحقوقي خالد البكاري فإن اللحظة الراهنة موائمة لتدشين خطوات عملية، وأخرى رمزية، كمداخل لتمتين الوحدة الوطنية، معتبراً أن مبادرات، من قبيل إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، ووقف المتابعات الجارية التي تستهدف نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، تعد من أولويات المرحلة. ورأى البكاري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "إذا كانت كارثة كورونا قد أبانت عن نقص فظيع في الخدمات الاجتماعية، بيد أنها كشفت كذلك أن المغرب يحتاج بداية إلى إزالة جو اللاثقة بين الدولة والمجتمع"، مشيراً إلى أن على الدولة استثمار هذه الفرصة لحل ملف الاعتقال السياسي، الذي أحرجها، ولم تجن منه غير الإدانات الحقوقية الدولية، وغير التشكيك في نواياها بخصوص الديمقراطية.
وفيما أكد البكاري أن حل هذا الملف كفيل بتجسير الهوة بين المركز ومنطقة الريف، التي أعادت الاعتقالات بسبب الحراك مناخ اللاثقة عند سكانها تجاه الدولة، يعتقد الكاتب العام للجمعية المغربية لحقوق الإنسان الطيب مضماض بـ"ضرورة اغتنام الفرصة لتحقيق أكبر قدر من مطالب الشعب المغربي، وعلى رأسها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين الذين تزايد عددهم بشكل مخيف". وبحسب مضماض أن ما يميز المرحلة الراهنة هو توسع صف المطالبين بإطلاق سراح المعتقلين بشكل أكبر، بعد أن كان محصوراً في عدد من الجمعيات الحقوقية والنقابية والأحزاب السياسية، ما يعطي الأمل بتحقيق نتائج، "لا سيما في ظل استيعاب النشطاء والمناضلين في المغرب استحالة التقدم وتجاوز هذه المرحلة ما لم يتم تنفيس الضغط الذي تعيشه البلاد بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين".
وفي رده عن سؤال حول شروط تحقيق المصالحة، رأى مضماض، لـ"العربي الجديد"، أنها لا تقتضي فقط إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإنما كذلك توفر إرادة الدولة، والقيام بإصلاحات عدة على المستوىين السياسي والاقتصادي بما يحقق حقوق الإنسان والديمقراطية الحقيقية في البلاد. وأضاف "نتمنى أن تغتنم الدولة الفرصة لتحقيق تلك المصالحة، وإن كان من الصعب قراءة نيتها. إلا أننا نتمنى أن يؤتي توسع صف المطالبين بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ثماره".