بومبيو في الأمم المتحدة: ضغوط إضافية بالملف اليمني؟

06 مارس 2020
يحتاج 24 مليون يمني لمساعدات إنسانية (عيسى أحمد/فرانس برس)
+ الخط -

يحضر الملفان اليمني والسوري في اجتماع يشهده مقر الأمم المتحدة في نيويورك اليوم الجمعة، بين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، بطلب أميركي. وفيما أكد مصدر دبلوماسي رفيع المستوى في الأمم المتحدة أن عدداً من الملفات الساخنة سيكون على طاولة اللقاء، بما فيها سورية واليمن، كانت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، قد رجحت أن زيارة بومبيو تأتي للضغط على الأمم المتحدة لوقف مساعداتها، أو قسم منها، لبعض المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.

وكان قد حضر إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك الثلاثاء الماضي، وفد دبلوماسي من وزارة الخارجية الأميركية لعقد لقاءات مع مكتب غوتيريس للتحضير للقاء اليوم، من دون أن ترشح عن ذلك اللقاء أي معلومات. وتأتي التحضيرات في الوقت الذي كانت تقوم فيه السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة كايلي كرافت، بجولة دبلوماسية في تركيا، وعلى الحدود السورية التركية برفقة مسؤول الملف السوري في الإدارة الأميركية جميس جيفري.

ولكن ما هو حجم تلك الضغوط التي تمارس على الأمم المتحدة؟ وإلى أي مدى تستخدم أطراف النزاع في اليمن المساعدات الإنسانية كأداة حرب؟ في تصريحات لـ"العربي الجديد" في نيويورك، حول صحة المعلومات عن الضغوط التي يمارسها الأميركيون لتقليص حجم المساعدات التي تُقدّم إلى اليمن في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، قال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن "التقارير تتحدث عن موقف واشنطن، ولا يمكنني التحدث باسم الجانب الأميركي، ولكن ما يمكنني قوله، وقلنا (الأمم المتحدة) ذلك علناً، إنه كانت هناك قيود على إيصال المساعدات الإنسانية إلى اليمن، خصوصاً في الشمال، وفي الأشهر الأخيرة، هذا الأمر جعل مهمتنا أصعب وأثّر على نقل المساعدات الإنسانية". وأضاف "لقد أجرينا مباحثات مع المانحين حول الموضوع، خصوصاً خلال مؤتمر بروكسل الذي عقد أخيراً، وقمنا بإحاطتهم بعملنا والإجراءات التي اتخذت. ومن أجل التغلب على تلك التحديات كثفنا من محادثاتنا مع السلطات على الأرض، وعبّرنا عن جدية قلقنا حول الموضوع وتبعات ذلك". وأشار إلى تقدّم في هذا السياق، خصوصاً ما يتعلق بإعلان الحوثيين عن إلغائهم "ضريبة" الـ2 في المائة التي كانوا يريدون فرضها على المساعدات الإنسانية التي تُقدّم لملايين المحتاجين اليمنيين. وعبّر دوجاريك عن أمله أن يتم الوفاء بتلك الوعود وأن تطبق على الأرض.

مما لا شك فيه أن منظمات الأمم المتحدة التي تقدّم المساعدات الإنسانية، كـ"أوتشا" وغيرها، في وضع لا تُحسد عليه، إذ عليها التعامل بحذر شديد مع الدول المانحة ونفوذها من جهة، وأطراف النزاع على الأرض من جهة أخرى. وقد تتبع استراتيجيات مختلفة لتحقيق أهدافها الرئيسية، والتي تتمحور حول إيصال المساعدات لكل المدنيين المحتاجين في مناطق النزاع، مع الحفاظ على القانون الدولي والحصول على تمويل كافٍ لكل تلك الصناديق. فهي قد تأخذ وقتاً أكبر للتفاوض خلف أبواب مغلقة حيناً، والإعلان في أوقات أخرى عن تلك العقبات عندما ترى أن الرأي العام قد يساعد في الضغط. وفي أحيان أخرى اضطرت لاتخاذ إجراءات صعبة، تمثلت بوقف العمل ببرنامج ما عندما رأى المسؤولون فيها أن لا خيار آخر أمامهم. ولعل أبرز تلك الأمثلة كانت عندما علّق برنامج الغذاء العالمي جزءاً من مساعداته بين شهر يونيو/حزيران وأغسطس/آب من العام الماضي في مدينة صنعاء، ما أثر على قرابة 850 ألف شخص في تلك المنطقة بسبب استمرار "تحويل" (سرقة) تلك المساعدات من المحتاجين. وصرح آنذاك المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي، في إحاطة أمام مجلس الأمن في يونيو الماضي، أن البرنامج أجرى تحقيقاته، وتبين أن قرابة ستين في المائة ممن تم استجوابهم لم يحصلوا على المساعدات الغذائية في صنعاء، على الرغم من وجود بصماتهم في النظام.


واستثنت الأمم المتحدة في حينه وقف تقديم المساعدات في صنعاء الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية والنساء الحوامل والأمهات اللواتي أنجبن حديثاً. ثم أعاد البرنامج تقديم المساعدات، بعد حصول الأمم المتحدة على ضمانات بعدم سرقتها، والتوصل لاتفاق مع الحوثيين في صنعاء حول ذلك في شهر أغسطس. لكن يبدو أن الخلاف حالياً بين الأمم المتحدة والحوثيين حول تطبيق تلك الاتفاقيات بالذات. وقال مسؤولون في الأمم المتحدة، في الأشهر الأخيرة في أكثر من مناسبة، إن البيروقراطية والقيود المفروضة على المنظمات الإنسانية، بشكل خاص في شمال اليمن، تُعيق تقديم المساعدات ووصولها للمحتاجين، كما تقديرات ومراقبة تلك الاحتياجات على الأرض. وأشارت "أوتشا"، في عدد من تقاريرها، إلى أنها تجابه كذلك تحديات في الجنوب لكنها أقل تعقيداً وليست بمستوى ما يحدث في الشمال. فعلى سبيل المثال لم توافق الحكومة اليمنية على ثلاثين في المائة من المشاريع التي تم تقديمها من قبل منظمات غير حكومية. كما يشكو العاملون في الأمم المتحدة من أن البيروقراطية كذلك في الجنوب مرهقة للغاية.

ويقدّم برنامج الغذاء العالمي مساعدات إنسانية لقرابة 12 مليون يمني شهرياً. وعبّر عدد من المسؤولين في الأمم المتحدة عن امتعاضهم من استخدام جميع الأطراف للمساعدات الإنسانية كسلاح حرب، بما فيها الحكومة اليمنية، لكن الخروقات الأكبر تستمر من قبل الحوثيين بحسب مسؤولين أمميين. أما الدول المانحة، بما فيها الولايات المتحدة، فإنها قد تتعامل مع تلك المساعدات بعدة طرق، منها لتحسين صورتها، خصوصاً إذا كانت طرفاً في النزاع، أو تقدّم دعماً لأحد أطراف النزاع، وهو ما تقوم به الولايات المتحدة التي تدعم التحالف بقيادة السعودية في حربه في اليمن.

وأعرب مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، فضّل عدم ذكر اسمه، رداً على أسئلة لـ"العربي الجديد" في نيويورك حول الأمر، عن قلقه الشديد حول الموضوع، وأن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تموّل بشكل مسؤول عمليات إغاثة، إن لم تتمكن من مراقبة وحماية مصداقية برامج المساعدة الإنسانية في اليمن. وأشار المصدر إلى أن الولايات المتحدة يجب أن ترى تقدّماً ملموساً من قبل الحوثيين من أجل رفع تلك العوائق، بُغية أن تستمر في تقديم مساعداتها.

هذا التعامل مع المساعدات الإنسانية ككرة تتقاذفها الأطراف على الأرض من جهة، وكورقة مقايضة من قبل الدول المانحة، يستخدم في جميع النزاعات. لكن نظرة سريعة على حجم المساعدات التي تقدّمها الأمم المتحدة في اليمن يظهر مدى حساسية الأمر لليمنيين الذين يعانون الأمرّين. وتشهد البلاد أكبر أزمة إنسانية في العالم، إذ يصل عدد المحتاجين لمساعدات إنسانية إلى قرابة 24 مليون يمني، أي نحو ثمانين في المائة من الشعب اليمني، بحسب تقارير الأمم المتحدة، التي تشير إلى أنها تقود في اليمن أكبر عملية مساعدات إنسانية في العالم. وتقدّر حجم احتياجاتها لهذا العام بـ3.2 مليارات دولار. وحصلت العام الماضي على 3.5 مليارات دولار من أصل 4.2 مليارات دولار كانت بحاجة إليها. وتُقدّر مقتل أكثر من 250 ألف يمني منذ بدء عمليات التحالف بقيادة السعودية في البلد. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو 100 ألف منهم قُتلوا بشكل مباشر نتيجة الاقتتال والحرب، وأكثر من 130 ألفاً نتيجة الجوع والأمراض، بحسب تقرير صادر عن "أوتشا" نهاية العام الماضي. كما تفشت الأمراض كالكوليرا، فيما يعيش الملايين على حافة المجاعة وسوء التغذية.