عودة الأهالي إلى منازلهم لم يتطرق إليها الاتفاق إلا بمقدمته بشكل خاطف من دون تحديد تفاصيلها، فيما إذا كانت تحت سيطرة قوات النظام أو بعد انسحابها، مع رفض معظم النازحين الذين خرجوا من مناطق في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي وريفي حماة الشمالي والغربي وريفي حلب الجنوبي والغربي، العودة في ظل وجود قوات النظام، التي تمنعها أساساً. وما يدل على ذلك هو إبقاؤها على المناطق التي سيطرت عليها قبل عام تقريباً في كل من ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي فارغة من السكان منذ ذلك الحين، رغم كل الوعود والتصريحات لمسؤولي النظام حول إعادة تأهيل البنى التحتية وإعادة الخدمات تمهيداً لعودة النازحين، لكن من دون أدنى تطبيق فعلي على أرض الواقع. ويشدّد الاتفاق في مقدمته على "أهمية منع مزيد من التدهور في الحالة الإنسانية وحماية المدنيين وضمان المساعدة الإنسانية لجميع السوريين المحتاجين من دون شروط مسبقة وتمييز، وكذلك منع تهجير الأشخاص وتيسير العودة الآمنة والطوعية للاجئين والمشردين داخلياً إلى أماكن إقامتهم الأصلية في سورية"، من دون تحديد جدول زمني أو شروط لتلك العودة، ما يجعل من حقيقتها أمراً غامضاً، مع شكوك النازحين في تطبيقهاً على أرض الواقع.
في السياق، يشير المحلل التركي حمزة تكين، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "قضية إدلب لم تنهها تركيا بهذا الاتفاق، فهو اتفاق لوقف إطلاق النار وليس فيه تراجع عن المطالب التركية. أنقرة مستمرة في مطالبها بهذه النقطة (عودة المدنيين إلى منازلهم بعد انسحاب النظام)، لكن نستطيع القول إنها نقلت القضية من الساحة العسكرية إلى الساحة الدبلوماسية لتحقيق هذا المطلب، وطبعاً هذا الأمر لا يتم في يوم أو يومين، فهناك نقاط خلافية بين موسكو وأنقرة حيال التفاصيل. لذلك يحتاج هذا الموضوع إلى نقاش ومفاوضات، والتراجع التركي عن هذا الأمر غير وارد ولم يحصل أصلاً في قضية إدلب، لكن كما نرى فكل المناقشات متوقفة، لا سيما في الملفين السوري والليبي بسبب أزمة كورونا، التي عطلت التطورات السياسية والعسكرية في هذه الأثناء".
وفي ما يتعلّق بمسألة النازحين على الحدود السورية – التركية، يشير تكين إلى أن "تركيا تقدم لهم كافة أساليب الدعم الإغاثي والإنساني باستمرار، ومنها تقديم الدعم الطبي للنازحين لمواجهة انتشار فيروس كورونا في الآونة الأخيرة. وستعمل تركيا على إعادتهم إلى مدنهم وقراهم بعد الانتهاء من هذه الأزمة العالمية عن طريق المفاوضات مع الروس". ويؤكد تكين أن ما تم التوصل إليه في موسكو بين تركيا وروسيا هو "مجرد هدنة لا إعلاناً لانتهاء العمليات العسكرية التركية في إدلب على الإطلاق، وفي حال انهارت هذه الهدنة بقيام النظام بعمليات استفزازية للجانب التركي، ستستأنف العملية العسكرية (درع الربيع) لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، وهذا أمر مبتوت فيه في أنقرة، فلا تراجع عن المطالب التي أطلقتها تركيا سابقاً على الإطلاق".
من جهته قال الرائد يوسف حمود المتحدث باسم "الجيش الوطني السوري" الحليف لتركيا، والمشارك في عمليات إدلب قبل توقفها، إن "تركيا لم تتخلّ عن مطلبها بعودة قوات النظام إلى ما وراء النقاط التركية المنتشرة حول منطقة خفض التصعيد، ونحن في الجيش الوطني والفصائل الثورية المقاتلة على الأرض لم نتخلّ كذلك عن هذا المطلب، ونحن ننظر إلى ما تم التوصل إليه من اتفاقات على أنها تفاهمات مؤقتة لها غايات على المدى القريب والمدى البعيد، ومن ضمن غاياتها على المدى القريب إنقاذ المنطقة والسكان من الحالة الإنسانية الصعبة التي تعرضوا لها خلال العدوان الروسي بمشاركة النظام والإيرانيين، وكل الفاعلين الدوليين في المسألة السورية يحاولون في هذا التوقيت إبعاد الصراع البيني واللجوء إلى تطبيق التفاهمات قدر الإمكان".
وأوضح حمود في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "النظام يشيع عن بدء عودة الأهالي إلى تلك المناطق التي هَجّر منها سكانها ولا سيما في خان شيخون ومعرة النعمان، من خلال تمثيليات إعلامية لم تعد تنطلي على أحد، فالأهالي يرفضون العودة في ظل بقاء قوات النظام داخل مدنهم وقراهم. لا يمكن الوثوق بنظام يعمد إلى نبش القبور، وارتكاب أفظع الانتهاكات بحق الموتى والأحياء". وأبدى اعتقاده بأن الروس غير قادرين على إلزام النظام بالاتفاقيات المبرمة من قبلهم مع تركيا، ما يجعل احتمالية تجدد المواجهة لتحقيق مطالب المعارضة والمطالب التركية بانسحاب النظام أمراً وارداً بشكل كبير.