يتواصل التعثر في ملف سد النهضة وسط فشل جميع محاولات إيجاد تسوية بين مصر وإثيوبيا. وبينما يحاول البلدان حشد أوسع تأييد لموقفهما المتباعد بشأن الملف، قال مصدر فني مصري على اطلاع على مسار المفاوضات، إنّ صانع القرار المصري أصبحت لديه قناعة تامة بأن إنشاء السد لم يكن من البداية هدفه توليد الكهرباء كما تقول إثيوبيا، مشيراً إلى أنه توجد "أبعاد أكثر من ذلك". ووفقاً للمصدر نفسه، الذي تحدث مع "العربي الجديد" فإنّ "من خطّط لبناء السد وتنفيذه بهذا الشكل أراد أن يكون بمثابة محبس للمياه يمنعها وقتما شاء". وبرأي المصدر فإن "إثيوبيا تدرك أن المياه باتت سلعة غالية في الوقت الراهن، وتريد أن تستغلها كمورد طبيعي مثل البترول"، مشيراً إلى أن "وزير المياه والطاقة سيلشي بيكلي قال خلال ترؤسه المفاوضات الفنية: إذا اكتشفت مصر نفطاً في أراضيها، فهل من الممكن أن نطلب منهم المشاركة فيه؟ المياه بالنسبة لنا الآن مثل النفط فكيف تريدون حرماننا من مورد كهذا؟"، بحسب المصدر. كما كشف المصدر أن "إثيوبيا عبّرت بشكل واضح عن رغبتها في حصة (مائية) تكون متحكمة فيها، وإذا كانت القاهرة ترغب في شرائها فهي لا تمانع". وأوضح المصدر في حديثه مع "العربي الجديد" أنه في بادئ مفاوضات واشنطن، والتي تمت برعاية الإدارة الأميركية والبنك الدولي، تمسكت إثيوبيا بحصولها على حصة دائمة تصل إلى 17 مليار متر مكعب، وذلك كان السبب وراء تمسكها بتمرير 31 مليار متر مكعب من المياه سنوياً خلال فترات الملء. ولفت إلى أن "في هذه الحالة كانت حصة مصر من النيل الأزرق ستنخفض إلى 27 مليار متر مكعب بعد ما كانت 36 مليار متر مكعب، في حين ستصبح حصة السودان 6 مليارات متر مكعب بعد ما كانت تقارب الـ12 مليار متر مكعب". وكشف المصدر نفسه عن مفاجأة بأن المقترح الأميركي الذي وافقت عليه مصر بالأحرف الأولى تضمن الموافقة على حصة إثيوبية للمياه ولكن بأرقام مختلفة، موضحاً أنه وفق المقترح الذي يقضي بتمرير أديس أبابا 37 مليار متر مكعب من المياه سنويا، فإن إثيوبيا ستحصل على حصة تقدر بنحو 10 مليارات متر مكعب من المياه من النيل الأزرق في حين سيكون نصيب مصر 25 مليار متر مكعب، والحصة السودانية 11 مليار مكعب من المياه. وقال المصدر إن القاهرة عرضت على أديس أبابا تزويدها بالكهرباء إذا كانت ترغب في ذلك لتحقيق التنمية، لافتاً إلى أنه ربما تكون هناك معادلة جديدة مستقبلا بحصول إثيوبيا على كهرباء من مصر مقابل حصول القاهرة على الحصة الإثيوبية من المياه. طرح إثيوبي جديد للحل في هذه الأثناء
وكشفت المصادر أن المقترح الإثيوبي الجديد يتضمن اللجوء للاتحاد الأفريقي كوسيط معني بحل الأزمة وفقاً للبند العاشر لاتفاق المبادئ الموقع في مارس/آذار 2015 بين كل من مصر وإثيوبيا والسودان، على أن يكون الاتحاد الأفريقي بديلاً عن الولايات المتحدة، نظراً لفقدان الأخيرة حيادها في الأزمة في البيان الأخير الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية، مطلع الشهر الحالي.
من جهته، نوّه مصدر سوداني مطلع على مسار الأزمة، إلى أن أديس أبابا أطلعت الخرطوم على المقترح الجديد، الذي يتضمن محاصصة مائية للدول الثلاث ترتفع معها حصة السودان لاستخدامها في التنمية الزراعية، بخلاف الحصول على الكهرباء بأسعار مدعومة من إثيوبيا بعد تشغيل السد، بالإضافة لحصول أديس أبابا على حصة، استناداً لبند ضمن اتفاق المبادئ يجيز لها استخدام مياه النيل في "التنمية الاقتصادية" من دون تحديد أشكال تلك التنمية. وأوضح المصدر السوداني، أن "هذا البند يعدّ من الأسس الرئيسية في الخلاف بين مصر وإثيوبيا، فالقاهرة عندما وقّعت على اتفاق المبادئ وبداخله هذا البند، كانت تقصد الكهرباء الصادرة عن السد أو استخدامه في توليد الكهرباء، في حين أن مصطلح التنمية الاقتصادي فضفاض ويشمل كافة الأوجه، لذلك ترى أديس أبابا أن موقفها سليم للغاية".
بدوره، كشف مصدر دبلوماسي مصري عن خلافات حادة داخل المعسكر السوداني بسبب الموقف الأخير للخرطوم في أزمة السد، وانحيازها بشكل مطلق لإثيوبيا على حساب مصر، قائلاً: "هناك صراع كبير وتضارب في وجهات النظر، إذ يرفض الشق العسكري في مجلس السيادة السوداني التعامل السياسي مع الأزمة من جانب الحكومة"، مشيراً إلى تلقي مصر اعتذاراً رسمياً من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي" الذي زار القاهرة للتحفظ على قرار مجلس وزراء الخارجية العرب الأخير الصادر في 4 مارس/آذار الحالي، الداعم لمصر. ولفت إلى أن هناك تداركاً للموقف السوداني خلال الفترة المقبلة.
ورأى شكري، أن هناك تفهّماً من قبل دول الاتحاد الأوروبي لخطورة التعنت الإثيوبي في مفاوضات سد النهضة، وتداعيات ما يسفر عنه من توتر في منطقة القرن الأفريقي، مؤكداً أن "موقف مصر عادل، وشعب مصر يستحق الوصول إلى نتائج تحمي مصالحه المائية". وأشار إلى أن جولته الأوروبية شهدت تقديراً للمرونة التي أبدتها مصر منذ بداية المفاوضات، مضيفاً أن أوروبا ترى أهمية في أن تؤدي دوراً يحدّ من إحداث أي توتر في منطقة القرن الأفريقي.
من جانبه رد وزير الري المصري الأسبق محمد نصر علام أخيراً على المحاولات الإثيوبية لإشراك دول حوض النيل في الأزمة، قائلاً إن إثيوبيا لا ترتبط مائياً مع دول الهضبة الاستوائية لحوض النيل، ولكنها تلجأ لدولها للاستقواء بهم، كما فعلت سابقاً أثناء مفاوضات اتفاقية عنتيبي الموقّعة في 10 مايو/أيار 2010 والمتعلقة بملف نهر النيل، وهو اتفاق رفضته مصر والسودان. وتستفيد إثيوبيا في موضوع الاستعانة بهذه الدول (أوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا)، استناداً إلى رغبة هذه الدول في الحصول على جزء من حصتي مصر والسودان من مياه النيل.
من جهتها، دعت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري الحكومة المصرية، لوقف التعامل مع كافة الشركات العاملة في سد النهضة الإثيوبي، والتي تتعامل مع مصر. ومن المفترض أن تعقد اللجنة اجتماعاً طارئاً اليوم الثلاثاء، لتوجيه الحكومة بضرورة إيقاف التعامل مع الشركات العالمية التي تتعامل في بناء سد النهضة والتي لها مصالح في مصر. وطالبت اللجنة في بيان مقتضب صادر عنها، بمنْع أية تعاقدات مستقبلية مع هذه الشركات، وذلك في إطار التحرك البرلماني والشعبي في حماية الأمن المائي المصري والتمسك بالحقوق والثوابت المصرية في هذا الشأن.