يعيش البرلمان التونسي أزمة داخلية بسبب الخلافات العميقة بين مكوناته الحزبية والسياسية، مما أثّر بوضوح على تقدم أعماله، وانعكس تعطيلاً في تمرير القوانين الحكومية بشكل لافت.
وسجّل مجلس نواب الشعب تأجيل المصادقة على مشاريع قوانين حكومية في أكثر من مناسبة، بسبب احتجاج الكتل والصراع بين النواب، كما أثّرت الغيابات بشكل لافت على انطلاق عمل الجلسات العامة واللجان، على الرغم من استعجالية عدد من الاتفاقيات والقوانين بالنسبة للبلاد.
وجمع لقاء تنسيقي أول كلاً من رئيس البرلمان راشد الغنوشي، ورئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، في إطار ضبط الأولويات التشريعية، وإحكام التعاون بين السلطتين، بهدف حوكمة العلاقة بينهما وتحسينها، أملاً في تجاوز تعطل تمرير القوانين الحكومية.
وانتهت جلسة العمل المطوّلة بفرز وتبويب عشرات مشاريع القوانين المكدسة في رفوف البرلمان دون مصادقة، وأخرى معلّقة بين اللجان، ومنها قوانين تعود إلى فترة حكومة الحبيب الصيد، وأخرى إلى ولاية حكومة يوسف الشاهد السابقة.
وقال الغنوشي، خلال ندوة صحافية مشتركة مع الفخفاخ، إن الجلسة المطولة التي جمعت وفد الحكومة مع وفد عن المجلس، تمحورت حول قضايا تهم الطرفين، على "اعتبار أن العمل في دولة واحدة، ولو تعددت سلطاتها، يتطلب تنسيقاً حتى يتحقق مبدأ وحدة الدولة، وحتى تتصرف ككيان واحد".
وأضاف الغنوشي أن الجلسة تناولت مواضيع عدة، وخصوصاً الجانب التشريعي، حيث نفضت الغبار عن مشاريع قوانين من المدة الماضية وتم تمحيصها، مشيراً إلى أن عددها حوالي 60 مشروع قانون تم تبويبها حسب أهميتها واستعجاليتها.
وبيّن الغنوشي أنه جرى الحديث حول آليات التنسيق بين الحكومة والمجلس على أكثر من صعيد حول الجانب التشريعي، وجلسات الحوار، ودورية انعقادها، والأسئلة الكتابية، كما تم التطرق الى آفة كورونا، وجهود الحكومة للسيطرة على هذه الظاهرة.
بدوره، قال الفخفاخ إن جلسة العمل ستساهم في إضفاء النجاعة على العمل المشترك والتنسيق الجيد بين الحكومة والبرلمان، وحوكمة العلاقة بينهما، وآليات الرقابة والمتابعة.
وبيّن أن الحكومة اختارت نهج الشفافية والنجاعة والمسؤولية في التعامل مع فيروس كورونا، من خلال المتابعة وانعقاد المجالس الوزارية، وعدم التسرع في اتخاذ القرارات، مشيراً إلى أن هناك تقدماً في مكافحة الفيروس ومحاصرته والتحكم في انتشاره، مشدداً على تعويله على وعي التونسيين وتفهمهم لمساندة جهد الحكومة، من خلال الالتزام بالتوصيات.
وقال الفخفاخ إن برنامج الحكومة المفصّل سيتم تقديمه إلى البرلمان خلال المئة يوم الأولى، وربما خلال خمسين يوماً فقط، مشيراً إلى أن المتغيرات والأزمات يتم أخذها بعين الاعتبار.
وتنتقد منظمات المجتمع المدني بشدة تعطل أشغال البرلمان، حيث لم يتمكن من تجاوز خلافاته الداخلية وصراعات كتله، ما أثر على أدائه التشريعي والرقابي، لتبقى القوانين الحكومية رهينة المشاكل الحزبية والسياسية بين مختلف مكوناته.
وشهد مجلس الشعب التونسي مشادات بين مختلف كتله، واعتصامات تحت قبة البرلمان، من قبل نواب "الحزب الدستوري الحر"، وتعطّلا شبه يومي للجلسات العامة إثر تبادل الاتهامات والشتائم بين نوابه.
كما شهد البرلمان إسقاط اتفاقية هامة بسبب ضعف النصاب وغياب نواب من الائتلاف الحاكم، وأعاد البرلمانيون ذلك إلى ضعف النظام الداخلي والقانون الرادع للغيابات، فيما ذهب آخرون إلى ضعف التوليفة الحكومية الجديدة.
وانتقدت جمعية "بوصلة"، المختصة في مراقبة أعمال البرلمان، تعطل النظر في مشاريع القوانين، وضعف أداء البرلمان رقابياً على الرغم من مرور قرابة خمسة أشهر على انطلاق أشغال المجلس رسمياً في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
وقال الناشط في المجتمع المدني عبد الجواد النصراوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن التنسيق بين رأسي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية مهم جداً لتجاوز العقبات التي تعرفها البلاد، مشيراً إلى أن الجلسة بين رئيسي البرلمان والحكومة بإمكانها تجاوز العقبات على المستويين التشريعي والرقابي، من خلال تحديد أولويات الحكومة الجديدة، ووضع روزنامة واضحة أمام البرلمان، وكذلك من خلال تنسيق العمل الرقابي بتفادي جلسات المساءلة المطولة التي لا تجدي أي نفع، في غياب المتابعة وصدور قرارات واضحة عنها.
وأضاف أن البرلمان يجب أن يتجاوز خلافاته الأيديولوجية والسياسية الداخلية لتفادي تعطيل الحكومة بشكل خاص، والدولة عموماً، من خلال وضع مدونة سلوك ملزمة لكل الكتل والأعضاء، تجرّم تعطيل الجلسات والغيابات التي تحولت إلى آفة حقيقية.