ونقلت وكالة "رويترز" عن مصدر في الرئاسة الفرنسية، أمس الاثنين، قوله إن حفتر أبلغ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه سيوقع على اتفاق لوقف إطلاق النار، وسيلتزمه "إذا احترمته الجماعات المسلحة" التي تدعمها حكومة الوفاق المعترف بها دولياً.
وقال المصدر بعد أن اجتمع حفتر مع ماكرون في باريس: "أكد لنا القائد العسكري حفتر أنه ملتزم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، لكنه سيتخلى عن هذا الالتزام إذا لم تحترمه المليشيات"، وهو ما يعتبره الباحث السياسي الليبي، سعيد الجواشي، انعكاسا لمخاوف حفتر مما يجري في كواليس غرف قوات الحكومة، التي تعد لهجوم وشيك لطرد قوات حفتر من جنوب العاصمة طرابلس.
وكانت مصادر ليبية رفيعة قد كشفت، لـ"العربي الجديد"، عن عزم فرنسا استئناف جهودها للوساطة في ليبيا بين الأطراف المتنازعة، وذلك في محاولة لقطع الطريق على تركيا.
وأكدت المصادر ذاتها أن زيارة حفتر ستعقبها زيارة لوزير الداخلية بحكومة الوفاق، فتحي باشاغا، حيث تحاول فرنسا ملء الفراغ الذي تركه المبعوث الأممي المستقيل غسان سلامة، المعروف بقربه من دوائر القرار السياسي في باريس.
وباشاغا يعد الشخصية الأبرز في حكومة الوفاق والأكثر قربا من قيادات الجيش التابع للحكومة، وكان قد صرح، الأسبوع الماضي، عن استعداد قوات الحكومة لـ"مرحلة الهجوم بعد مرحلة الدفاع لرد مليشيات حفتر من جنوب طرابلس".
وعلى المستوى الميداني، يرى الخبير الأمني الليبي، محيي الدين زكري، أن عدم قدرة المجتمع الدولي على فرض هدنة حقيقية للحرب منذ 12 يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما وافق طرفي النزاع على الهدنة التي أعلنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، دفع إلى تحشيد المزيد من العتاد العسكري.
واعتبر زكري في حديثه لـ "العربي الجديد" أن لدى قيادة حفتر تقييم عسكري جديد وفقا لمستجدات الميدان، فيما أوضح المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب" التابع لحكومة الوفاق، عبد المالك المدني، أن قوات الحكومة تركز في الآونة الأخيرة على مخازن الذخيرة والعتاد العسكرية بواسطة المدفعية.
وقال المدني لـ"العربي الجديد" إن "قواتنا تمكنت في الفترات القليلة الماضية من تدمير عدد من مخازن الذخيرة والتجمعات المتحركة التي يبدو أنها تكونت حديثا"، وهو ما يراه زكري نجاحا نسبيا في إفشال خطط حفتر لشن عدوان جديد على العاصمة.
وفي حديثه لـ "العربي الجديد" تساءل الجواشي عن خلفيات التحول بموقف حفتر، بالقول "علينا هنا أن نتساءل لماذا وافق حفتر اليوم على التوقيع على الاتفاق بعد أن تهرب من التوقيع عليه في موسكو منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، فلا بد من وجود عوامل جديدة دعته لذلك"، مؤكدا أنه "لا يعكس شيئا إلا اعترافا ضمنيا من حفتر، ليس بفشله فقط، بل وتخوفه من هزيمة وشيكة ستكون آثارها على مصالح حلفائه في البلاد".
ويعتقد الجواشي أن عدة عوامل مستجدة يمكن أن تكون وراء لجوء حفتر إلى فرنسا، منها نجاح تركيا في اختراق حلف حفتر الدولي من خلال تقاربها مع روسيا، بالإضافة للوجود العسكري التركي إلى جانب قوات الحكومة، مؤكدا أن حفتر يحاول إحياء الجهود السياسية بعد أن أصبح يواجه ظروفا عسكرية جديدة.
من جهته، استبعد عضو المجلس الأعلى للدولة محمد معزب، في تصريح لتلفزيون محلي أمس الاثنين، إيجاد حل شامل وكامل للأزمة الليبية في ظل الصورة العامة المشوهة وغير الواضحة بعد استقالة المبعوث الأممي غسان سلامة، مرجحا أن يتم تكليف نائبته ستيفاني وليامز لاستكمال المدة المعينة المحددة لسلامة.
في المقابل، يرى الجواشي أن فرنسا تحاول ملء الفراغ الذي تركه سلامة، المقرب منها، من خلال إظهار نفسها طرفا محايدا يمكن أن يلعب دور الوسيط، وهو ما أكدته تصريحات عضو مجلس النواب الموالي لحفتر عصام الجهاني، ليل البارحة لراديو "سبوتنيك" الروسي، بأن المهمة الجديدة تهدف من خلالها فرنسا إلى "تنشيط الحل السياسي في ليبيا"، معربا عن أمله أن تكون زيارة حفتر لباريس "امتدادا لمؤتمر برلين الذي يمتلك مخرجات جيدة".
من جانب آخر، لفتت تصريحات معزب إلى استمرار امتلاك حفتر أوراقا قوية منها ورقة النفط، حيث لا تزال مليشيات قبلية تغلق المنشآت النفطية منذ منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي. ودعا حكومة الوفاق إلى "التركيز على ملف النفط من خلال الاتصالات بالدول والضغط عليها لفك الحصار عن المنشآت"، لكن الجواشي يرى أن حفتر شرع في استغلال قوة هذه الورقة محليا، موضحا أن القبائل التي نجحت في إغلاق حقول النفط أقامت ملتقى قبليا كبيرا في مدينة ترهونة، في 20 فبراير/ شباط الماضي، أعلن عن تأييده لحفتر.