تبخرت روح المواجهة والتصدي لـ"صفقة القرن"، التي حملتها خطابات رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بعيد إعلان الصفقة، وبعد لقائه بوزراء الخارجية العرب، مثلما اختفت الأنباء عن اتصالات فلسطينية داخلية لاستثمار فرصة إعلان الصفقة كلحظة مؤسسة لاستعادة الوحدة الفلسطينية ووقف الانقسام الفلسطيني، من دون أي سبب واضح للعيان.
في المقابل، يبدو أن قيادة السلطة الفلسطينية مصرة على نهجها بعدم التصعيد مع الاحتلال وعدم إسقاط التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال، ومواصلة الرهان على خطاب تثبيت الحقوق الفلسطينية إعلامياً والتحرك في نفس محيط الدول العربية التي تهادن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وتكتفي بمعسول الكلام للفلسطينيين، هذا إذا لم تمارس ضغوطاً على السلطة الفلسطينية لضبط الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية، بموازاة ضغوط مصرية على "حماس" لمنع التصعيد.
وبين غياب خطاب التصعيد أو المعارضة الشعبية الفعلية للخطة، وإبقاء التنسيق الأمني مع الاحتلال، تراهن السلطة الفلسطينية لسبب غير مفهوم على الإطلاق، مرة أخرى على جلسة مجلس الأمن الدولي الثلاثاء المقبل، مع العلم المسبق أن الولايات المتحدة ستستخدم حق النقض "الفيتو" ضد أي قرار أو مشروع معارض لخطة ترامب.
وإذا كان هذا كله غير كافٍ، فإن ما يثير الغضب فعلاً من مواقف السلطة الفلسطينية، هو الانطباع بأنها تسعى للمماطلة في ترجمة "موقف رفض الصفقة" على الأرض، واستمرار التثبت بعقيدة التنسيق الأمني والمفاوضات طريقاً وحيداً لتحقيق الدولة الفلسطينية، من دون أن يكون لدى الفلسطينيين اليوم، ورقة ضغط حقيقية مساندة لخيارها الاستراتيجي المعلن باعتماد المفاوضات، فهي لا تسمح حتى بإطلاق مقاومة شعبية سلمية داخل الأراضي المحتلة.
الرهان على موقف دولي من مجلس الأمن الدولي وعلى جلسة الثلاثاء المقبل، يشي باستمرار عطب البوصلة الفلسطينية الرسمية، وتعنّت القيادة الرسمية للسلطة الفلسطينية برفض مراجعة مسارها وسياساتها منذ مرحلة ما بعد الانتفاضة الثانية التي كرست تحوّل السلطة الفلسطينية إلى مجرد وكيل أمني لدولة الاحتلال، يضبط أمن دولة الاحتلال ويريحها من تبعات وتكاليف عملية الاحتلال نفسها والسيطرة المباشرة على شعب تحت الاحتلال، من خلال "سلطة وطنية منتخبة".
استمرار السلطة الفلسطينية بنفس الأدوات "المجربة" المجردة من أي ورقة ضغط حقيقية، هو وصفة أكيدة لفشل ذريع آخر يضاف لرصيدها الأسبوع المقبل. لو أن الرئيس عباس بدلاً من ذلك توجّه فعلاً إلى قطاع غزة بدلاً من نيويورك، لكان استعاد وأعاد لشعب فلسطين بعض الأوراق التي أضاعها اتفاق أوسلو ومن ثم الانقسام الفلسطيني ولأحدث تغييراً جذرياً في الوضع الفلسطيني، وخطا الخطوة الأولى نحو إسقاط "صفقة القرن".