"العفو الدولية": محكمة مكافحة الإرهاب السعودية أداة سياسية لتكميم الأفواه المعارضة

06 فبراير 2020
القمع متواصل في السعودية (Getty)
+ الخط -

قال تقرير جديد أصدرته منظمة "العفو الدولية"، اليوم الخميس، إن السلطات السعودية تستخدم المحكمة الجزائية المتخصصة في قضايا الإرهاب كسلاح لقمع المنتقدين والصحافيين والناشطين ورجال الدين، بينهم عدد ممن حكم عليهم بالإعدام. كما أطلقت المنظمة إلى جانب التقرير حملة تدعو إلى الإفراج فوراً، ودون قيد أو شرط، عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان.

وقامت المنظمة، التي تتخذ من لندن مقراً لها، بفحص وثائق المحاكمات، وأجرت المقابلات مع النشطاء والمحامين، لإعداد تقريرها الذي خرج في 53 صفحة، والذي يلقي الضوء على الإجراءات السرية للمحكمة الجزائية المتخصصة.

وفي التقرير الذي يحمل عنوان "تكميم الأفواه المعارضة: المحاكمات المسيّسة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية" توثق المنظمة التأثير المروع لعمليات المقاضاة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة للمدافعين عن حقوق الإنسان، والكتّاب، والخبراء الاقتصاديين، والصحافيين، ورجال الدين، ودعاة الإصلاح، والنشطاء السياسيين.

وكشف التقرير أن المحاكمات أمام المحكمة "سخرية من العدالة" وقضاتها "شركاء متواطئون" في قمع كل من تسول له نفسه انتقاد العائلة المالكة.



عصيان الملك

في أكتوبر/تشرين الأول 2008، أُنشئت المحكمة الجزائية المتخصصة لمحاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب. واستُخدمت منذ عام 2011 بصورة ممنهجة لمقاضاة الأشخاص بناءً على تهم مبهمة غالباً ما تساوي بين الأنشطة السياسية السلمية والجرائم المرتبطة بالإرهاب؛ حيث تجرم انتقاد الملك سلمان أو ولي عهده محمد.

وقالت المنظمة إن بين أبرز التهم التي تنظرها هذه المحكمة "الخروج على ولي الأمر"، و"عصيان الملك" و"التشكيك في نزاهة" المسؤولين، "القدح علناً في ذمة القضاة ونزاهتهم"، "والسعي إلى تعطيل الأمن والتحريض على الاضطرابات عن طريق الدعوة إلى المظاهرات" و"نقل معلومات كاذبة للمنظمات الأجنبية"، والتي تتعلق بالإدلاء بتصريحات أو مقابلات مع منظمات حقوقية أو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

من جهتها، قالت مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة "العفو الدولية"، هبة مرايف "تُكذّب البحوث التي أجريناها الصورة الإصلاحية الجديدة البراقة التي تحاول السعودية خلقها، وتفضح كيفية استخدام الحكومة لمحكمة مثل المحكمة الجزائية المتخصصة كأداة قمع قاسية لأولئك الذين يتمتّعون بالشجاعة الكافية للتعبير عن معارضتهم أو الدفاع عن حقوق الإنسان أو المطالبة بإصلاحات مجدية".

وقالت المنظمة إنّ خطابات الحكومات حول الإصلاحات، التي زادت بعد تعيين ولي العهد محمد بن سلمان، تتعارض بشكل صارخ مع حقيقة وضع حقوق الإنسان في البلاد.

وفي حين أجرت السلطات سلسلة من الإصلاحات الإيجابية فيما يتعلق بحقوق المرأة، أطلقت العنان لحملة قمع ضارية على البعض من أبرز المدافعات عن حقوق الإنسان اللواتي ناضلن لسنوات من أجل تحقيق هذه الإصلاحات وكذلك على المواطنين الآخرين الذين يعملون من أجل التغيير. والعشرات من منتقدي الأمير الشاب مسجونون أو يواجهون محاكمة بتهم غامضة تتعلق بالأمن القومي. ويواجه البعض، مثل رجل الدين الإصلاحي سلمان العودة، عقوبة الإعدام أمام المحكمة.

وواجه محمد بن سلمان انتقادات دولية واسعة بعد مقتل كاتب صحيفة "الواشنطن بوست" جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018. وقضت محكمة جنائية سعودية بإعدام خمسة من قتلته، لكنها لم تحمِّل أي مسؤول بارز المسؤولية عن مقتله.

وخلال حكم والده، الملك سلمان، عزز ولي العهد صلاحياته المتعلقة بالأمن، وأعطى صلاحيات موسعة للنيابة العامة، ورئاسة أمن الدولة المشكلة حديثاً، وكلاهما يرفعان تقاريرهما مباشرة إلى الملك لاعتقال أو التحقيق مع أشخاص، وإحالتهم للمحكمة الجزائية المتخصصة.

محاكمات سرية

وعندما تأسست، لم تنظر المحكمة إلا في قضايا المشتبه بانتمائهم لتنظيم "القاعدة"، لكن هذا التحول جاء منتصف عام 2011 - وهو العام ذاته الذي شهد احتجاجات الربيع العربي في المنطقة، وهدد بالقضاء على الحكم الاستبدادي - عندما أحيلت قضايا 16 إصلاحياً من مدينة جدة الساحلية للمحكمة.

وثقت منظمة "العفو الدولية" قضايا 95 شخصاً مثلوا أمام المحكمة الخاصة بين عامي 2011 و2019.

ومن بين هؤلاء، هناك 68 شيعياً تمت محاكمتهم لمشاركتهم في الاحتجاجات المناهضة للحكومة، بينما حوكم 27 آخرون بسبب نشاطهم السياسي، أو تعبيرهم عن آرائهم السياسية.

وقالت المنظمة "في كل هذه الحالات، كانت المحاكمات غير عادلة".

وتواصلت المنظمة مع عدة وكالات سعودية رسمية خلال التحقيق.

قالت هيئة حقوق الإنسان السعودية الرسمية، وهي الوحيدة التي ردت، إن المحكمة الخاصة تتبع القواعد والإجراءات المعمول بها في المحاكم الجنائية الأخرى، كما أن جميع جلسات الاستماع كانت علنية بحضور المتهمين ومحاميهم وعائلاتهم.

ومع ذلك، قالت منظمة "العفو" إنها وثقت الكثير من المحاكمات التي جرت سراً.

كما كانت جلسات الاستئناف سرية، دون حضور أو مشاركة المدعى عليهم أو محاميهم.

اعترافات تحت التعذيب

وجاء في التقرير "الحكومة السعودية تستغل المحكمة الجزائية المتخصصة لإضفاء هالة خاطئة من المشروعية على إساءة استخدامها لنظام جرائم الإرهاب لإسكات صوت معارضيها؛ فكل مرحلة من مراحل العملية القضائية في هذه المحكمة مشوبة بانتهاكات حقوق الإنسان، بدءاً بالحرمان من حق الاستعانة بمحام، مروراً بالاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي، وانتهاء بالإدانات المبنية حصراً على ما يسمى باعترافات تُنتزع تحت وطأة التعذيب".

وأضاف أن 20 سعودياً في الأقل مثلوا أمام المحكمة وحكم عليهم بالإعدام وفقاً لاعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب، نفذ الحكم بحق 17 منهم.

وفقا لتفسير السعودية للشريعة الإسلامية، يمتلك القضاة سلطة تقديرية فضفاضة في الحكم وإصدار أحكام بالإعدام.

مثل منظمات حقوق الإنسان الأخرى، لم يُسمح لمنظمة العفو بإجراء أي أبحاث من داخل المملكة.