وأعلنت حركة "النهضة"، أمس السبت، قرارها بعدم المشاركة في الحكومة وعدم التصويت لها، ما يعني سقوطها في البرلمان، باعتبار الكتل المعارضة الأخرى ("ائتلاف الكرامة" و"قلب تونس" و"الدستوري الحر" ومستقلون)، لكن رئيس الحكومة المكلف آثر رغم ذلك إعلان تركيبة الحكومة، بمن فيها وزراء حركة "النهضة"، ما أثار استغراب الجميع، ولكنه أشار إلى أنه سيواصل التفاوض في ما بقي من مهلة دستورية أمامه، التي تنتهي يوم 20 فبراير/ شباط الجاري.
وأمام هذه التطورات الجديدة، دخل الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي على الخط، وانضم إليه سمير ماجول، رئيس منظمة رجال الأعمال، لقيادة مشاورات جديدة تحاول تقريب وجهات النظر.
وحضر الاثنان لقاءً مساء أمس السبت مع الرئيس قيس سعيد وإلياس الفخفاخ، قبل أن يتوجها صبيحة اليوم الأحد إلى البرلمان للقاء رئيس "النهضة" والبرلمان التونسي راشد الغنوشي.
وقال الطبوبي، في تصريحات صحافية إثر اللقاء، إن المنظمات الوطنية، ممثلة بالاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (الأعراف)، تسعى إلى تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، معرباً عن أمله في أن "تعود الأطراف السياسية كافة إلى رشدها وتتحلى بروح المسؤولية في الساعات القادمة".
من جهته، أوضح الغنوشي أن اللقاء دار حول الوضع السياسي العام في البلاد، وتحديداً المأزق الذي بلغه مسار تشكيل الحكومة، مؤكداً "موقفهُ الثابت في ضرورة احترام إرادة الناخبين والحرص على تعزيز عناصر الوحدة الوطنيّة ورفض الإقصاء".
وأكد الغنوشي، في بيان لـ"النهضة"، أنّ "البلاد تحتاج إلى حكومة وحدة وطنيّة واسعة ومناخات ثقة وتوافق كفيلة بالنجاح في استكمال بناء المؤسّسات والهيئات الدستورية، مُطمئناً إلى أنّ نصّ الدستور وروحه يسمحان بإيجاد الحلول الكفيلة لمعالجة كلّ الأوضاع".
وتأتي إشارة الغنوشي إلى الإمكانات التي يتضمنها "الدستور وروح الدستور" إلى ما تراه "النهضة" من تأويلات للفصل 89 بأن هناك إمكانية لتكليف ثالث بعد الحبيب الجملي والفخفاخ، لكن رد الرئيس قيس سعيد على هذا المسعى كان واضحاً في لقائه بالطبوبي وماجول والفخفاخ، أمس السبت، حيث اعتبر أنّ "المناورات تحت عباءة الدستور لن تمرّ"، وأنّ "النص الدستوري واضح"، داعياً الجميع إلى "أن يكونوا في مستوى المرحلة واللحظة التاريخية"، قائلاً: "الباب مفتوح لمن يريد أن يصنع التاريخ من جديد للشعب التونسي، ولن نترك تونس تتقاذفها المواقف والمصالح المعلنة أو المخفية"، مشيراً إلى أن "تونس فوق الاعتبارات الظرفية والصفقات التي يجري إبرامها في الظلام أو تحت الأضواء"، وأن "مصلحتها فوق كل الاعتبارات".
قيادات النهضة خرجت بقوة صباح اليوم الأحد لتوضح حقيقة الخلافات مع الفخفاخ وجوهرها، حيث أكد المتحدث باسمها عماد الخميري"ضرورة أن تستجيب تركيبة الحكومة لنتائج انتخابات 2019"، مشيراً إلى أن "حجم المستقلين في تركيبة الحكومة التي عرضها إلياس الفخفاخ لا يعبّر عن رغبة حقيقية في التزام وثيقة التعاقد الحكومي التي تنص على احترام التمثيلية وحجم الأحزاب في البرلمان".
وصرّح الخميري بأن "تركيبة حكومة الفخفاخ تضمنت تمثيلية لأحزاب لم يعطها الشعب التونسي ثقته في الانتخابات الماضية، وبدت متخفية في ثوب المستقلين"، في إشارة إلى "حزب التكتل" الذي ينتمي إليه الفخفاخ، ولم يحقق أي نتيجة في الانتخابات.
وذهب القيادي رفيق عبد السلام إلى التأكيد أن "الاختلاف لا يتعلق بنصيب "النهضة" من الوزراء، بقدر ما يتعلق بالفلسفة التي بنيت عليها هذه الحكومة التي لا تتوافر على الحد الأدنى من مقومات الحكومة الوطنية الجامعة".
وأشار عبد السلام، في تدوينة على صفحته على "فيسبوك"، إلى أنه "من ناحية المنهج قامت هذه التشكيلة على استبعاد كتل وازنة، مثل "ائتلاف الكرامة" و"قلب تونس" والمستقلين. وما مُنح للنهضة فهو مبني على المناورة والتحيُّل، فهل هناك أي تفسير مقنع لفصل البيئة عن الحكم المحلي مثلاً، وإسناد الأولى إلى شخصية موالية، سوى محاولة لسحب ما أعطي باليد اليمنى عبر اليد اليسرى؟".
Facebook Post |
وأضاف: "ثانياً هذه التشكيلة تخفي وراءها إرادة في إعادة هندسة المشهد السياسي القادم عبر التموقع في الحكم. أي نحن إزاء حزب جديد للإدارة، وبلغة أخرى هناك محاولة لصنع الشاهد 2 عبر زرع فريق وزراء مستقلين في الظاهر ومتحزّبين في الباطن".
وتقود هذه القراءات لقياديي "النهضة" إلى خلاصة أن الحركة متأكدة أنها ستكون محاصرة في حكومة الفخفاخ إذا مرت بهذا الشكل، وستخضع شيئاً فشيئاً لعملية تقليم أظافر مع الوقت، وإلى أنها ستشارك في بيئة حزبية معادية أعلنت عن نفسها صراحة منذ حكومة الجملي، بالإضافة إلى أن "حكومة الفخفاخ ستفرض عودة حزب التكتل من خلال الحكومة، رغم أن الانتخابات أقصته من الواجهة، وهو ما لا يستقيم سياسياً".
وأمام تمسك "النهضة" بموقفها، وحيازتها صراحة للقرار الحاسم، لم يبقَ أمام الفخفاخ وشركائه سوى ساعات قليلة لبحث مخرج يضمن تنفيذ شروط الحركة وحلفائها، أو الاحتكام مجدداً للدستور والعودة الى البرلمان، وفتح باب التأويلات الدستورية بين حكومة ثالثة، أو حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات جديدة.