لطالما كانت "الخسفة"، أو "حفرة الجن"، مثار اهتمام الباحثين وحتى المواطنين في مدينة الموصل العراقية، على مر العقود والفترات الماضية، غير أنها تحولت اليوم إلى ما هو أبعد من معرفة سبب تكونها أو عمقها وحقيقة ما فيها، وما كان ينسج عنها من قصص وحكايات، وذلك بعد ارتكاب تنظيم "داعش" واحدة من أبشع مجازره المروعة فيها، بعد بقيامه بخطف ما لا يقل عن ألفي عراقي وإعدامهم ورميهم في الحفرة، مع عجز واضح للسلطات العراقية عن دخولها وانتشال رفاتهم. وبررت السلطات ذلك لعدم وجود معدات أو وسائل كافية تمكن عناصرها من النزول إلى الحفرة، إلا أن آخرين اعتبروا أن الأسباب سياسية لأن ضحايا الحفرة هم من سكان الموصل، وهناك جهات لا ترغب بالاعتراف بأن التنظيم الإرهابي وزع جرائمه على كل العراقيين بلا تمييز، وأن ضحاياه من سكان المناطق التي احتلها أكثر من غيرهم من العراقيين.
في السياق، ذكر أستاذ التاريخ في جامعة الموصل إبراهيم العلاف، أن "الخسفة حفرة كبيرة وعميقة جداً، تقع جنوبي غرب مدينة الموصل، من جهة حمام العليل، وهي تبعد عن الموصل بنحو 20 كيلومتراً، في منطقة صحراوية متروكة عمرها لا يعرف لكنها قديمة جداً، وقيل إنها وجدت إثر سقوط نيزك على الأرض قبل آلاف السنين. وشخصياً أعتقد أن عمق الحفرة كبير، وإذا رميت فيها عدداً من الشاحنات الكبيرة فلن تشاهدها وكأنك ما رميت شيئاً، ومعروفة تاريخياً كما هو متداول بأنها (حفرة الجن)".
من جانبه، ذكر النائب السابق عن محافظة نينوى عبد الرحمن اللويزي، لـ"العربي الجديد"، أن "تنظيم داعش في بداية دخول مدينة الموصل، وحتى يتمكن من القبض على جميع المواطنين المطلوبين بالنسبة له من منتسبي الأجهزة الأمنية أو الموظفين في دوائر الانتخابات وأعضاء مجالس محلية ومحامين وقضاة، روّج لدعاية مفادها أنهم (أتوا بعفو من الخليفة)، ولن يؤذوا أحداً. ولم يشجّع هذا الأمر الأهالي على البقاء في المحافظة فحسب بل شجع الأهالي الذين كانوا خارج المحافظة للعودة إليها". وأضاف أنه "بعدها تم فتح مراكز للتوبة لهذه الشرائح، وتم تزويد كل (تائب) بهوية تعريفية وأخذ تفاصيل كاملة عنه من محل سكن وعمل، كما تم التقاط صور لهم، بينما في الواقع كانت مراكز التوبة مراكز لجمع المعلومات، فتنظيم داعش حصل على قاعدة بيانات لجميع المواطنين الذين يعتبرون على أنهم مطلوبون للتنظيم".
وذكر اللويزي أنه "بعد إكمال قاعدة البيانات، لم يتم إلقاء القبض على هؤلاء المواطنين بشكل جماعي، بل تم اعتقال أفراد بتهمٍ أمنية وغيرها ويختفون، وحتى أهلهم لا يعرفون مصيرهم وما إذا كانوا قد مثلوا أمام المحكمة الشرعية أم لا". وأضاف أنه "في يوم من الأيام نشر تنظيم داعش على جدران الطب العدلي في الموصل قائمة بأسماء 2070 شخصاً، من دون إعادة جثثهم، كما هناك الآلاف لم يكشفوا عن مصيرهم، وهناك معلومات مؤكدة أن هؤلاء تم رمي جثثهم في الخسفة". وتابع النائب عن محافظة نينوى قائلاً إن "إخراج جثث الآلاف في الخسفة يتطلب ضغطاً سياسياً وشعبياً وإعلامياً، حتى يكون هناك تحرّك حكومي أو حتى دولي، كما فعل الأيزيديون بفتح الكثير من المقابر الجماعية".
ولفت إبراهيم إلى أنه "خلال الأيام المقبلة، سوف تكون هناك مطالبات من قبل الحكومة المحلية في نينوى، للكشف عن القتلى في الخسفة، ولمعرفة عددهم ومن هم، خصوصاً أن هناك عشرات الآلاف مغيّبون حتى اللحظة ولا أحد يعرف عنهم أي شيء". في المقابل، اتهم محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، جهات سياسية بالوقوف وراء عدم الكشف عن الجثث المرمية في الخسفة، من أجل تنفيذ أجندات وأهداف سياسية. وقال النجيفي لـ"العربي الجديد"، إن "الخسفة هي حفرة كبيرة جداً، طبيعية، يُعتقد أنها نتيجة سقوط نيزك على هذه المنطقة منذ زمن بعيد". وذكر أن "تنظيم داعش أعدم أكثر من عشرة آلاف شخص من أهالي الموصل من المدنيين والعسكريين وغيرهم، وأغلب هؤلاء تمّ رميهم في الخسفة". وكشف أن "سبب عدم إخراج تلك الجثث حتى الساعة مرتبط بالحملة الموجّهة إلى محافظة نينوى واتهام أهلها بالتعاون مع تنظيم داعش، فالكشف عن هذه الجثث سوف يظهر حقائق مفادها أن تنظيم داعش دفن أهالي الموصل في أكبر مقبرة جماعية ممكن أن يتصورها العراقيون".