وُلد المرزوقي في 7 يوليو/تموز 1945 بمدينة قرنبالية في محافظة نابل، من أصول تعود إلى أقصى الجنوب التونسي. درس في تونس ثم في المغرب قبل أن يغادر إلى فرنسا لمواصلة تعليمه والحصول على الدكتوراه في الطب، وتزوج هناك. في عام 1979 عاد المرزوقي إلى تونس، وعمل أستاذاً مساعداً في قسم الأعصاب في جامعة تونس. اعتقل في مارس/آذار 1994 ووُضع في زنزانة انفرادية قبل إطلاق سراحه بعد أربعة أشهر بفعل حملة دولية وتدخل الزعيم الجنوب أفريقي الراحل، نيلسون مانديلا.
أسس المرزوقي مع ثلة من رفاقه المجلس الوطني للحريات في 10 ديسمبر/كانون الأول 1997، بمناسبة الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقد اختير أول رئيس للجنة العربية لحقوق الإنسان بين عامي 1997 و2000. غادر إلى فرنسا في ديسمبر 2001 للعمل محاضراً في جامعة باريس، قبل أن يقرر العودة من جديد إلى تونس في تحد واضح للنظام. في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011 حصل حزبه "المؤتمر من أجل الجمهورية" على المركز الثاني بـ29 مقعداً بعد حركة النهضة، فانتخب رئيساً مؤقتاً لتونس في 12 ديسمبر 2011 بعد حصوله علي أغلبية 153 صوتاً في المجلس. استمرّ المرزوقي في الرئاسة حتى رئاسيات 2014، على الرغم من خروج الترويكا (النهضة والتكتل والمؤتمر) من الحكم إثر الأحداث التي أدت إلى اغتيال الزعيمين اليساريين محمد البراهمي وشكري بلعيد، وتشكيل حكومة حيادية. لكن المرزوقي كان أول رئيس يسلم الحكم سلمياً في مشهد حضاري دعم صورة البلد الديمقراطي الذي يحتكم إلى الصندوق وإرادة الشعب. ولم تكن فترة حكمه يسيرة، فقد حفلت بأحداث كثيرة وطاولته انتقادات عدة بسبب بعض مواقفه وقراراته، وكذلك بسبب أسلوبه في إدارة الحكم وصورة الرئيس الجديدة التي روّج لها.
لكن المرزوقي عاد في الفترة الأخيرة لأحداث تلك الفترة داحضاً ما وصفه بـ"الأكاذيب التي حيكت ضده بغرض إسقاطه"، موجّهاً الاتهام مباشرة لما وصفه بالمال الفاسد والإعلام الفاسد الذي تكتل ضده في الانتخابات الماضية. ودعا خلال الاجتماع الشعبي الذي عُقد في قبلي جنوب تونس منذ أيام، في إطار حملته الانتخابية إلى "عدم تجديد الثقة في الذين أخلّوا بوعودهم خلال السنوات الخمس الماضية". وأضاف أن "كمية الألم لدى المواطنين مردها ضياع السنوات الماضية في الأكاذيب التي تقدم بها السياسيون، في حين تتلخّص كمية الأمل في العزم الذي يحمله الأهالي من أجل تغيير المشهد السياسي". وقال في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء التونسية "وات" إن مرحلة السنوات الثلاث التي تولى فيها منصب رئاسة الجمهورية "اتسمت باستقرار الأوضاع في البلاد رغم ما تعرّض له من أكاذيب وظلم".
وشدّد على أن العلاقات مع ليبيا ستحتل أولوية اهتماماته، تماماً مثل اهتمامه بإعادة الأموال المنهوبة والضائعة في الأسواق الموازية إلى الخزينة العامة، مشيراً إلى أنه "سيسعى إلى إعادة العدالة الانتقالية إلى مسارها". وتعهّد بتحقيق مشاريع ومطالب عدة، من ضمنها "حماية الاستقلال والوقوف أمام أي محاولة للتطبيع أو تمييع القضية الفلسطينية". وأكد المرزوقي لأهالي الجنوب أن الشريط العازل (بين تونس وليبيا) الذي كان أمر به "للضرورة" قبل خمس سنوات "سيزيله حالما يعود للرئاسة"، مذكّراً بالبرامج التي تعهّد بها ولم تر النور "لأنه لم ينجح في انتخابات 2014، من ذلك محاربة الفقر وغزو الأسواق الأفريقية". والتزم بإحياء تلك المشاريع في حال منحه الشعب ثقته. ورد المرزوقي خلال المناظرات التلفزيونية على تدخل أحد المشاركين الذين أشاروا إلى ضرورة أن يكون الرئيس شخصية مثقفة، مذكراً بأنه كان لتونس رئيس مثقف (يقصد نفسه) وكان منتبهاً لقضايا البيئة والتغيرات المناخية، لكن أحداً لم يعر انتباهاً لذلك في ذلك الوقت، أما الآن فالجميع يتحدث عن البيئة والطاقة والثقافة.
ويبدو أن ما يشغل المرزوقي اليوم هو موقعه بين المرشحين، خصوصاً مع وجود أكثر من مرشح عن العائلة السياسية أو الفكرية الواحدة، ما يجعل التنافس مضاعفاً داخل كل عائلة وبين كل العائلات السياسية في نفس الوقت. ولكن ما لفت الانتباه في الأشهر الأخيرة هو تغيّر خطاب المرزوقي، الذي لا يخفي أنه قام بمراجعات لسنوات الرئاسة وما تلاها، خصوصاً أن حزبه، حراك تونس الإرادة، شهد هزات حقيقية بعد استقالة أبرز رفاق دربه، ما دفعه إلى العودة إلى أصدقاء قدامى.
وتحدث المرزوقي بشجاعة عن انتهاء حقبة صراع الثورة والثورة المضادة وصراع الهوية، على الرغم من أنها ملفات لم تقفل نهائياً بالفعل، وستعود إلى السطح ولو تحت مسميات أخرى، مثل ملف العدالة الانتقالية وملف المساواة في الميراث وغيرها. ولا يرغب المرزوقي في أن يكون مرشح عائلة سياسية بعينها بل يسعى إلى توسيع قاعدته الانتخابية وإنهاء صراعه مع النظام أو وضعه بين قوسين والقفز فوقه. وخاطب المرزوقي الجميع، الإسلاميين والقوميين واليساريين.
وذكّر الإسلاميين بأنّه دافع عنهم ولم يتركهم في أحلك الظروف، وأنّ ذلك كان من واجبه كرئيس للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ثم حين كان رئيساً للجمهوريّة، وأكّد لهم أنّه سيواصل الدفاع عنهم بكلّ قوة إلى أن تنتهي التهديدات الداخلية والخارجية لهم، وقال للإسلاميين في رسالة على صفحته إنّ أصواتهم ضرورية لمقاومة منظومة الفساد. وطالب المرزوقي بوضوح بأن يكون التصويت مفيداً حتى لا تتفرق القواعد والأصوات وتتجمّع ضد "النظام الفاشل".
غير أن أحد قيادات النهضة، الحبيب خذر، ردّ على صفحته في "فيسبوك" بأن على المرزوقي "ردّ جميل النهضويين في الانتخابات الرئاسية السابقة بالتصويت لفائدته آنذاك وصعوده إلى الدور الثاني بفضل الخزان الانتخابي للنهضة"، مطالباً إياه بالتنازل لصالح عبدالفتاح مورو.
وفي رسالة إلى اليساريين، قال المرزوقي: "تعلمون أنني أؤمن بالفكر اليساري الاجتماعي الذي يؤمن بالأساس بقضية العدالة بين الجهات والعدالة بين كل التونسيين، ومن هذا المنطلق أطلب منكم ثقتكم ودعمكم". وخاطبهم قائلاً: "تعلمون أنه في الانتخابات الماضية ضحكوا عليكم وسخروا منكم، وقالوا لكم اقطعوا الطريق على هذا الرجل لأنه متحالف مع النهضة، وفي نهاية المطاف اتضح أن الطرف الآخر هو الذي كان متحالفاً مع النهضة وكانت النتيجة ما رأيتم".
ودعا المرزوقي اليساريين إلى إغلاق القوس والعودة إلى علاقة متينة بينه وبينهم، باعتبار أنه بقطع النظر عن الخلافات الأيديولوجية، يتقاسم معهم كل الأفكار والهموم. وذكّر القوميين بأنه أكثر من يدافع عن القضية الفلسطينية، خصوصاً مع ما تنتظره من تطورات فرضتها "صفقة القرن" (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية)، وأنه كان الرئيس الذي استقبل إسماعيل هنية وخالد مشعل، وركب البحر لكسر الحصار عن غزة. ولا يخفي المرزوقي خشيته من صعود اسمين من المنظومة للدور الثاني وتراجع أهم المدافعين عن الثورة، مشيراً بوضوح إلى تدخل المال في الحملات الانتخابية.