في أعلى الرسم من اليمين، يظهر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وهو يهم بقذف زعيمة تحالف "يمينا" أيليت شاكيد بحبة طماطم، وتحته يظهر أفيغدور ليبرمان زعيم حزب "يسرائيل بيتينو"، وهو يتبادل الركل والضربات مع زعيم "يهدوت هتوراة" يعقوف ليتسمان. وفي الأسفل إلى اليمين، يظهر من معسكر اليسار هذه المرة إيهود براك وهو يعارك زعيم حزب "العمل" عمير بيرتس. وفي معسكر الوسط أو تحالف "كاحول لفان"، يُظهر الرسم الجنرال السابق موشيه يعالون يعارك شريكه في الائتلاف، زعيم حزب "ييش عتيد"، يئير لبيد. وحده الجنرال بني غانتس، الذي يقف على رأس تحالف "كاحول لفان"، القوة الثانية في إسرائيل، والمتساوية عملياً لجهة عدد المقاعد مع "الليكود" (35 مقعداً)، يقف مكتوف اليدين لا يدري ماذا يفعل، بينما تظهر في أسفل الرسم في أقصى اليسار، أكياس يبدو أن الهدف منها الإشارة إلى المال السياسي أو ربما المال المهدور على انتخابات ثانية في عام واحد، وهي سابقة لم يكن لها مثيل في تاريخ إسرائيل.
في المقابل، يفتقر الرسم إلى أي إشارة لأي من شخصيات ونواب الأحزاب العربية، بما يعكس حقيقة عدم أخذ هذه الأحزاب ونوابها في الحسبان، في العقل اللاواعي للجمهور والصحافة الإسرائيلية، ربما لأن واقع الحال في السياسة الإسرائيلية والانتخابات، يفيد بأنّ العرب مهما بلغ عدد المقاعد الذي ستحصل عليه قائمتهم المشتركة (تتوقع لها الاستطلاعات بين 9 و11 مقعداً بحسب نتائج استطلاعين للقناة 13 مساء الخميس، ومعاريف صباح الجمعة)، فإنهم سيبقون خارج حسابات تشكيل الائتلاف الحكومي المقبل، على الرغم من أنّ بعض أقطاب القائمة المشتركة ولا سيما عضوي الكنيست أيمن عودة وأحمد طيبي، يكرران تصريحات "يُفهم" منها أنهم قد يوصون بتكليف منافس نتنياهو، الجنرال غانتس (الذي فاخر بقتل أكثر من 1400 من عناصر حماس خلال عدوان 2014)، لتشكيل الحكومة تحت زعم تكرار سيناريو حكومة إسحاق رابين من عام 1992. وكان رابين شكّل حكومة وائتلافاً حظي بتأييد 59 نائباً داخل الائتلاف وتأييد النواب العرب في حزب الجبهة والقائمة الموحدة من خارج الائتلاف الحكومي، الأمر الذي مكّنه من تمرير اتفاق أوسلو.
ومقابل صورة الشجار العمومي، فإنّ الأحزاب الإسرائيلية والإعلام الإسرائيلي عموماً، تفضّل أن يصف هذه المعارك والشجارات، بالتعبير العسكري "نار داخل المركبة المصفحة" الذي استعاره نفتالي بينت من القاموس العسكري لوصف الهجوم الإعلامي ضد حزبه "البيت اليهودي" من قبل "الليكود"، إبان المعركة الانتخابية الأخيرة في إبريل/ نيسان الماضي. إذ وصف التصريحات ضدّ حزبه بأنها بمثابة نيران داخل المركبة المصفحة، وباتجاه من يركبها بدلاً من أن تكون موجهة للخارج.
هذه الحالة من الحرب الداخلية في أوج المعركة الانتخابية، تشكّل استثناءً تقريباً لما عرفته المعارك الانتخابية الإسرائيلية السابقة. فبدلاً من تركيز السهام والحرب ضدّ أحزاب المعسكر المضادّ، يتم توجيه النيران داخل المعسكر الواحد، بما يفسّر حالة الارتباك والضغط بالأساس داخل المعسكرين الرئيسيين في إسرائيل، إذا جاز حصر الأحزاب الإسرائيلية المتصارعة في معسكرين أساسيين لا تنطبق عليهما بالضرورة تعريفات السياسة العادية؛ يمين ويسار، بل معسكر نتنياهو ومؤيديه من أحزاب اليمين التقليدية، ومعسكر مناهضيه من وسط ويسار ويمين. وإلى هذين المعسكرين يضاف في المعركة الانتخابية الحالية حزب أفيغدور ليبرمان، الذي يعلن أنه سيؤيد ائتلافاً حكومياً يمينياً قومياً وعلمانياً، وترشيح من يتعهد بتشكيل حكومة وحدة وطنية غير خاضعة لإملاءات وابتزاز أحزاب الحريديم وأحزاب التيار الديني الصهيوني (البيت اليهودي، والاتحاد القومي).
هي حرب على كل صوت وكل مقعد، لأنّ الاستطلاعات الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة تكرر نفسها لجهة النتائج مع تعديلات طفيفة؛ مقعد لهذه الجهة أو لتلك، فيما يبدو أن الحزبين الكبيرين، "الليكود" بقيادة نتنياهو و"كاحول لفان" بقيادة الجنرال بني غانتس يخسران بشكل مثير للاستغراب بين 4 و5 مقاعد لكل منهما، من أصل 35 مقعداً حصل عليها كل منهما في الانتخابات الأخيرة في إبريل الماضي. ويبدو أنّ 5 من هذه المقاعد على الأقل تذهب لحزب ليبرمان الذي يبدو حالياً، بحسب الاستطلاعات، الرابح الأكبر من إعادة الانتخابات، ونحو 5 مقاعد لتحالف أحزاب اليمين "يمينا" بقيادة أيليت شاكيد، الذي يضم حزب "اليمين الجديد" (خسر الانتخابات الأخيرة بعد أن نقصه 1500 صوت تقريباً لاجتياز نسبة الحسم المحددة بـ3.25 في المائة من مجمل الأصوات الصالحة)، وحزب "البيت اليهودي" وحزب "الاتحاد القومي".
صورة توزيع المقاعد التي تظهرها الاستطلاعات حتى أمس الجمعة، تشير إلى أنّ معسكر نتنياهو يحصل على 56 مقعداً في الكنيست من أصل 120، بينما يحتاج على الأقل إلى 61 مقعداً لتشكيل الحكومة، مقابل 54 مقعداً يحصل عليها المعسكر المناهض لنتنياهو، بما في ذلك الأحزاب العربية، و11 مقعداً لحزب ليبرمان.
هذا التوزيع لقوة الأحزاب يزيد من حدّة التنافس على الأصوات داخل المعسكر لكل من المعسكرين، بعد أن بيّنت الاستطلاعات عدم حدوث أي عملية انتقال للأصوات من اليمين لليسار وبالعكس من اليسار لليمين، بل انتقال أصوات "الليكود" وحزب "كولانو" الذي انضم للأخير، إلى أحزاب ليبرمان وقائمة أحزاب اليمين "يمينا" التي تحصل الآن على 12 مقعداً. في المقابل، فإنّ حزب "كاحول لفان" يفقد 4 مقاعد على الأقل تتوزع على قائمتي حزب "العمل" وتحالف "المعسكر الديمقراطي".
ووفقاً للحرب الضروس التي شنّها نتنياهو هذا الأسبوع على زعيمة تحالف أحزاب اليمين، أيليت شاكيد، واتهامه لها بأنها نسخة من تسيبي ليفني، وأنها لن ترشحه لتشكيل الحكومة المقبلة، يتضح أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي يسعى لمحاولة استعادة المقاعد الضائعة من حزبه عبر شنّ حرب على شاكيد، لاعتقاده، على ما يبدو، بثبات قوة حزب ليبرمان الذي يعتمد على أصوات المهاجرين من أصول روسية. وهو ما يزيد من حدة تراشق الاتهامات بين الطرفين، وخصوصاً أن نتنياهو يعتبر أن الأمر الأهم في المعركة الانتخابية هو أن يبقى "الليكود" الحزب الأكبر وبفارق كبير عن حزب "كاحول لفان". ويقول أقطاب أحزاب اليمين الأخرى، إنّ الأمر المهم هو تحقيق نتيجة 61 مقعداً لصالح المعسكر، وسدّ الطريق أمام "كاحول لفان" وأمام تشكيل حكومة وحدة وطنية يرون أن نتنياهو قد يتجه إليها في حال تمكّن ليبرمان من فرض شروطه مع إحداث انشقاق في تحالف "كاحول لفان"، وتجنيد أصوات حزب "العمل" برئاسة عمير بيرتس لتأييد حكومة بقيادة نتنياهو.
وبحسب معلّق الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس" مثلاً، فإنّ فرص تشكيل ائتلاف يميني مع الحريديم بقيادة نتنياهو بدأت تتراجع، لكن هذا لا يعني بالضرورة ألا يشكل نتنياهو الحكومة المقبلة بتشكيلة حزبية مغايرة.
اللغز الرئيسي في الانتخابات الحالية، هو كيف سيتصرف أفيغدور ليبرمان بعد الانتخابات وبعد أن يضمن كتلة برلمانية كبيرة؟ وهل سيبقى مصرّاً على شروطه الحالية بعدم الدخول في ائتلاف حكومي بمشاركة أحزاب الحريديم؟ أم سيستغل قوته النيابية لفرض شروطه على حكومة بقيادة نتنياهو، حتى لو شاركت فيها أحزاب الحريديم؟
المعضلة الرئيسية التي بات نتنياهو يواجهها في الانتخابات المعادة، لا تقف عند تحقيق أكبر عدد من المقاعد للحصول على تكليف من الرئيس الإسرائيلي بتشكيل حكومته الخامسة، بل أيضاً في حقيقة أنه لن يحظى هذه المرة بتمديد فترة المفاوضات لتشكيل الحكومة لأكثر من 28 يوماً. كما لن يكون بمقدوره تكرار سيناريو حلّ الكنيست في الدقيقة التسعين، كما فعل في الانتخابات الماضية، عندما تمكن في 29 مايو/ أيار الماضي وقبل ساعة تقريباً من نهاية المهل القانونية الثانية لتشكيل الحكومة، من حلّ الكنيست. ويدرك نتنياهو أنه لن تكون أمامه سوى فرصة واحدة، وخصوصاً أنّ شاكيد أعلنت أن حزبها يؤيده كمرشح اليمين لرئاسة الحكومة، لكن هذا التأييد لن يكون سارياً بالضرورة في حال فشل خلال المهلة الأولى في تشكيل الحكومة.