ونشر نافالني، مساء الاثنين، بياناً مطولاً عبر موقعه الإلكتروني حول ملابسات تسميمه وصوراً لوجهه المتورم، نافياً في الوقت نفسه معاناته من أي حساسية. وأوضح نافالني أنّ النزلاء في الزنزانة لاحظوا أثناء جولة، ظهر السبت الماضي، احمراراً برقبته، قبل أن يشعر بعد ذلك بساعة بالسخونة في الجبهة والجلد وحول العينين. وبعد استدعاء سيارة إسعاف ونقله إلى مستشفى في اليوم التالي، خضع نافالني للعلاج بحقن أدوية مضادة للحساسية، وسط منع محاميه ومعارفه من الأطباء من زيارته.
ومع ذلك، استبعد المعارض الروسي احتمال وقوف رجال الشرطة المحليين وراء تسميمه، كونهم أصيبوا بصدمة عندما رأوا شكله. ولكنه اعتبر أنّ رواية التسميم ستزداد واقعية في حال تبيّن من تسجيلات كاميرات المراقبة دخول أي أشخاص آخرين إلى الزنزانة أثناء جولة المحبوسين. وأضاف ساخراً: "وإلا، تزداد قوة رواية الحالة الطبية الفريدة من نوعها، وقد يُطلق عليها اسم (حساسية نافالني غير المتكررة) يوماً ماً".
وتساءل نافالني حول ما إذا كانت السلطة الروسية "غبية" إلى حدّ تسميم المعارضين، وإثارة فضيحة عالمية، مع انكشاف منفذي عملية تسميم العميل المزدوج الروسي البريطاني سيرغي سكريبال، في مدينة سالزبوري البريطانية في العام الماضي، وتلفيق قضية مخدرات للصحافي المعروف إيفان غولونوف، واستبعاد جميع المرشحين المستقلين، حتى أكثرهم اعتدالاً، من انتخابات دوما موسكو، ومنع تظاهرة احتجاجية وتوقيف نحو 1400 شخص يوم السبت الماضي. ودعا نافالني إلى عدم البحث عن "معانٍ خفية ومنطق" في تصرفات السلطة الروسية، خالصاً إلى أنّ القائمين عليها هم، في الواقع، أشخاص "أغبياء وأشرار يلتهمهم هوس المال".
بدورها، اعتبرت صحيفة "سفوبودنايا بريسا" الإلكترونية الروسية أنّ "أحداث عطلة الأسبوع الماضي قد تكون لها تداعيات هامة، بل مصيرية لمستقبل البلاد"، بعد استبعاد الشباب بمختلف توجهاتهم من السياسة، وهو أمر لا يحلّ المشكلة، وإنما يؤجلها فقط. وفي مقال بعنوان "لم يتم تسميم نافالني، بل هو الذي سمم الحياة السياسية للكرملين"، توقعت الصحيفة أن يصدق كثيرون رواية تسميم نافالني بعد مسلسل تسميم سكريبال ومعارضين روس آخرين.
وأشارت إلى أنه من مؤشرات تصديق رواية تسميم نافالني، احتشاد عدد من أنصاره أمام المستشفى الذي يتلقى العلاج فيه، ما يشكل مصدراً جديداً للصداع للكرملين، على ما يبدو. مع ذلك، اعتبرت الصحيفة أن المشكلة "النظامية" الأكبر هي كيفية التعامل مع الجيل الجديد من النشطاء السياسيين الراغبين في المشاركة في السياسة من دون توفر إمكانية لذلك.
وفي السياق، قال المحلل السياسي قسطنطين كالاتشوف، لـ"سفوبودنايا بريسا": "ما يجري في موسكو الآن، هو بروفة لانتخابات مجلس الدوما الروسي، إذ إن مشكلة كبيرة تنتظر البلاد عام 2021. من الآن، يقترحون علينا القبول بأنه لن يتم السماح بمشاركة إلا المرشحين المناسبين في انتخابات الدوما". وأضاف: "وسط ركود الاقتصاد وتراجع التفاؤل الاجتماعي وإنهاك الناخبين وزيادة عدد الغاضبين، ليس لدى القائمين على السلطة سوى رد تلقائي على ما يجري في البلاد، وهو تشديد القبضة ومنع المعارضين من المشاركة في الانتخابات. حتى في العام 2011 المؤاتي نسبياً، أدى الاستياء من النتائج المعلنة للانتخابات إلى احتجاجات (ساحة) بولوتنايا".
وكانت روسيا قد شهدت في نهاية عام 2011 والنصف الأول من عام 2012، مسيرات حاشدة رفضاً لتزوير نتائج الانتخابات التشريعية، وعودة بوتين إلى الرئاسة، بعد شغله منصب رئيس الوزراء لمدة أربعة أعوام. إلا أنّ السلطة الروسية تمكنت آنذاك من قمع الاحتجاجات عن طريق تشديد قانون التظاهر، وصدور أحكام بالسجن بحق عدد من المحتجين بتهمة "الاعتداء على أفراد الأمن"، في ما عُرف إعلامياً بـ"قضية ساحة بولوتنايا".
لكن مع بدء بوتين ولايته الرئاسية الرابعة والأخيرة بموجب الدستور، اصطدم الكرملين بموجة جديدة من الاحتجاجات الرافضة لإصلاح رفع سن التقاعد، تحوّلت تدريجياً إلى تظاهرات حاشدة ذات مطالب سياسية. وبحسب استطلاع أجراه مركز "ليفادا" وأوردت صحيفة "فيدوموستي" الروسية نتائجه أمس الثلاثاء، فإنّ نسبة الرافضين لبقاء بوتين رئيساً بعد انتهاء ولايته في عام 2024، ارتفعت بنسبة 11 في المائة خلال عام، لتبلغ حالياً 38 في المائة.