أعلنت شعبة الإعلام الحربي التابعة لقوات العقيد الليبي المتقاعد خليفة حفتر، اليوم الاثنين، سيطرتها على محور الرملة خلف المطار القديم، جنوبي طرابلس، كبداية لعملية جديدة للسيطرة على طرابلس، في حين لم تؤكد مصادر "حكومة الوفاق" لـ"العربي الجديد"، صحة بدء هذه المعركة التي يروج معسكر حفتر، منذ حوالى أسبوع، باقتراب "ساعة الصفر" لاندلاعها. ويأتي هذا الإعلان في ظلّ تغيير حفتر قياداته العسكرية والأمنية، وقيامه بسلسلة من الاعتقالات السرية التي طاولت شخصيات أمنية وعسكرية، وفق ما كشفت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، قبل يومين.
وأعلنت شعبة الإعلام الحربي التابعة لقوات حفتر سيطرتها على محور الرملة خلف المطار القديم، جنوبي طرابلس. بدوره، أكد مكتب الإعلام الحربي التابع للجيش الليبي، بقيادة حكومة الوفاق، استمرار سيطرة "قوات الوفاق" على مواقعها في جنوبي العاصمة.
من جهتها، بثت وسائل إعلام محلية مقربة من قوات حفتر تسجيلا منسوبا لشعبة الإعلام الحربي التابعة "للجيش الليبي" أعلنت فيه عن بدء هجوم واسع قيل إنّ هدفه اقتحام العاصمة. وألقى رئيس غرفة العمليات المتقدمة، اللواء صالح اعبودة، بياناً موجهاً إلى جميع الوحدات العسكرية التابعة "للجيش الوطني"، حدّد فيه الساعة التاسعة "ساعة الصفر" لانطلاق الهجوم.
ولم يتسنَّ لـ"العربي الجديد" التأكد من صحة الأنباء عن تقدم قوات حفتر، من جانب قادة حكومة الوفاق.
وتزداد الأوضاع الميدانية في جنوبي العاصمة الليبية طرابلس، تعقيداً وتفاقماً بسبب إصرار حفتر على إحراز نصر عسكري من خلال حملة جديدة على جنوبي طرابلس، لاستعادة مواقعه السابقة التي خسرها نهاية الشهر الماضي، فيما تدور سيناريوهات موازية في الكواليس، ترعاها أطراف إقليمية، لإبراز طرف قبليّ ليبيّ فاعل في المشهد.
تأخير "ساعة الصفر"
وتكشف مصادر عسكرية مطلعة على ترتيبات حفتر الجديدة، عن كمّ من الخلافات في صفوف قواته، أدى إلى تأخر إطلاق "ساعة الصفر" لأكثر من مرة.
وتقول المصادر إنّ الخلافات كبيرة بين قوات اللواء التاسع، القادمة من ترهونة (95 كم جنوب شرقي العاصمة)، والمؤلفة في أغلبها من مقاتلي النظام السابق، وبين قيادات حفتر، ما حدا بالأخير إلى نقل غرفة قيادة العملية العسكرية المقبلة إلى قاعدة الجفرة.
وقالت المصادر العسكرية ذاتها، إنّ حفتر قرّر في عمليته الجديدة، الاعتماد على مقاتلي قبائل الغرب والجنوب، بالإضافة إلى أعداد من المقاتلين المرتزقة من السودان، وصلوا إلى قاعدة الجفرة بمساعدة الإمارات، التي تمتلك صلات مع نائب رئيس المجلس العسكري في السودان، محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".
وكان مراسل صحيفة "لوموند" الفرنسية، جان فيليب ريمي، قد كشف في مقال له في منتصف يونيو/ حزيران الماضي، عن وصول 600 مقاتل من قوات حميدتي إلى قاعدة الجفرة الليبية لدعم حفتر بوساطة إماراتية.
وبعد سقوط غريان، أظهرت فيديوهات متداولة غرفة قيادة العمليات الرئيسية في غريان وعدد من مقاتلي قوات الحكومة يتجولون داخلها، بعد فرار قائدها اللواء عبد السلام الحاسي.
وتشير المصادر نفسها إلى أنّ الحاسي، الذي يخضع للتحقيق على خلفية خسارته للمعركة وتسليمه مدينة غريان، أصبح مرفوضاً من قبل مقاتلي اللواء التاسع، ما حدا بحفتر إلى تكليف المبروك الغزوي، الذي كان آمراً لمنطقة سبها العسكرية، والمحسوب على النظام السابق، في خطوة لإرضاء مقاتلي ترهونة.
وقبل أيام، تناقلت وسائل إعلام محلية ليبية أنباء عن قيام مليشيات الكاني في ترهونة، والتي تقاتل تحت مسمى "اللواء التاسع"، بطرد مقاتلي كتيبة "طارق بن زياد"، أبرز كتائب حفتر، من المدينة، فيما قالت مصادر أخرى إنّ حفتر قرّر نقلها للتمركز في منطقة الهلال النفطي، وسط البلاد.
وبعد سقوط غرفة عملياته الرئيسية في غريان، يراهن حفتر على ترهونة في عمليته العسكرية الجديدة، ولا سيما أنها البوابة الأقرب لطرابلس. لكنّ الخلافات الأخيرة تزامنت مع وصول المبعوث الأممي لدى ليبيا، غسان سلامة، إلى مدينة بني وليد (180 كم جنوب شرقي العاصمة)، للمرة الأولى، لحثّ قيادات المدينة الاجتماعية على لعب دور جديد لوقف القتال.
ونجحت زعامات قبلية من بني وليد في وقف قتال شرس اندلع في يناير/كانون الثاني الماضي، بين مليشيا "الكاني" من ترهونة ومقاتلي "قوة حماية طرابلس"، وفي إقناع الطرفين بتوقيع اتفاق بينهما.
وحافظت بني وليد، رغم ولائها الشديد للنظام السابق، على حيادها طيلة السنوات الثماني الماضية، بعيداً عن الصراعات الداخلية المسلحة، وعدم المشاركة في الحراك السياسي.
وتشكل المدينة القاعدة الرئيسية لقبيلة ورفلة، التي تُعتبر أكبر قبائل ليبيا، ولها انتشار في غالبية المدن الليبية بل وفي دول الجوار أيضاً، ورغم رفضها تقديم الدعم لحفتر في حروبه العديدة، إلا أنه حاول الاستفادة من مهبطها الجوي لنقل عتاد عسكري ومقاتلين، ما اضطر حكومة الوفاق إلى الإعلان في منتصف الشهر الجاري عن غلق أجواء المهبط أمام حركة الملاحة.
وتبدو الخطط التي تسير وفقها الإمارات في ليبيا، تتجه للسيطرة على حفتر، فمن جهة تقدم له الدعم العسكري، ومن جهة تدعم جهود البعثة الأممية لإعادة المسار السياسي وفق مساع لتشكيل حكومة وحدة وطنية بديلة لحكومة الوفاق، يبرز العارف النايض، الذي ينتمي لمدينة بني وليد، كأحد أهم المرشحين لرئاستها. كما ينتمي للمدينة أيضاً السياسي الليبي محمود جبريل، رئيس حزب تحالف القوى الوطنية، رجل الإمارات الآخر، والذي سبق أن قدّم الشهر الماضي مبادرة سياسية لحل الأزمة في ليبيا.
ولا تُعرف حتى الآن صلة زيارة المبعوث الأممي لبني وليد بالجهود الإماراتية لإبراز دور المدينة وجرها إلى الانخراط في أتون الصراع السياسي الليبي، لكنّ مصادر ليبية أكدت في وقت سابق لـ"العربي الجديد"، أنّ الإمارات أجبرت حفتر على القبول بالخضوع لقيادة مدنية ممثلة في حكومة وحدة وطنية يرأسها العارف النايض، الذي يمتلك زخماً قبلياً واسعاً وأنصاراً، من خلال انتمائه للتيار الصوفي المنتشر في البلاد، لإظهاره أمام الراي العام قائداً لجيش يخضع لسلطة سياسية مدنية.