مصر: تحضيرات مبكرة لتعديل حكومي واسع في الخريف

17 يوليو 2019
تكمن المشكلة في إيجاد بديل لمدبولي (فرانس برس)
+ الخط -
بالتزامن مع فضّ دور الانعقاد الرابع من الفصل التشريعي الحالي لمجلس النواب المصري، بدأت الدوائر الرئيسية لصنع القرار في نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، التداول مجدداً بمستقبل حكومة مصطفى مدبولي، استعداداً لإجراء تعديل وزاري، ربما تُفتَتح به الدورة البرلمانية الخامسة والأخيرة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وقالت مصادر واسعة الاطلاع في وزارات سيادية وخدمية، لـ"العربي الجديد"، إنّ الدائرة الاستخباراتية الرقابية التي يرأسها مدير الاستخبارات العامة اللواء عباس كامل، ويضطلع نجل السيسي ضابط الاستخبارات محمود، بدور رئيسي فيها، ترغب في إجراء تعديل وزاري واسع يشمل رئيس الوزراء شخصياً. وذلك بحجة أنّ أداء مدبولي ليس على المستوى المأمول، وأنه لا يحقّق الأهداف المرجوة من عملية التكامل بين الجيش والأجهزة السيادية والأمنية وبين الحكومة المدنية، وأنه فشل أيضاً في السيطرة على الوزراء، وتعثّر في إتمام بعض المهام الحساسة وعلى رأسها مشروع تطوير جزيرة الوراق في محافظة الجيزة، ومشروع تطوير سفح الأهرامات، اللذان يتداخل الجيش فيهما أيضاً، ممثلاً في الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.

وأضافت المصادر أنّ التقييم السائد على مستوى الدائرة الخاصة بالسيسي لمدبولي، أنه "مجتهد ولديه أفكار بناءة، لكنه غير متمكّن من أدواته"، مشيرةً إلى أنّ اجتماعات مجلس الوزراء تشهد بشكل دوري مشادات بين عدد من الوزراء المشتركين في ملفات معينة، ولا يتمكّن مدبولي من احتوائها، فضلاً عن ضعف متابعته لعمل المحافظين.

وتكمن المشكلة في مدى نجاح الدائرة المقربة من السيسي في إيجاد بديل لمدبولي. فوفقاً للمصادر، يطرح البعض فكرة تصعيد وزيرة التخطيط هالة السعيد لتكون أول سيدة ترأس حكومة في مصر، ويجادلون بأنّ هذا التوقيت مناسب لاتخاذ هذه الخطوة، وذلك لتحسين صورة النظام في الخارج، والتأكيد على اتباعه نهجاً لتفعيل المساواة بين الرجل والمرأة. وأيضاً لأنّ وزيرة التخطيط هي المنوط بها متابعة تطورات الاتفاق مع "صندوق النقد الدولي" والعديد من الجهات المانحة والمقرضة الأخرى للحكومة، مما يعزز تعاملها مع أولويات المرحلة الراهنة والآثار المترتبة على برنامج الاقتراض وتخفيض الدعم المسمى في الإعلام المصري ببرنامج "الإصلاح الاقتصادي".

ويستند المروجون للسعيد أيضاً إلى أنها الأكثر دراية بالتعامل مع ملف تخفيض عدد العاملين في الدولة، الذي بدأت آثاره السلبية تطفو على السطح بسبب وقف التعيينات الجديدة وتعدد الإقالات والاستقالات وضعف أعداد كبار الموظفين، وخلو درجات كاملة من شاغليها، وتراجع أعداد الكوادر المهنية بشكل عام، وهو ما اضطر الحكومة لتمديد الاعتماد على مئات الموظفين الذين بلغوا سن التقاعد، والبدء في خطة لإعادة هيكلة سن التقاعد مستقبلاً بزيادته تدريجياً.

في المقابل، يطرح آخرون من دائرة السيسي نفسها وزراء آخرين يرونهم ناجحين في أداء مهامهم، كوزير الكهرباء محمد شاكر الذي يُعتبر من أقدم الوزراء الحاليين وسبق له الاعتذار عن رئاسة الحكومة، والذي يعتمد عليه السيسي بشكل مطلق في إدارة قطاع الكهرباء والاتفاقات الجديدة بشأنه مع الدول والشركات الأجنبية. كذلك يطرح البعض اسم وزير البترول طارق الملا، ووزير الاتصالات عمرو طلعت الذي أصبح العامل المشترك بين اجتماعات السيسي بالوزراء في مختلف الملفات في الآونة الأخيرة، نظراً لاهتمام النظام المتصاعد بعملية الربط الإلكتروني وقواعد البيانات والأمن السيبراني وتداخل عمل الوزارة مع الاستخبارات والرقابة الإدارية في العديد من المشاريع ونجاحها من وجهة نظر دائرة السيسي.

وأوضحت المصادر نفسها أنّ "هناك اتفاقاً على رحيل عدد من الوزراء الذين ليسوا على وفاق تام مع عباس كامل ونجل السيسي، أو ما زالت لهم علاقات بشخصيات نافذة تم تهميشها وتجنيبها أخيراً". ومن هؤلاء وزيرة الاستثمار سحر نصر التي كانت بعض الدوائر تروج لها يوماً لتكون رئيسة للوزراء، ووزيرة الصحة هالة زايد الممنوع حالياً نشر صورتها واسمها في وسائل الإعلام المصرية كعقاب لها على تصريحاتها في لجنة برلمانية منتصف مايو/ أيار الماضي عن مشاكل تمويل نظام التأمين الصحي الجديد. وكذلك وزير التنمية المحلية محمود شعراوي الذي كان قبل اختياره وزيراً في يونيو/حزيران 2018، قد أقيل من رئاسة جهاز الأمن الوطني على خلفية الفشل الذريع في التعامل مع العملية الإرهابية في منطقة الواحات في أكتوبر/تشرين الأول عام 2017، وسوء التنسيق مع الجيش، وهي العملية نفسها التي أطاح السيسي على إثرها بأقرب مسؤول مصري له وهو صهره وصديقه القديم، الفريق محمود حجازي، رئيس أركان الجيش السابق.

أمّا وزير التعليم طارق شوقي، الممنوع نشر صورته واسمه أيضاً في وسائل الإعلام الموالية للنظام، فيبدو أنّ الحظ يحالفه حتى الآن للبقاء في الوزارة. إذ كشفت المصادر أن دائرة السيسي تواصلت منذ شهر مع 7 شخصيات لاستطلاع رأيها لتولي الحقيبة وتسلم إدارة مشروع تطوير التعليم الذي بدأه شوقي وخصصت له مئات الملايين من الجنيهات وتساهم في تنفيذه القوات المسلحة، لكن جميع المرشحين رفضوا واعتبروا أنّ المشروع محكوم عليه بالفشل، وهو ما لا يرغب السيسي في مجرد سماعه.

وذكرت المصادر أنّ غضب السيسي من شوقي قد هدأ، بعدما كان أدلى بتصريحات للجنة التعليم بمجلس النواب عن مشاكل التمويل التي تعيق نجاح مشروع الدراسة والامتحانات عبر أجهزة "التابلت"، ومنها عبارة نقلت عن لسان شوقي للسيسي أغضبته بشدة هي: "الجهات السيادية هي اللي عملت كده حاسبوها مش تحاسبوني"، وذلك في معرض توضيحه للنواب أنّ تلك الجهات هي المسؤولة عن تحديد أوجه الإنفاق وإدارة التمويل الخاص بتأمين الامتحانات والمطابع منذ عامين بتكليف مباشر من السيسي.

وأوضحت المصادر أنه بعد الفشل الذريع في نظام الامتحان الجديد للصف الأول ثانوي بواسطة أجهزة "التابلت"، كان متفقاً على أنّ امتحانات الثانوية العامة ستكون المهمة الأخيرة لشوقي، لكن التزامه الصمت إزاء ما تعرّض له من "تهميش عقابي" مع استمراره في مباشرة العمل، زاد من رصيده لدى دائرة السيسي مرة أخرى، على الرغم من استمرار منع نشر تصريحاته إلى الآن.

وبحسب المصادر، فإنّ إجراء هذا التعديل الوزاري مع بداية الدورة البرلمانية، سيكون مناسباً لتغيير وزير العدل أيضاً، إذ بات في حكم المؤكد رحيل الوزير الحالي المستشار حسام عبد الرحيم بسبب سوء حالته الصحية (يبلغ من العمر 74 عاماً) وتعيين النائب العام الحالي نبيل صادق بدلاً منه، علماً بأنه سيغادر النيابة العامة في سبتمبر/أيلول المقبل بموجب الدستور، بعدما قضى فيها 4 سنوات. وأكدت المصادر ما سبق ونشرته "العربي الجديد" في مايو/أيار الماضي، عن أنّ "السيسي يرغب في الاعتماد على وزير للعدل أكثر قدرة ونشاطاً"، بل إن بعض مساعدي عبد الرحيم بدأوا في التواصل مع صادق للتنسيق معه بشأن المرحلة المقبلة.

وفي مايو الماضي، تسببت معلومات تم تداولها على نطاق واسع في الأوساط الحكومية عن قرب إجراء تعديل وزاري، في شلل وظيفي ببعض الوزارات، إذ غاب بعض الوزراء عن مكاتبهم، وآثر آخرون وقف إصدار البيانات الصحافية بأنشطتهم اليومية، فيما ألغى البعض الآخر الفعاليات المقررة سلفاً، ممن كانت تحوم حولهم شبهات الإطاحة نتيجة غضب السيسي المتصاعد من سوء أداء فريق منهم والتصريحات "غير المقبولة" من آخرين. وأوضحت المصادر أنّ الاستخبارات والرقابة الإدارية منذ ذلك الحين تعدّ تقارير أسبوعية عن أداء الوزراء وترفعها للرئاسة، فضلاً عن إعداد قوائم للمرشحين للوزارات في التعديلات المقبلة وجس نبض بعضهم مبكراً.

وكان آخر تعديل حكومي في مصر قد أجري في يونيو/حزيران 2018، وتضمّن تعيين مدبولي رئيساً للوزراء، ووزراء جدد للداخلية والدفاع والمالية والصحة والبيئة والتنمية المحلية وقطاع الأعمال والاتصالات والصناعة والطيران والشباب. وفي فبراير/شباط الماضي تم تعيين وزير جديد للإسكان، بدلاً من مدبولي الذي كان محتفظاً بهذه الحقيبة طوال ثمانية أشهر. وفي مارس/آذار الماضي، تم تعيين رئيس الهيئة الهندسية للجيش الفريق كامل الوزير، وزيراً للنقل خلفاً لهشام عرفات الذي استقال عقب حادث تصادم وانفجار قطار بمحطة رمسيس وسط القاهرة الذي راح ضحيته أكثر من 20 مصرياً.

المساهمون