يتواصل "نزيف" اليمين في فرنسا، إثر الهزيمة التاريخية التي مُني بها في الانتخابات الأوروبية، بحصول "الجمهوريين" على المرتبة الرابعة (نسبة 8,48% فقط)، الأمر الذي دفع بالرئيس إيمانويل ماكرون، إلى استمالة المستقيلين من الحزب، لحشد الدعم لنفسه أمام الأزمات التي يواجهها.
وعلى الرغم من التوقعات بأنّ استقالة لوران فوكييز من رئاسة "الجمهوريين"، بعد فشله في الانتخابات الأوروبية، حديثاً، ستسهل عملية إعادة بناء الحزب، وعودة بعض ممثلي الوسط، في انتخابات تقرر تنظيمها يومي 12 و13 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وفي يومي 19 و20 من الشهر نفسه، إذا تطلَّب الأمر دورة ثانية، إلا أنّ الأمر لا يبدو بهذه السهولة.
ولعل أكبر الضربات التي تؤكد ذلك، مغادرة القيادية فاليري بيكريس، ورئيسة جهة باريس الكبرى، أغنى مناطق فرنسا، لحزب "الجمهوريين"، بعد أن رجّح كثيرون وقف انعزالها عن القيادة، بسبب تسلط فوكييز وخطه المحافظ، وتولّي رئاسة الحزب.
وعزّز هذه التوقعات وجود بيكريس إلى جانب رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشي، قبل أيام، وهو يدعو لاستعادة وحدة الحزب، عبر التحام اليمين والوسط، من جديد، كما كان عليه الأمر، أثناء تأسيس حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" الذي أوصل نيكولا ساركوزي إلى الرئاسة عام 2007.
وقد أثارت مغادرة بيكريس، والتي وضعها رئيس الوزراء اليميني السابق جان بيير رافاران، الذي تقرّب من ماكرون في الآونة الأخيرة، في إطار "حالة النزيف" في الحزب، استغراب عدد من قياديي "الجمهوريين"، وعلى رأسهم كريستيان جاكوب رئيس كتلة الحزب في مجلس النواب.
كما وصفت صحيفة "لوفيغارو" اليمينية، بيكريس بـ"السيدة الغاضبة دوماً، والتي ليس لرغباتها حدود"، قائلة إنّها "أصرت على استقالة لوران فوكييز، فلمّا فعلها انسحبت من الحزب، وإذا كانت تدّعي أنّ استقالتها، كما بررتها، تفتح باب إعادة بناء اليمين، فإنّ مبادرتها بدأت بتعميق التفكك".
وعلى الرغم من أنّ بيكريس تبرر مغادرتها "الجمهوريين" بسبب كون الحزب مُقفلاً في وجهها، إلا أنّ انسحاب فوكييز من رئاسة الحزب يتحدّى تفسيرها.
ويرى منافسو بيكريس أنّ سبب مغادرتها يعود إلى يقينها من أنها لن تنجح في الفوز برئاسة الحزب، ولذلك "فضّلت إضعاف الحزب، أكثر فأكثر، عبر الانسحاب وجرّ بعض النواب البرلمانيين معها"، وهو ما يعني، كما كتب الصحافي في "لوفيغارو" غيوم تابارد، أنّ بيكريس "تريد ألا تَظهر أيُّ زعامة، غير زعامتها في الحزب".
ووسط هذا "النزيف" الذي يضرب الحزب اليميني الفرنسي، يواصل ماكرون وأنصاره من قدامى حزب "الجمهوريين" استمالة المزيد من عمدات فرنسا، من حزب "الجمهوريين" ومن الوسط، لدعم مشروع الرئيس الفرنسي وسياساته.
وفي هذا الصدد، أعلن 40 من عمدات اليمين والوسط (من "الجمهوريين"، و"الاتحاد الديمقراطي للمستقلين" والحزب الراديكالي اليميني..)، الذين نجح رئيس الحكومة إدوار فيليب، في استمالتهم، في بيان نشرته صحيفة "لوباريزيان"، عن انخراطهم في "دعم سياسة الرئيس".
وجاء في البيان: "نحن ننتمي إلى من يأمُلُ في النجاح الحتمي لفرنسا، ولهذا السبب نريد نجاح رئيس الجمهورية والحكومة، لأنّه لا شيء سيُبنى من فشلهما".
وأكد الموقعون على البيان أنّ نتائج الانتخابات الأوروبية، وأيضاً أزمة "السترات الصفراء"، جعلتهم يضعون الانتخابات البلدية عام 2020 نصب أعينهم، معلنين رفض اختزالهم إلى "مجرد بطاقة أو متلقي تعليمات بالتصويت أو جهاز حزبي".
ويبدو أنّ خطة ماكرون التي لخصتها صحيفة "لوجورنال دي ديمانش"، القريبة من الإليزيه، في صفحتها الأولى، الأسبوع الماضي، في "الإجهاز على اليمين"، تسير على قدم وساق، ويتوقع أنّ تزداد وتيرتها في شهر مارس/ آذار العام المقبل، مع الانتخابات البلدية.
ويواجه اليمين تحدي إعادة لملمة أوراقه، لا سيما مع غياب شخصيات كاريزماتية تتولّى القيادة، وهو ما يؤكده استطلاع أخير للرأي، كشف أنّ ناخبي اليمين يفضلون لقيادتهم شخصيات يمينية، إما أنّها انسحبت من السياسة أو من حزب "الجمهوريين"، أو أنّها من خارج الحزب أصلاً.
وفي هذا الإطار، وضعت أغلبية من المتعاطفين مع اليمين ويمين الوسط، بنسبة بلغت 46%، ثقتها في الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، من بين ثلاث شخصيات يمينية قادرة على إعادة بناء اليمين، بعد خيبة الانتخابات الأوروبية، وهذه النسبة ترتفع إلى 58% لدى أنصار حزب "الجمهوريين".
ويأتي في المرتبة الثانية، كزافيي برتران رئيس جهة الشمال، الذي أيّده ناخبو اليمين والوسط بنسبة 41%، والذي غادر "الجمهوريين"، حين استلمه لوران فوكييز.
أما بالنسبة للفرنسيين، من كل الأطياف السياسية، فقد منحوا ساركوزي وبرتران نفس المرتبة، بنسبة 23%، باعتبارهما أفضل زعماء اليمين لتهيئة الاستحقاقات المقبلة.
وجاء تالياً فرانسوا باروان، وهو من قيادات "الجمهوريين"، بنسبة 20%، تليه ماريون ماريشال لوبان؛ حفيدة جان ماري لوبان مؤسس حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، بنسبة 18%، وأخيراً فاليري بيكريس، بنسبة 14%.
وبينما يسعى اليمين الفرنسي إلى الخروج من وضعه الصعب، يواصل ماكرون، المضي في خططه المعلنة لحصد التفوّق على اليسار واليمين معاً.
ولا شك أنّ الحزب "الاشتراكي" الذي اضطر لمنح رئاسة لائحته في الانتخابات الأوروبية، لشخصية من خارج الحزب هي رافائيل غلوكسمان. وهذا الأخير خارج عن خط اليسار والذي أيّد سابقاً الغزو الأميركي للعراق، وحقق نتائج تثير الرثاء في الانتخابات، على علم بخطط ماكرون.