لكن السيطرة على المدينة لا تبدو نهاية المعركة من قبل حكومة الوفاق ولا تدلّ على انتهاء العملية العسكرية لحفتر في المنطقة الغربية. وفي السياق، رجح قنونو، في تصريح لــ"العربي الجديد"، إمكانية أن تحاول قوات حفتر استرجاع المدينة، لكنه أكد أن "عودة حفتر للسيطرة على غريان أصبحت حلماً كحلم سيطرته على طرابلس في 48 ساعة". وتزامنت تصريحاته مع تنفيذ قوات الوفاق، طوال أمس الخميس، عمليات تمشيط وتأمين للمواقع المهمة في غريان.
وكان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، قد سارع إلى إصدار بيان، منتصف ليل الأربعاء، اعتبر فيه أنّ تحرير غريان من مليشيات حفتر "بداية لإحباط محاولة الانقلاب للاستيلاء على السلطة"، ما يعني أنّ القوات التابعة للحكومة مستمرة في معاركها لمطاردة فلول حفتر. كما أنّ البيان أوضح أنّ السيطرة على المدينة جاءت بعد "انتقال قواتنا من موقف الدفاع إلى مرحلة الهجوم ودحر المعتدي"، وهو مؤشر آخر على إمكانية انتقال المعارك إلى مناطق أخرى. وأكد هذا التوجه سعد الشرتاع، عميد بلدية الأصابعة، المحاذية لغريان جنوباً، والتي فرّت فلول حفتر منها، إذ أشار إلى أنّ "دخول قوات الوفاق إلى الأصابعة سيتم خلال اليومين المقبلين". ورأى الشرتاع في حديث تلفزيوني، أنّ مليشيات حفتر ستجد صعوبة في البقاء في الأصابعة كونها منطقة مفتوحة. بدوره، قال وزير الداخلية في حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، في حديث تلفزيوني ليل الأربعاء ــ الخميس، إنّ "قواتنا مستمرة في مطاردة فلول قوات حفتر حتى طردهم من كل المناطق والمدن التي دخلوها".
في المقابل، لجأت قيادة مليشيات حفتر إلى إصدار إعلان تؤكد فيه أنها أعطت أوامرها لكافة جنودها بالاستعداد لـ"عملية سحق الخلايا النائمة كافة في المدينة"، مطالبةً أهالي غريان والمدنيين في المناطق التي سيطر عليها عناصر الوفاق بعدم الاقتراب من التجمعات أو المواقع المهمة لأنها ستكون هدفاً عسكرياً جوياً.
وجاءت خسارة مليشيات حفتر لغريان، بعدما استأنفت قوات الوفاق عملياتها القتالية، أول من أمس، بعيداً عن محاور القتال في جنوب العاصمة، متجهةً صوب منطقة غريان غرباً، وبدأت بالسيطرة على منطقتي بوشيبة والقواسم، أولى مناطق غريان، تزامناً مع انتفاضة داخلية في المدينة شارك فيها مقاتلون من مؤيدي قوات الحكومة، تحت غطاء جوي وصلت ضرباته لثماني غارات على مواقع حفتر، ما اضطرّ المليشيات للهرب إلى مناطق الأصابعة ومزدة، جنوب غريان. وأتى ذلك بعد ثلاثة أيام من الهدوء الحذر الذي أعقب التقدم الكبير الذي أحرزته قوات الوفاق في محور طريق المطار، جنوب العاصمة.
وتبدو أقسى الضربات التي وجهتها قوات الوفاق في غريان، غارة نفذها سلاح الجو على الغرفة المركزية لقيادة مليشيات حفتر في المدينة، حيث أظهرت الصور التي بثها مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب" أجزاء من الغرفة وعدداً من معدات وأجهزة قيادة العمليات، التي تؤكد بشكل واضح أنّ العملية كانت خاطفة وأن قادة قوات حفتر هربوا وتركوا معداتهم داخل غرفة القيادة.
وبخسارة غريان، تكون مليشيات حفتر قد تلقت ضربة عسكرية كبيرة، إذ إنّ اللواء الليبي المتقاعد اعتمد عسكرياً في عمليته التي أطلقها في الرابع من إبريل/ نيسان الماضي نحو طرابلس على مركزين رئيسيين؛ أوّلهما غريان الجبلية الواقعة على بعد نحو 90 كيلومتراً غرب طرابلس، والثاني ترهونة الواقعة على بعد نحو 95 كيلومتراً جنوب شرق العاصمة.
وتشرف مدينة غريان على طرابلس من جهة الغرب، وتمثّل نافذة العاصمة على مناطق الجبل الغربي. كما ترتبط المدينة بالخطوط الرئيسية التي تصل الشمال بمناطق وسط الجنوب، خصوصاً قاعدة الجفرة التي عوّل عليها حفتر في تحشيد قواته، فوفّرت له بلدات الشويرف ومزدة ومن ثمّ الأصابعة وصولاً إلى غريان، خطّ إمداد رئيسياً.
كما تتوفر غريان على مهبط جوي أتاح لحفتر نقل الكثير من الإمدادات جواً، لذا كانت مقراً لغرفة عملياته المركزية، بخلاف ترهونة المعزولة نسبياً عن مناطق وسط الجنوب، وبالتالي فسقوطها أيسر من سقوط غريان.
وتبعاً لكل هذه النتائج، فإن حفتر فقد أهم ركائز سيطرته في الغرب الليبي، وأُضعف بشكل كبير مركز سيطرته الثاني في ترهونة التي أصبحت بعيدة عن خطوط الاتصال والإمداد بالمركز الرئيس في قاعدة الجفرة، وسط الجنوب.
وفي محاولة منها لإعادة التوازن لصفوفها، شنت مليشيات حفتر هجوماً على منطقة الزطارنة بوادي الربيع، جنوب شرق طرابلس، لكن آمر اللواء الأول مشاة التابعة لحكومة الوفاق، المقدم مصطفى المشاي، قال لشبكة الرائد الليبية الإخبارية إن "قوات الجيش أحبطت الهجوم وتمكنت من تدمير 10 سيارات مسلحة".
وقد يدفع تغيّر معطيات المعارك وخارطة السيطرة وتقدّم قوات الحكومة أكثر لطرد قوات حفتر من مناطق الغرب كافة، إلى تأخير الحديث بشكل رسمي عن تسوية سياسية قريبة، ليصبح الحلّ السياسي رهن بنتائج الميدان التي لم يعد بالإمكان التكهّن بها بعد السقوط المفاجئ لغريان.
مع العلم أنه منذ بداية ظهور ملامح الانهيار والضعف في صفوف مليشيات حفتر وفشله في التقدم نحو العاصمة، طفت على السطح تصريحات ومواقف من داعمي الأخير، كفرنسا، تشير إلى إعادتها لعلاقتها بحكومة الوفاق، وتوقيعها اتفاقات أمنية معها. كما برز تحول جزئي في موقف السعودية التي أعلنت عن دعمها للمسار السياسي كحلّ للأزمة في ليبيا. كما حاولت الإمارات التنصّل من دعمها لحفتر. كما ذهب وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، أبعد من ذلك في تنصل أبوظبي من دعم حرب حفتر على طرابلس، بقوله في محاضرة حول السياسة الخارجية لبلاده بمقر الجمعية الإيطالية لمنظمة (SIOI) الدولية، في روما، الثلاثاء، نقلت تفاصيلها وكالة آكي الإيطالية للأنباء: "إن الإمارات لم تطلب أبداً من الجنرال خليفة حفتر غزو طرابلس". وأضاف "يجب أن نعود للعملية السياسية"، بوساطة الأمم المتحدة.