بدت ملامح نهاية الأزمة في الجبهة الشعبية في تونس تتكشف بوضوح، وتتجه نحو جبهة منقوصة من أحد أطرافها بسبب الخلاف الضاري الدائر بين مكوناتها، وذلك قبيل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، التشريعية في 6 أكتوبر/تشرين الأول والرئاسية في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني.
وخلافا لجل التصريحات السابقة التي شددت على أن لا تمضي الجبهة إلا موحدة وأن الخلاف سيتم تجاوزه، فإن الرسائل التي تبعثها قيادات طرفي الصراع داخلها، حزبا العمال والوطنيين الديمقراطيين الموحد(الوطد) أصبحت تؤكد بوضوح أن استمرار الائتلاف اليساري الكبير مرتبط بمغادرة أحد طرفي الصراع.
وإثر بلاغ من حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، جدد خلاله الدعوة لبقية مكونات الجبهة إلى عقد المجلس المركزي من أجل التشاور في آليات فض الخلاف، جاء الرد من قيادات حزب العمال متجاهلا هذه الدعوة، بل وأكثر من ذلك اعتبرتها من قبيل "مغالطة الرأي العام بالإيهام بوجود هيكل يبت في هذه المسائل وهو المجلس المركزي، بعد أن تم الاتفاق مسبقا على أن يكون مجلس الأمناء هو المخول الوحيد للبت فيها".
وبدت قيادات حزب العمال أوضح في تصورها للفترة المقبلة، إذ تعتبر أن جبهة دون الوطنيين الديمقراطيين الموحد ورابطة العمل اليساري أمر ممكن.
وقال القيادي بالعمال والنائب عن الجبهة عمار عمروسية في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الجبهة باقية ولن تتفكك، وإن كانت دون الوطد الموحد فهذا لن يؤثر على تماسكها".
وأضاف أن "محاولة شخصنة الصراع وحصره في شخص الناطق الرسمي باسم الجبهة حمة الهمامي مجانب للصواب، فحتى قيادات حزب العمال نفسها لا تريده ناطقا رسميا باسم الجبهة، وهو لم يعرض أن يواصل هذه المهمة ولم يبد اهتماما بالرئاسيات"، مذكرا بأن مسألة مرشح الجبهة للانتخابات الرئاسية لم يطرحها الهمامي وإنما كان قياديو "الوطد" أنفسهم أول من أثارها.
وبين عمروسية أن "حقيقة الصراع تدور حول اتجاهين داخل الجبهة، أحدهما يريد جبهة دون ولاءات وغير تابعة لأي طرف داخلي أو خارجي تمارس دورها كمعارضة حقيقية، والآخر يراها تابعة ترتهن مرة لرئيس الحكومة رغبة في منصب وزاري، ومرتهنة لأطراف أخرى تارة أخرى بحثا عن المصلحة".
التوجه ذاته ورد أيضا على لسان القيادي بحزب العمال جيلاني الهمامي في تصريح له لوسائل إعلام محلية، إذ أكد أن "هاجس الحفاظ على الجبهة الشعبية دفع قياداتها إلى إيجاد ترضيات ومحاولات للتسوية، ولكن الصراع الحالي وتشبث جل الأطراف بالجبهة وانسحاب الوطد الموحد ورابطة العمل اليساري تمثل طريقا للتخلص من العوائق الداخلية وقوى الجذب إلى الوراء وإعادة بناء الانسجام".
وإذ تشدد قيادات "العمال" مدعومة بالتيار الشعبي وحساسيات أخرى على أن الجبهة ستكون "أكثر انسجاما" دون "الوطد"، فإن الوطنيين الديمقراطيين أيضا يرون الجبهة أسلم دون من يصفونهم بـ"المخربين".
وأوضح القيادي بـ"الوطد" والنائب عن الجبهة أيمن العلوي لـ"العربي الجديد" أن حزبه متمسك بالجبهة ولا يزال يدعو لاجتماع قياداتها من أجل إنهاء الخلاف عن طريق الحوار، في حين عمدت قيادات العمال للاتهامات. واعتبر أن الجبهة "تتعرض لعملية اختلاس وسطو وتخريب من قبل قيادات العمال والتيار الشعبي تحديدا، واهمين بأنها أصل تجاري خاص".
ووجه العلوي اتهاما للجيلاني الهمامي تحديدا بقيادة عملية تخريب ممنهجة للجبهة، في إطار "طبعه الانعزالي والتكتلي" المعروف عنه بعد أن نجح في تخريب حزبه أولا ووصل إلى حد تخريب الجبهة الشعبية.
وفي وقت تؤكد غالبية الأحزاب أن قدر الجبهة الشعبية أن تكون موحدة وتدعو للحوار، يذكر "الوطد" بأنه مؤسس على قدر المساواة وذات الوزن والتضحية مع بقية مكونات الجبهة ووفق تقدير القيادي أيمن العلوي، فإن ذلك لم يحل دون إعادة النظر في تكوين الجبهة.
وكشف العلوي في هذا الصدد أن المشاورات على أشدها خلال هذه الفترة وستفضي إلى حل يقتضي أساسا أن تواصل دون من وصفهما بـ"المخربيْن"، والمتواطئ معهما الناطق الرسمي باسم الجبهة حمة الهمامي، على حد قوله.