تحذيرات بومبيو للعراق: الابتعاد عن إيران ومنع استهداف الأميركيين

09 مايو 2019
اجتمع بومبيو خلال زيارته مع الرئيس برهم صالح (الأناضول)
+ الخط -
حملت الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، إلى بغداد، ليلة الثلاثاء، بعد اتصالين هاتفيين أجراهما يومي السبت والاثنين الماضيين، مع رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، رسالة واضحة من الإدارة الأميركية لبغداد بضرورة حسم خياراتها وفكّ الارتباط مع إيران، وهو الأمر الذي لخّصه وزير عراقي بحكومة عبد المهدي، في اتصال مع "العربي الجديد"، بالقول إنّ "المنطقة الرمادية تضيق جداً على العراقيين، كما أن الأميركيون لم يكونوا بهذا الوضوح من قبل بشأن تحركات إيران داخل العراق".

وكشف الوزير أنّ بومبيو الذي زار بغداد لنحو ثلاث ساعات والتقى عبد المهدي، والرئيس العراقي برهم صالح، بحضور مساعده لشؤون الشرق الأدنى، السفير دافيد ساترفيلد، أوصل معلومات ورسائل للحكومة "كانت واضحة للغاية". ووفقاً للمصدر ذاته، فإنّ الوزير الأميركي سلّم العراقيين معلومات حول "تحضيرات إيرانية لاستهداف مصالح أميركية في العاصمة بغداد ومحافظة الأنبار غربي العراق، على وجه التحديد".

وقال الوزير الذي طلب عدم كشف هويته، إنّ هذه التسريبات وصلت له عقب الاجتماعات التي عقدها عبد المهدي مع عدد من مساعديه فور مغادرة بومبيو، والتي استمرت حتى وقت مبكر من فجر أمس الأربعاء، وضمّت رئيس جهاز الاستخبارات العامة مصطفى الكاظمي، ورئيس أركان الجيش العراقي، الفريق أول الركن عثمان الغانمي، ووزير الخارجية محمد الحكيم، إلى جانب مسؤولين آخرين.

وأوضح الوزير أنّ التسريبات تكشف أنّ "الأميركيين لن يكونوا مقتنعين في تبني أي جهة أخرى غير الإيرانيين، في حال استهدافهم بالعراق أو سورية، حتى لو أعلن تنظيم داعش ذلك". وتابع أنّ "الجديد في الموضوع هو أن القادة الأميركيين صاروا يتحدّثون عن فصائل مسلحة بعينها دون سواها داخل الحشد الشعبي، ويعتبرونها أذرع لطهران، ويهددون بالردّ عليها كأهداف إيرانية، بحال أي اعتداء على مصالح الولايات المتحدة ليس في العراق فقط، بل في منطقة التنف السورية أيضاً"، حيث توجد قاعدة أميركية.

ويأتي ذلك بعد أيام من تأكيد مسؤولين عراقيين أنّ عبد المهدي انتزع ضمانات من فصائل مسلحة مرتبطة بإيران، بعدم الاحتكاك مع القوات الأميركية في العراق. وبحسب الوزير ذاته، فإنّ بومبيو أبلغ عبد المهدي بأنّ الدعم الأميركي للحكومة والعملية السياسية في العراق بشكل كامل، لن يكون إلى ما لا نهاية، ما لم يتخذ العراقيون إجراءات في الفترة المقبلة تثبت استقلاليتهم عن النظام الإيراني، مؤكداً أنّ احتمال وجود تمديد آخر لاستثناء العراق من العقوبات على إيران وارد جداً، لكن سيكون لمرة واحدة، وضمن سقف زمني على العراق أن يعمل تحته إما للاكتفاء داخلياً من الطاقة، أو الانتقال إلى السعودية أو الكويت للاستيراد منهما.


وختم الوزير بالقول إن "المنطقة الرمادية تضيق بشكل كبير على الحكومة العراقية، والمناورة صارت صعبة للتوفيق بين النفوذ الإيراني والآخر الأميركي في العراق"، مشيراً إلى أنّ "رسائل بومبيو ليلة الثلاثاء كانت كثيرة، وكلها تتعلق بإيران والتصعيد الحالي، والزيارة التي تمت بعد مكالمتين هاتفيتين تؤكد خطورة الموقف بالتأكيد".

وكان رئيسا الوزراء والجمهورية العراقيان، آخر من أصدر بيانات حول الزيارة بفاصل زمني يقارب الـ 7 ساعات على نشر وسائل إعلام أميركية خبر الزيارة، وهو على خلاف المعروف عن مكتبي عبد المهدي وصالح الإعلاميين.

وقال عبد المهدي في بيانه إنّ "اللقاء جاء للتأكيد على أنّ الولايات المتحدة شريك أساسي ومهم للعراق"، وأن الأخير "مستمرّ بسياسته المتوازنة مع جميع الأصدقاء والجيران ومنهم الجارة إيران"، مشدداً على "رغبة بغداد بتطوير علاقاتها مع واشنطن وكذلك مع بقية دول الجوار والأصدقاء في مختلف المجالات".

ونقل البيان عن بومبيو تفهمه لمواقف العراق من القضايا المطروحة، وتثمينه لجهود الحكومة والدور الذي تلعبه ومساعيها في بسط الأمن وجذب الاستثمارات والخبرات الأجنبية للبلاد، بما في ذلك العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة، وكذلك إشادته بقرار الاتفاق مع شركة "إكسون موبيل" الأميركية حول مشروع الجنوب المتكامل، في إشارة الى مشروع تطوير حقول البصرة النفطية وبناء مجمعات سكنية ومحطات لتحلية المياه وأخرى لإنتاج الكهرباء وإصلاح البنى التحتية، وهو مشروع قد تصل كلفته لأكثر من 6 مليارات دولار أميركي.

في موازاة ذلك، بدا بيان الرئيس العراقي برهم صالح متطابقاً إلى حدّ ما مع بيان رئيس الوزراء. وقال صالح في بيانه إنّ "اللقاء مع الوزير بومبيو جرى خلاله التأكيد على الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، مع التزام العراق بسياسته المتوازنة التي تبني جسور الصداقة والتعاون مع جميع الأصدقاء والجيران ومنهم إيران"، مشدداً على "حرص العراق على تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين ومع بقية الدول الشقيقة والصديقة في مختلف المجالات". وأضاف البيان أنّ "العراق يبني علاقاته مع الجميع على أساس أولوياته ومصالحه، والعمل على تعميق المشتركات". ونقل عن بومبيو تثمينه "جهود العراق والدور الذي يلعبه في المنطقة، ومساعيه في بسط الأمن وجذب الاستثمارات والخبرات الأجنبية، بما في ذلك العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة".

وتعليقاً على هذه الزيارة، قال عضو البرلمان عن تحالف "سائرون"، النائب علي البديري، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الزيارة تحمل الكثير وهي غير عادية بكل تأكيد. فقد كانت سريعة ومفاجئة، وإيران كانت محورها بالدرجة الأولى"، مضيفاً "لكن للأسف، الحكومة لم تطلعنا إلى الآن على أي تفاصيل بشأنها أو ما تم بحثه خلالها". واعتبر البديري أنّ "التصعيد الحالي في المنطقة بين الأميركيين والإيرانيين مرتبط بهذه الزيارة"، لافتاً إلى أنه "إذا حدث أي صدام أو مواجهات بين الطرفين، فإنّ المتضرّر بالدرجة الأولى سيكون العراق".

إلى ذلك، رأى مراقبون عراقيون أنّ التصعيد الأميركي الإيراني انعكس بشكل مبكر داخل العراق، وأنّ أكبر ما يمكن أن تنجزه الحكومة الآن هو إقناع الأطراف القريبة من طهران داخل العراق بالتزام موقف الحياد. وفي السياق، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، إياد الدليمي، إنّ "بومبيو حمل رسالة واضحة للمسؤولين العراقيين بأنّه لا مجال للبقاء في منتصف الطريق، وربما في الفترة المقبلة سنشهد مزيداً من الضغط الأميركي على بغداد من أجل حلّ المليشيات المدعومة إيرانياً التي يبدو أنها باتت تشكل مأزقاً للعراق".

وأضاف الدليمي في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الولايات المتحدة تريد أن تبعد العراق عن إيران، وأن تجعله أكثر استقلالية، وهي تعرف جيداً ما لإيران في العراق"، متابعاً: "لذا يمكن القول إنّ الأزمة مفتوحة وقابلة لتصعيد أكبر، فالإيرانيون قد يناورون في مصالحهم داخل سورية، لكن بالنسبة للعراق سيكون الأمر مختلفاً للغاية".