التصعيد الحوثي-السعودي من مكة لنجران: فشل إضافي لبن سلمان

21 مايو 2019
نفى الحوثيون استهداف منطقة مكة بصاروخين (فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أنّ التصعيد بين السعودية وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، في اليمن، ذاهب نحو أبعد حدود، مع ارتفاع وتيرة هجمات الجماعة في العمق السعودي، وبروز رغبة لدى الرياض في استثمار التصعيد الحوثي، في ظلّ التحولات التي تشهدها المنطقة، وأبرزها التوتر عالي المستوى بين الولايات المتحدة وإيران، وكذلك قبل انعقاد قمتي مكة الطارئتين اللتين دعت إلى عقدهما الرياض أخيراً. وتتعاطى السعودية مع هجمات الحوثيين ضدها بمبدأ غريب، وهو أنه يحق لها، أي السعودية، أن تقصف ما تشاء من الأراضي اليمنية، ومنشآت وأهداف مدنية منذ أربع سنوات، في إطار حربها المفتوحة، من دون أن يكون من حق الطرف الآخر، أي الانقلابيين الحوثيين، أن يردوا بالمثل، بما تيسّر لهم من أدوات وصواريخ بدائية، أو بما أوصلته إيران إليهم من أسلحة وطائرات مسيّرة أكثر تطوراً. منطق يشبه العجرفة السعودية في سياستها الخارجية كلها، خصوصاً في زمن ولي العهد محمد بن سلمان، الذي كان يظن أن حربه على الانقلاب الحوثي، عام 2015، ستنهي المليشيا التابعة لإيران في ظروف أيام أو أسبوعين، وهي قراءة سطحية نابعة من عنصرية ضمنية تجاه اليمنيين الفقراء غير القادرين، وفق حسابات القيادة السعودية، أن يحاربوا، رغم الفارق الهائل بالإمكانات بينهم وبين السعودية، والتحالف العربي الذي تقوده، وتدعمه أميركا ودول غربية كبرى أخرى. وليس الاستنفار الدبلوماسي السعودي، الذي عبّرت عنه دعوة الملك سلمان إلى عقد اجتماعي قمة، على المستويين العربي والخليجي، في مكة، يوم 30 مايو/ أيار الحالي، سوى تعبير عن "النظرية" الفوقية التي تتحكم بحسابات الرياض تجاه الشعوب الأخرى والدول الفقيرة التي تتجرّأ على مواجهة المملكة، بغضّ النظر عن كون الحوثيين مليشيا انقلابية تأتمر من إيران، من دون إغفال لعب القيادة السعودية على الحساسية الدينية المتمثلة بعقد الاجتماعين المذكورين في مكة، المدينة الأهم عند المسلمين، في محاولة لحشد أكبر حجم ممكن من التضامن معها، ضد الحوثيين، ومن خلفهم إيران.

وأعلن الحوثيون أمس الثلاثاء، تنفيذ هجوم استهدف مطار مدينة نجران الحدودية مع اليمن، باستخدام طائرة مسيرة بدون طيار، قالت الجماعة إنها ضربت مخزناً للأسلحة، فيما أعلن التحالف السعودي الإماراتي أنّ الطائرة كانت تحاول مهاجمة أحد المرافق الحيوية في المدينة، معتبراً أنّ تصعيد هجمات الجماعة التي اتهمها بتلقّي الدعم من إيران على "المدنيين والمنشآت المدنية تهديد إقليمي ودولي".

وجاء استهداف مطار نجران عقب أسابيع من إعلان الرياض عن إعادة تشغيله، بعدما كان قد توقف منذ سنوات، إثر المواجهات الدائرة في المناطق الحدودية، والهجمات التي يشنها الحوثيون بالصواريخ البالستية وغيرها من الأسلحة.

كذلك جاء التصعيد بإعلان استهداف مطار نجران، بعد يومٍ واحدٍ فقط من إعلان سعودي مرتبك عن إحباط هجوم بصاروخين باليستيين استهدفا مدينتي جدة والطائف الواقعتين في منطقة مكة، إذ جرى تسريب الخبر في الساعات الأولى من صباح أول من أمس الاثنين، من دون أن يصدر أي تأكيد رسمي من الجانب السعودي، قبل أن يعود ويصدر في وقتٍ متأخرٍ من مساء الاثنين نفسه بيان منسوب إلى المتحدث باسم التحالف، العقيد تركي المالكي، أفاد فيه بأنّ "منظومات الدفاع الجوي الملكي السعودي رصدت (صباح الاثنين) أهدافاً جويةً تحلّق فوق مناطق محظورة بمحافظتي جدة والطائف، وتمّ التعامل معها وفق ما يقتضيه الموقف".

وفيما سارع الحوثيون إلى نفي استهداف مكة بصواريخ منذ الساعات الأولى لتداول الخبر على وسائل إعلام سعودية، بدا ارتباك الرياض واضحاً ابتداءً من التأخّر بتأكيد اعتراض الصاروخين، وصولاً إلى البيان الذي تحدّثت عن تدمير "أهداف جوية"، من دون تحديد طبيعتها، ليأتي بعد ذلك كله تأكيد متأخّر من السفارة السعودية في واشنطن، التي قالت عبر حسابها على "تويتر" مساء الإثنين، أنّ "الدفاعات الجوية السعودية اعترضت صاروخين إيرانيي الصنع أطلقهما الحوثيون على منطقة مكة".

وعلى ضوء هذا التطور، أصدرت العديد من الحكومات، بما فيها الحكومة اليمنية، بيانات متفاوتة اللهجة تتضامن مع السعودية، وتندّد باستهداف "الأراضي المقدسة"، من قبل جماعة الحوثي، علماً أنّ نفي الأخيرة جاء بالاستفادة من ردود الفعل التي واجهتها الجماعة، بعد إطلاق صاروخ باليستي باتجاه جدة في أكتوبر/ تشرين الأول 2016. وهو الصاروخ الذي اعتبره الجانب السعودي وقتها استهدافاً لـ"مكة المكرمة"، و"قبلة المسلمين"، وحصدت الرياض على إثره تضامناً إقليمياً ودولياً واسعاً، الأمر الذي يبدو أنه يتكرر مع الإعلان "المرتبك" عن تعرض مكة لاستهداف جديد من قبل الحوثيين.

وفي نفيها، قالت "أنصار الله"، على لسان المتحدث باسمها وكبير مفاوضيها، محمد عبد السلام، إن "أي عملية لوزارة الدفاع يتم الإعلان عنها ولا حرج لدينا عند القيام بأي عملية دفاعاً عن شعبنا وأرضنا". واعتبر أنّ "ادّعاء العدو باستهداف منطقة الطائف هو محاولة فاشلة للسعودية للخروج من الورطة التي وضعت نفسها فيها"، مضيفاً "استهداف المدنيين والمناطق المقدسة هو أمر منافٍ لأخلاقيات" الحوثيين.

وجاءت التطورات الأخيرة، في ظلّ تصعيد غير مسبوق بين الجماعة الحوثية والسعودية، بدأ مع استهداف الأولى قرب العاصمة السعودية قبل أسبوع محطتي ضخ لخط أنابيب رئيسي ينقل النفط من شرق البلاد إلى غربها وتحديداً إلى ميناء ينبع، باستخدام طائرات مسيرة بدون طيار. وللمرة الأولى في تاريخ هجمات الجماعة في العمق السعودي، أعلنت الرياض حينها عن توقف ضخّ النفط عبر الأنبوب لإجراءات فنية، متهمةً إيران بإعطاء الأوامر لـ"أنصار الله" بمهاجمة منشآتها النفطية. كما قالت على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، إنّ الحوثيين "جزء لا يتجزأ من الحرس الثوري الإيراني، ويخضعون لأوامره"، وهو تصريح بدا موجهاً للغرب (الأميركي تحديداً) والذي تحاول الرياض إقناعه بالتعامل مع الحوثيين على غرار الكيانات الإيرانية المشمولة بعقوبات واشنطن.

بدوره، أعلن المتحدث باسم الحوثيين، محمد عبد السلام، في تصريحات يوم الأحد الماضي، عن أنّ ما "بعد عملية التاسع من رمضان، ليس كما قبلها"، في إشارة إلى هجوم الجماعة ضدّ منشآت نفطية بالرياض، وفي مؤشر على تصدّر التصعيد مجدداً، بالترافق مع التوتر الذي تعيشه المنطقة نتيجة الأزمة الإيرانية-الأميركية، وما ترافق معها من تهديدات على المستويات كافة.

المساهمون