وعلى غرار الاجتماع، الذي سبق التمرد العسكري ضد الحكومة الشرعية في عدن، في يناير/كانون الثاني الماضي، كانت المدينة مساء السبت الماضي، على موعد مع اجتماع جديد تحت مسمى "اللقاء الموسع لقيادات المقاومة الجنوبية". وأعلن رئيس ما يسُمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي عيدروس الزبيدي، المدعوم من أبوظبي خلال اللقاء، "تأسيس محاور قتالية وعملياتية، وكذلك التعبئة العسكرية، وتوحيد القيادة والسيطرة، والإعداد لتغطية كافة الجبهات الحربية"، واتخاذ موقف حازم حيال ما وصفها بـ"الاعتداءات الحوثية، ورفع درجة التنسيق العسكري والعملياتي مع قيادة التحالف العربي". وتطرق الزبيدي، الذي كان يرتدي البزة العسكرية، إلى تصعيد الحوثيين في الضالع وأجزاء من محافظتي لحج وأبين جنوباً، مؤكداً على "التحرك عسكرياً وبشكل عاجل في هذه الجبهات"، على الرغم من تأكيدات مصادر محلية وعسكرية متطابقة لـ"العربي الجديد"، أن الحوثيين وخلال اليومين الأخيرين، تعرضوا لخسائر كبيرة في جبهة قعطبة بمحافظة الضالع، وهي الجبهة التي شهدت أعنف المعارك في الأسابيع الأخيرة.
وجاءت تصريحات الزبيدي، وهو محافظ عدن الأسبق لتعزز الحضور المسلح للانفصاليين في جبهة الضالع في الأسابيع الأخيرة، إذ شارك في المواجهات مسلحو ما تعرف بـ"المقاومة الجنوبية"، إلى جانب قوات من "الحزام الأمني" الموالية للإمارات. كما تعرضت قوات من الحماية الرئاسية الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي لاعتداءات أجبرتها على الانسحاب، على نحو أثار علامات استفهام عديدة، بشأن حرص أبوظبي وحلفائها على تصدر الحضور العسكري في هذه الجبهة، التي تقع في الحدود الشطرية بين الشمال والجنوب، وفقاً لما كان سائداً قبل إعادة توحيد اليمن عام 1990.
في الإطار ذاته، لم يكن التصعيد ضد الشرعية بمنأى عن التصعيد الانفصالي، بل بدا واضحاً أن عين أبوظبي على المحافظات اليمنية الجنوبية والشرقية غير الخاضعة للحوثيين، إذ أعلن الزبيدي العمل على ما سمّاه "تحرير وادي حضرموت"، وهو الجزء الذي يخضع لقوات من الجيش اليمني غير الموالية للإماراتيين أو الانفصاليين. كما أعلن أن "باقي المناطق الأخرى في محافظتي شبوة وأبين" ستكون هدفاً للتحشيد العسكري للانفصاليين الموالين لأبوظبي، ما يعني السعي إلى مواجهة مع الشرعية والقوات الموالية لها في تلك المناطق.
وعلى الرغم من أن حديث الانفصاليين عن التوجه نحو "وادي حضرموت" ليس جديداً، إلا أنه هذه المرة، جاء في اجتماع لافت، ظاهره الحشد ضد الحوثيين، وواقعه أنه محاولة من الانفصاليين وحلفاء أبوظبي عموماً، للعودة إلى صدارة المشهد في جنوب اليمن وشرقه، بعد النزف الحادّ الذي واجهه "المجلس الانتقالي الجنوبي" في رقعة مؤيديه، نتيجة التقلبات وتبعية سياساته لأبوظبي، بما لها من أجندة خاصة بالسيطرة على الموانئ والمناطق الاستراتيجية اليمنية، وصولاً إلى جملة الممارسات والانتهاكات التي تقوض دور الحكومة الشرعية لصالح مجموعات مسلحة تابعة لها.
الجدير بالذكر أن التصعيد يأتي بعد أن ظهرت بوادر عودة أزمة الشرعية - أبوظبي، على نحو غير مسبوق، في الشهور الأخيرة، إذ أطلق مسؤولون في الحكومة تصريحات تندد بما تمارسه الإمارات. ودعا بعضهم إلى الخروج عن الصمت إزاء تصرفاتها، بالتلميح تارة وبالتصريحات المباشرة وشبه المباشرة تارة أخرى. وليست المرة الأولى التي تشهر فيها أبوظبي "المجلس الانتقالي" كورقة ضغط تصعيدية ضد الشرعية، لكن التصعيد عادة ما فشل في مراحل سابقة. ويبقى السؤال عما تخفيه تطورات الأيام والأسابيع المقبلة، وما إذا كان التصعيد سينتهي بتهدئة، أم أنه مفتوح هذه المرة على احتمالات أوسع في التصعيد؟