"يديعوت أحرونوت" تكشف تفاصيل جديدة عن عملية فردان ببيروت

10 مايو 2019
أفراد وحدة سرية هيئة الأركان بقيادة باراك نفذوا العملية(AFP)
+ الخط -

كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، اليوم الجمعة، بعد 46 عاما، عن تفاصيل جديدة من عملية "فردان" التي نفذها أفراد وحدة سرية هيئة الأركان بقيادة إيهود باراك في ليلة 10 إبريل/نيسان عام 1973 في قلب بيروت واغتال فيها عناصر "الكوماندوز" الإسرائيلي ثلاثة من أبرز القادة الفلسطينيين للمقاومة: كمال عدوان وكمال ناصر ويوسف النجار.

وأفردت الصحيفة تقريرا خاصا كشفت فيه أيضا بالصورة عن هوية العميلة الإسرائيلية لـ"الموساد" التي عاشت لفترة في بيروت، وكانت تسير مزودة بكاميرا سرية أخفتها في حقيبة اليد، قامت بتصوير حي فردان، وطرقه ومداخله، كما تمكنت من تزويد "الموساد" بخرائط وصور للعمارة التي قطن فيها القادة الثلاثة.

ويكشف التقرير أن رئيس أركان جيش الاحتلال، العزار دادو، كان هو الذي أقر الخطة التي اقترحها باراك لاغتيال قادة منظمة التحرير في بيروت، وعلى أثر ذلك، بدأ أفراد الوحدة تدريباتهم على شاطئ البحر في تل أبيب، حيث كانت تقوم عمارات متعددة الطوابق تحاكي الوضع العمراني في حي فردان.

وبحسب التفاصيل التي أوردتها الصحيفة، فإن خيار اغتيال قادة منظمة التحرير من مختلف الفصائل كان قد طرح قبل العملية بعام على الأقل، لكن غولدا مئير كانت ترفض قبل عملية ميونخ تنفيذ عمليات اغتيال لقادة منظمة التحرير في الدول الأوروبية الصديقة بدون علم هذه الدول، لكنها غيرت موقفها بعد عملية ميونخ. مع ذلك، يشير التقرير إلى أن استهداف قادة المنظمة وجمع المعلومات عنهم وعن مكان سكناهم لم يتوقف.

ويشير التقرير إلى أن برقية وصلت في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 72 إلى مقر شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" من عميل لـ"الموساد" حملت عناوين وتفاصيل مواقع سكن أربعة من قادة منظمة التحرير، وهم خليل الوزير (أبو جهاد)، ويوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر ومواقع الشقق التي يسكنونها.

مع ذلك يتضح من التقرير أن التحضيرات والاستعدادات الفعلية للعملية بدأت عمليا في يناير/ كانون الثاني من العام 73، بعدما تم تدريب عميلة "الموساد" التي يشار إليها فقط باسمها الأول، ياعيل، وهي يهودية من أصول كندية، جرى تجنيدها للموساد وإعدادها لعدة أشهر مع تدريبات مكثفة ورسم خلفية وتغطية لها، قبل إرسالها لبيروت في 14 يناير من العام 73 كصحافية جاءت لإنتاج مسلسل تلفزيوني عن الأرستوقراطية البريطانية هيستر ستناب، التي كسرت قواعد وتقاليد المجتمع البريطاني وعاشت كناشطة سياسية واجتماعية، قضت فترات طويلة من عمرها في بلدان الشرق الأوسط وبينها بيروت.

وصلت ياعيل إلى بيروت ونزلت بداية في فندق بريستول، لتنتقل بعد أيام لاستئجار شقة في العمارة المطلة على العمارتين اللتين سكن فيهما قادة المنظمة المستهدفون في العملية، وهو ما مكنها من مراقبة الشقق الثلاث بدقة وبسهولة، ورصد روتين الحياة فيها وساعات وصول القادة إليها. كما مكنها موقعها من تصوير الحي وطرقه ومخارج الطرق فيه، ومحيط العمارات المستهدفة بدقة متناهية، وصولا إلى تصوير مسارات الوصول من شاطئ البحر وحتى مدخلي العمارتين، مع الإشارة إلى وجود نقطة شرطة لا تبعد سوى 200 متر عن العمارتين.


واصلت ياعيل جمع المعلومات بدقة، وقامت بتصوير كل نقطة مهمة، بما فيها موقع أعمدة خطوط الهواتف اللبنانية المهمة، وحتى الوصول إلى ترشيح المرفأ الخاص لفندق ساندس كنقطة لإنزال أفراد القوة الإسرائيلية.

ويتضح من التقرير أيضا أن 35 عنصرا من وحدات الكوماندوز الإسرائيلية شاركوا في العملية إلى جانب عملاء الموساد الذين كانوا قد وصلوا إلى بيروت قبل العملية بأسبوع، واستأجروا سيارات أميركية لنقل الجنود.

وبيّن التقرير أن تعليمات قائد المظليين الرئيسي، مانو شاكيد، لأفراد القوة قبل مغادرة ميناء حيفا لتنفيذ العملية كانت واضحة ومقتضبة: اقتلوا، صوروا، واجمعوا الوثائق. ثم أضاف شفهيا: "لا تطلقوا النار وتذهبوا، غادروا الغرفة فقط بعد أن تتأكدوا أنه ميت".

إلى ذلك، وبحسب الصحيفة، فإن حجم القوات المساندة لفرق "الكوماندوز"، من بين جنود الوحدات المختلفة في جيش الاحتلال، من سلاح البحرية والجو والاستخبارات الذين شاركوا جميعا وكانوا على أهبة الاستعداد، بلغ نحو 3500 عنصر.

ووفقا للتفاصيل التي تنشرها الصحيفة، فإن القوات الإسرائيلية عندما وصلت إلى موقع سكن القادة الثلاثة وجدت أن حرس العمارة نائمون، فتمكن كل فرد منها من الصعود كل إلى هدفه، وبعد التأكيد على وضع عبوات صغيرة على بوابات شقق القادة الثلاثة، أصدر إيهود باراك، الذي قاد العملية، أمرا بتفجير العبوات ثم اقتحام الشقق وقتل القادة الثلاثة. وكان يفترض أن يكون القائد الفلسطيني صلاح خلف (أبو أياد) ضمن أهداف العملية، لكنه لم يكن في شقته التي ينزل بها أحيانا، في تلك الليلة، وتم اغتياله بعد أكثر من 18 عاما بتاريخ 14 يناير عام 1991، كما تم أيضا اغتيال خليل الوزير، من خلال عملية مركبة ومعقدة في تونس، بتاريخ 16 إبريل/ نيسان 1988 في أوج الانتفاضة الأولى من قبل الوحدة نفسها، سرية هيئة الأركان، حيث تولى موشيه يعالون (رئيس الأركان لاحقا ووزير الأمن)، عملية إطلاق الرصاص على الشهيد خليل الوزير والتأكد من استشهاده.

وتكشف رواية "يديعوت أحرونوت"، نقلا عن الجنود الذين نفذوا العملية، أن الشهيد يوسف النجار خرج من غرفة نومه مع سماع دوي انفجار باب شقته، وعندما أدرك ما يحدث حاول الانسحاب للداخل لكن جندياً أطلق النار عليه وعلى زوجته وأرداهما قتيلين. أما الشهيد كمال ناصر فأطلق النار باتجاه الجنود من تحت السرير، وأصاب أحد الجنود في قدمه لكن عناصر القوة قاموا بإطلاق صليتين عليه وأردوه قتيلا.

ويسرد الجنود، بحسب رواية "يديعوت أحرونوت"، أن الشهيد الثالث كمال عدوان، خرج لملاقاة الوحدة شاهرا سلاحه، بندقية كلاشينكوف، لكنه تردد للحظة عندما شاهد أمامه سيدة، وكان هذا التردد كافيا لوحدة القتل الإسرائيلية، إذ أطلق الجندي نحماني الذي كان متخفيا بزي امرأة النار عليه من بندقية العوزي التي كانت مخبأة تحت ملابسه.

لكن عملية فردان لم تقف، بحسب الصحيفة، عند اغتيال قادة منظمة التحرير الثلاثة المذكورين، فقد كانت الخطة تشمل أيضا استهداف مواقع أخرى في بيروت للتغطية على عملية فردان. وقام الفريق الثاني بقيادة أمنون ليفكمين شاحاك (صار لاحقا رئيسا للأركان)، بزرع متفجرات في بناية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتفجيرها عن بعد، ما أسفر عن استشهاد 25 عنصرا من عناصر الجبهة الشعبية في تلك الليلة.

ويسرد التقرير في "يديعوت أحرونوت" أن العميلة الإسرائيلية ياعيل مكثت في بيروت بعد العملية لعدة أيام، قبل أن تسافر إلى لندن. وفي 15 إبريل عام 1973 أبرق فرع الموساد في لندن إلى تل أبيب يؤكد وصول العميلة ياعيل إلى لندن بسلام.