الجزائر بعد بوتفليقة: الحراك يستهدف رموز النظام

04 ابريل 2019
من الاحتفالات بعد استقالة بوتفليقة (العربي الجديد)
+ الخط -
طوت الجزائر رسمياً، أمس الأربعاء، 20 عاماً من حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بعدما أقر المجلس الدستوري شغور منصب رئيس الجمهورية بعد استقالة بوتفليقة الثلاثاء. وبقدر ما يُشكّل هذا التطور إنجازاً للحراك الشعبي المتواصل منذ 22 فبراير/ شباط الماضي، إلا أنه يضع البلاد أمام تحديات مستقبلية كبيرة، فيما يصرّ الحراك على محاسبة رجالات النظام ورحيل رموزه المتبقين من السلطة. وتدخل الجزائر مرحلة سياسية جديدة ليست أقل حساسية من السابقة، على مسارين: الأول دستوري في ظل الخلافات بين الإصرار على تطبيق المادة 102 وإجراء انتخابات خلال مهلة 90 يوماً، وبين المطالبات بهيئة رئاسية تحضّر للانتخابات. أما المسار الثاني، فهو سياسي، وسط تساؤلات كبيرة حول الاتجاه الذي سيسلكه المشهد، الذي يبقى غير واضح، مع وجود أكثر من فاعل على الساحة، أبرزهم الحراك الذي يراهن على استمرار ضغطه في الشارع لتحقيق مطالبه، إضافة إلى الجيش، الأقوى راهناً على الساحة، وسط تساؤلات عن موقفه المستقبلي، فهل سيقتصر دوره على تطبيق المسار الدستوري، أم سيتدخّل لرسم المشهد المستقبلي؟ كذلك يبرز دور الأحزاب السياسية المعارضة التي واكبت الحراك في الفترة الماضية بمواقف موحّدة تقريباً، أما اللاعب الأخير فهو معسكر بوتفليقة من شخصيات ورجال أعمال، والذي يبدو الأضعف اليوم، مع تصاعد المطالبات بمحاكمتهم.

وانتهى رسمياً أمس عهد بوتفليقة، بعد اجتماع المجلس الدستوري وإقراره شغور منصب رئيس الجمهورية إثر استقالة بوتفليقة الثلاثاء. وأكد بيان للمجلس ثبوت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية طبقاً للمادة 102 من الدستور، كما أعلن المجلس إخطار غرفتي البرلمان بذلك. وبموجب هذا الإخطار، سيتولى رئيس مجلس الأمة، الغرفة العليا للبرلمان، عبد القادر بن صالح، استدعاء غرفتي البرلمان، المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، إلى الاجتماع في جلسة مشتركة وجوباً لإقرار حالة الشغور. وتبدأ بعد ذلك ترتيبات نقل صلاحيات الرئاسة إلى بن صالح الذي سيدير الدولة لمدة 90 يوماً، ويعلن تنظيم انتخابات رئاسية، وفقاً لما تنص عليه المادة 102 من الدستور. ولا تستدعي حالة استقالة بوتفليقة المرور بفترة تمهيدية مدتها 45 يوماً قبل تنظيم الانتخابات الرئاسية في غضون 90 يوماً، نظراً لأنه بعد قرار الرئيس بالتنحي لم يعد هناك من مانع صحي يستدعي التثبت منه في غضون 45 يوماً.

واضطر بوتفليقة الثلاثاء إلى تقديم استقالته بطلب من قيادة الجيش التي طلبت الإسراع في تفعيل المادة 102، بعد رفض الحراك الانتظار حتى نهاية ولاية بوتفليقة في 28 إبريل/ نيسان الحالي. وقال بوتفليقة في رسالة وداع نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية الثلاثاء إنه قرّر تقديم استقالته "تجنباً لانزلاقات وخيمة قد تؤدي إلى الفوضى في البلاد". وفي رسالة وصفها بالأخيرة ووجهها أمس الأربعاء، طلب بوتفليقة من الشعب الجزائري المسامحة والمعذرة والصفح عن أي تقصير، معبّراً عن تمنياته لأي رئيس جديد بمواصلة تحقيق طموحات الشعب. مضيفاً "أغادر الساحة السياسية وأنا غير حزين ولا خائف على مستقبل بلادنا، بل أنا على ثقة بأنكم ستواصلون مع قيادتكم الجديدة مسيرة الإصلاح والبذل والعطاء على الوجه الذي يجلب لبلادنا المزيد من الرفاه والأمن".

وبدت هذه الرسالة محاولة من الرئيس المستقيل لتجنّب محاسبته وأركان نظامه خصوصاً، مع تصاعد الدعوات إلى ذلك. ويتجه الحراك الشعبي إلى جمعة ثامنة من الاحتجاجات بعنوان "جمعة القصاص"، موجّهة للمطالبة بمحاسبة رجالات الكارتل المالي من رجال الأعمال المرتبطين بنظام بوتفليقة، والمتورطين في قضايا نهب المال العام، واستغلال النفوذ، وكذلك المطالبة برحيل رموز النظام، خصوصاً رئيس الحكومة الحالي نور الدين بدوي، ورفض تولي بن صالح رئاسة الدولة. وشهدت التجمّعات التي تلت إعلان بوتفليقة استقالته مطالبات بفتح ملفات المحاسبة والعدالة. وتجمّع أمس الأربعاء متظاهرون وسط العاصمة الجزائرية، رافعين شعارات بمحاسبة من وصفوهم بـ"الخونة". وقال القاضي السابق ومفجّر ملف "القضاة المزيفين" في الجزائر، بن يوسف ملوك، الذي شارك في التجمّع، لـ"العربي الجديد"، إن "رحيل بوتفليقة هو رحيل لرجل كان يتولى التغطية على قضايا فساد مختلفة، ليست قضايا فساد مالي فقط، وإنما فساد إداري ومالي وتغلغل لوبيات ومجموعات على صلة بدول أجنبية في قلب منظومة الحكم، خصوصاً في الأجهزة والسلطة الحساسة كالقضاء".


وفي السياق، أتاح تنحي بوتفليقة لعائلات المفقودين والمختطفين قسرياً في سنوات التسعينيات، العودة إلى المشهد، إذ تجمّعت العائلات في ساحة البريد المركزي وسط العاصمة للمطالبة بفتح ملف الاختطافات القسرية والإعدامات خارج القانون خلال سنوات الأزمة الأمنية في التسعينيات، وهو الملف الذي أغلقه بوتفليقة بفعل قانون المصالحة الوطنية الصادر في سبتمبر/ أيلول 2005، والذي يمنع محاكمة أو إعادة فتح الملف. وقال حسان فرحاي، شقيق أحد المختطفين وكان يرفع صوره خلال التظاهرة، لـ"العربي الجديد": "نريد عدالة انتقالية تكشف الحقيقة وتعيد الحق وتنهي سياسة اللاعقاب التي فرضها بوتفليقة"، مضيفاً أن "رحيل بوتفليقة من الحكم سيسمح بذلك، لقد انتهى كابوس جثم طويلاً على صدور ورؤوس الجزائريين".
من جهتها، فإن المعارضة السياسية التي أبدت ارتياحها لاستقالة بوتفليقة، لا تزال تبدي قلقاً إزاء استمرار الحكومة الجديدة التي أعلن عنها، الأحد الماضي، برئاسة بدوي، وترفض تولي عبد القادر بن صالح رئاسة الدولة، وتعتبر أن تنظيم الانتخابات الرئاسية في غضون 90 يوماً التي ينص عليها الدستور لن تكون كافية في ظل عدم توفر الظروف القانونية والآليات الممكنة لإجراء انتخابات نزيهة، وفي ظل عدم توفر هيئة عليا مستقلة تشرف على تنظيم الانتخابات.

وفي السياق، كان الناشط المعارض كريم طابو، رئيس حزب "الاتحاد الديمقراطي، أول من نزل من شخصيات المعارضة إلى الشارع صباح أمس الأربعاء، لإعلان رفضه تولي بن صالح رئاسة الدولة واستمرار حكومة بدوي، على الرغم من أن الدستور لا يتيح في الوقت الحالي تعديل الحكومة، وفي وقت يصر فيه الجيش على تطبيق النص الدستوري. وقال طابو لـ"العربي الجديد"، إن "الحراك الشعبي كان واضحاً في مطالبه، برحيل كل رموز النظام البوتفليقي، ولا يمكن لبن صالح الذي كان شريكاً لمدة 20 سنة مع بوتفليقة في دفع البلاد إلى الكارثة، ولا بدوي الذي زوّر الانتخابات ومنع حق إنشاء الأحزاب السياسية، أن يكونا مشرفين على مرحلة انتقالية، هذا أمر مستحيل".

من جهته، أعلن الناشط البارز في الحراك الشعبي، مصطفى بوشاشي، لـ"العربي الجديد"، أن استقالة بوتفليقة تحصيل حاصل، لكنها لا تمثّل وحدها حلاً للأزمة السياسية، يجب أن يرحل رموز النظام لأنه من غير المقبول أن تنتقل الجزائر إلى مرحلة ديمقراطية بنفس الوجوه التي كانت تدير السلطة في مرحلة بوتفليقة، معتبراً أن "الحراك الشعبي حقق نصف مطالبه، لكن المطلب المركزي هو رحيل النظام وتفكيك كامل لمنظومة الحكم وقاعدتها السياسية". وفي السياق، اعتبر رئيس "جبهة العدالة والتنمية"، عبد الله جاب الله، في تصريح للصحافيين، أن استقالة بوتفليقة "منجز مهم للحراك الشعبي، لكنه غير كافٍ ما لم تتبعه خطوات أخرى خصوصاً ذهاب الحكومة الحالية". وجدد جاب الله مطالب كتلة المعارضة السياسية التي عبّرت عنها في اجتماعها السابع يوم الثلاثاء والمتعلقة بتكليف مجلس رئاسي أو رئيس دولة من غير الشخصيات المحسوبة على الرئيس المنتهية عهدته في منصب رئيس الجمهورية يضطلع بمهام الرئاسة، ويتكوّن من ثلاثة إلى خمسة أشخاص من ذوي المصداقية لدى الشعب، على أن "تباشر هيئة الرئاسة تعيين حكومة كفاءات من الذين لم يتحملوا مسؤوليات في عهد النظام المرفوض من الشعب، تتولى تسيير الشؤون العادية للمواطنين، وتكليف لجنة وطنية من ذوي الأهلية القانونية والخبرة بإدخال التعديلات اللازمة والمناسبة على قانون الانتخابات، ووضع الأساس القانوني لإسناد ملف الانتخابات لهيئة وطنية مستقلة، تشرف على الانتخابات من تسجيل الناخبين إلى إعلان النتائج وترسيمها"، وفق توصيات المعارضة.

في غضون ذلك، تفاعلت استقالة بوتفليقة دولياً، واعتبرت الولايات المتحدة أن مستقبل الجزائر يقرّره شعبها. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية روبرت بالادينو إن "الشعب الجزائري هو من يقرّر كيفية إدارة هذه الفترة الانتقالية". من جهته، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أنّ فرنسا واثقة من أنّ الجزائريين سيُواصلون السعي إلى "انتقال ديمقراطي". وقال في بيان "نحن واثقون من قدرة الجزائريين على مواصلة هذا التحوّل الديمقراطي بنفس روح الهدوء والمسؤولية" التي سادت خلال الأسابيع الماضية.
كذلك دعا الكرملين إلى الانتقال السياسي في الجزائر من "دون تدخّل" من بلدان أخرى. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن موسكو تأمل كذلك ألا يكون للانتقال المقبل "أي تأثير على الطبيعة الودية لعلاقاتنا الثنائية".