وكانت فرنسا وإيطاليا وأميركا وبريطانيا والإمارات قد أصدرت بياناً، عقب بدء عملية حفتر ضدّ طرابلس، تضمن إدانة للعنف ودعوة لإعطاء فرصة للحلّ السياسي الذي يحاول المبعوث الأممي غسان سلامة، والمدعوم علناً من فرنسا، الدفع به. لكن ما تؤكده المصادر بأن باريس لا تزال ترى أنّ "حفتر هو الرجل الأقوى والذي يمكن الاعتماد عليه في المرحلة الحالية"، ليس فقط بسبب تحكمه في مصادر النفط ورغبتها في تأمين مصالح شركاتها العملاقة ومزاحمة الشركات الإيطالية المنافسة، لكن أيضاً لمنع إيطاليا من التحكم في منطقة استراتيجية مهمة كليبيا، ترى فرنسا أنها يمكن أن تمثل الامتداد الطبيعي لسيطرتها الثقافية على المغرب العربي.
إلا أنّ المصادر نفسها أكّدت أنّ الرؤية النهائية لفرنسا إزاء حفتر لا تتفق بالضرورة مع رؤى الدول العربية الداعمة للواء الليبي أو مع وجهة نظر روسيا، إذ تعتبر باريس أنّ الاعتماد عليه مرحلياً ممكن، للضغط أو للخروج بأكبر قدر من المكاسب، لكنها لا تراه الشخص المناسب لقيادة ليبيا في المستقبل. وبحسب المصادر، فإن فرنسا لا ترغب في خلق نظام "ألعوبة" تابع بشكل كامل لدول عربية أخرى.
وأوضحت المصادر نفسها، أنه على الرغم من النفي المستمر من الجيش الفرنسي للمعلومات التي تنشرها صحف إيطالية عن وجود عسكري محدود في ليبيا لمساعدة قوات حفتر، متمثلاً في مستشارين عسكريين وخبراء استخبارات، ومحاولة باريس المستمرة لتصوير نشر هذه المعلومات كجزء من الحرب السياسية بين البلدين حول ليبيا، إلّا أن الثابت على الأقل، بحسب تعبير المصادر، أنّ فرنسا زوّدت مصر وحليفها حفتر هذا العام بمعلومات استخباراتية "دقيقة" عن أماكن تمركز قيادات عسكرية مناوئة للأخير داخل طرابلس، وحجم تسليح بعض المليشيات المدعومة من دول أخرى غير مصر والإمارات والسعودية.
وذكرت المصادر أنّ التنسيق الفرنسي-المصري في هذا الإطار له مستويات متعددة، منها تبادل المعلومات الاستخباراتية حول ما يجري في مناطق مختلفة، خصوصاً في شرق وجنوب شرقي ليبيا، حيث تحاول فرنسا مراقبة الوضع هناك عن كثب، في ظلّ تحكمها المعلوماتي شبه الكامل في منطقة الجنوب الغربي المتاخمة لأماكن تمركز للقوات الفرنسية بالنيجر وتشاد.
على وقع ذلك، أشارت المصادر إلى أنّ المعلومات الواردة حتى الآن للعواصم الأوروبية، تؤكد أنّ التحركات العسكرية الهجومية والدفاعية حول طرابلس لم ينتج منها أي تطور استراتيجي، لكنها توقّعت أن تكون استضافة حفتر رسمياً في القاهرة أول من أمس الأحد، من قبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وإعلان هذه الزيارة وإكسابها صفة رسمية من حيث إخراج صور المقابلة التي عقدت بقصر الاتحادية، "عامل استفزاز للإيطاليين تحديداً، ما قد يؤدي إلى تدفق مزيد من الدعم للمليشيات المدافعة عن طرابلس".
وتزامنت زيارة حفتر للقاهرة مع الموعد الملغى للمؤتمر الليبي الوطني الذي كان من المقرر انعقاده في مدينة غدامس، وهو ما فسرته المصادر الأوروبية على أنه رسالة تعمّد السيسي، ومن خلفه الإمارات والسعودية، توجيهها إلى إيطاليا والدول الداعمة لحكومة الوفاق، ومفادها بأن الحلّ يكمن في مكانة مميزة لحفتر في خارطة المستقبل، وأنّ الحل النهائي يجب أن يكون مصرياً، أو يحظى بقبول مصر والدولتين الخليجيتين من خلفها.
وعكس البيان الرئاسي المصري الصادر عن لقاء السيسي وحفتر صورة مغايرة لما كانت الخارجية المصرية تحاول بثه في الأيام الماضية باصطناع معارضة الهجوم على العاصمة، إذ أكّد السيسي في البيان "دعمه لجهود مكافحة الإرهاب والجماعات والمليشيات المتطرفة لتحقيق الأمن والاستقرار للمواطن الليبي في جميع الأراضي الليبية".
وحملت الصور الفوتوغرافية التي بثتها الرئاسة المصرية للّقاء، مؤشرات أخرى على معاملة السيسي لحفتر كزعيم أوحد لليبيا، وكجزء من النظام المصري في الوقت نفسه، إذ اجتمع به في القاعة المخصصة للقاء الرؤساء الأجانب، وجلس في المنتصف بينه وبين مدير الاستخبارات العامة ومدير مكتب السيسي سابقاً اللواء عباس كامل، والذي يعتبر وفقاً لمصادر مصرية مطلعة "ضابط الاتصال" بين الرئيس المصري واللواء الليبي، والداعم الرئيسي لاحتياجات قوات حفتر من مصر وحلفائها؛ الأمر الذي لم يعد يدع مجالاً للشك في أنّ عملية طرابلس بدأت بمباركة مصرية-إماراتية، كما نشر "العربي الجديد" في 7 إبريل/ نيسان الحالي، نقلاً عن مصادر دبلوماسية أوروبية.