الوساطة المصرية بين غزة والاحتلال: حسابات ومحددات

31 مارس 2019
الفلسطينيون في القطاع يخشون ردة فعل نظام السيسي(فرانس برس)
+ الخط -

تنضم "تفاهمات التهدئة" التي تم التوصل إليها أخيراً بين حركات المقاومة في قطاع غزة وإسرائيل إلى قائمة طويلة من التفاهمات التي توصل إليها الجانبان منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة.

واستنادا إلى تجارب الماضي، فإن تشاؤما يسود الأوساط السياسية والشعبية الفلسطينية إزاء فرص التزام إسرائيل بتعهداتها بتخفيف الحصار وإحداث تحول على الواقع الإنساني والاقتصادي السائد في القطاع.

وإن كان ميل إسرائيل لعدم الوفاء بالتزاماتها يرجع إلى حسابات القيادة الإسرائيلية، التي ترى أنه يتوجب عدم السماح بإحداث تحول إيجابي على واقع الحياة في القطاع بعد جولات التصعيد، حتى لا يعزو الغزيون هذا إلى الأداء المقاوم الفلسطيني، فإن كل الدلائل تشير إلى أن الاعتبارات التي تحكم النظام المصري الحالي، الذي احتكر الوساطة في كل تفاهمات التهدئة، هي التي توفر بيئة تمكن إسرائيل من التملص من التزاماتها في تفاهمات التهدئة.

فالنظام المصري الحالي ينطلق في جهوده للوساطة بين إسرائيل وحركات المقاومة متأثرا بالشراكة الاستراتيجية التي تربطه بحكومة اليمين المتطرف في تل أبيب، والتي لم يتردد كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نفسه أخيراً بالإقرار بالعديد من مظاهرها، سيما التعاون الأمني والاستخباري.

وعلى الرغم من أن الكثير من مصالح إسرائيل تعتمد على تعاون مصر، إلا أنه لم يحدث أن وظف نظام السيسي أوراق القوة الكبيرة التي تملكها القاهرة في إرغام تل أبيب على الوفاء بتعهداتها في اتفاقات التهدئة والتزاماتها في صفقات تبادل الأسرى التي تم أبرامها بتدخل مصري.

ورغم أن مصر كانت الوسيط الذي أنجز الاتفاق الذي قاد لصفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس عام 2011، حيث تعهدت القاهرة بضمان التزام إسرائيل به، إلا أنها لم تحرك ساكنا عندما ضربت حكومة بنيامين نتنياهو الاتفاق بعرض الحائط وأقدمت في صيف 2014 على إعادة اعتقال كل الأسرى الفلسطينيين الذين كانوا يتواجدون في الضفة الغربية، والذين أطلق سراحهم ضمن الصفقة.

ولم يؤثر عدم احترام إسرائيل لدور مصر في إنجاز الصفقة على دافعية نظام السيسي للتعاون مع إسرائيل خلال العدوان الذي شنته على غزة في 2014، والذي كشفت النخبة ووسائل الإعلام الإسرائيلية الكثير من مظاهره خلال الحرب وبعدها.

وعندما توسط نظام السيسي لإنهاء عدوان 2014، تمكن من إقناع الطرفين بالتوصل لاتفاق هدنة مفصل، يتضمن الكثير من الالتزامات الإسرائيلية، التي كان يفترض أن يسهم احترامها في إحداث تحول كبير على الواقع الإنساني والاقتصادي في القطاع.

لكن إسرائيل لم تف بأي من التزاماتها، بل عمدت إلى استغلال بعض عمليات إطلاق القذائف من غزة للرد بشكل متناسب. ولم يتدخل نظام السيسي لمطالبة تل أبيب باحترام التزاماتها، في الوقت الذي واصل التعاون مع إسرائيل في كل المجالات.

وحتى قبل أن يتم اختبار تفاهم التهدئة الأخير، الذي تم التوصل إليه برعاية مصرية، فإن الجانب الإسرائيلي لم يحرص على احترام الرسائل التي طلب من ممثلي نظام السيسي نقلها إلى ممثلي حركات المقاومة في القطاع. فكما أكد أكثر من مسؤول فلسطيني، فقد نقل ممثلو المخابرات المصرية تعهدا إسرائيليا بألا يستخدم جيش الاحتلال الرصاص الحي في مواجهة الفلسطينيين الذين شاركوا في "مليونية العودة" أمس السبت. لكن جيش الاحتلال استخدم السلاح الحي بكثافة، وهو ما أسفر عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين وجرح مئات آخرين.


إلى جانب ذلك، فإن كل الدلائل تشير إلى أن نظام السيسي يبدي تعاونا في مساعدة إسرائيل على ممارسة حرب نفسية ضد حركات المقاومة. ففي إطار محاولاتهم إقناع ممثلي حركات المقاومة بالموافقة على صيغ محددة لتفاهمات التهدئة لا يتردد ممثلو المخابرات المصرية في تحذير الفلسطينيين بأن إسرائيل يمكن أن تشن عدوانا كبيرا على القطاع.

على الرغم من أنه يمكن الافتراض أن قادة حركات المقاومة في قطاع غزة يعون تماما طابع الاعتبارات التي تحكم سلوك ممثلي نظام السيسي الذين يتدخلون للتوسط من أجل إنجاز تفاهمات التهدئة مع الاحتلال؛ إلا أنهم في المقابل يعون أنه لا بديل عن الوساطة المصرية لأن إسرائيل لا تقبل بأي بديل عنها. إلى جانب ذلك فإن الفلسطينيين في القطاع يخشون ردة فعل نظام السيسي، الذي يتحكم بالبوابة الوحيدة التي تربط غزة بالعالم.