حراك الجزائر يدخل جمعته السادسة... ومعضلة دستورية تعقد المشهد

28 مارس 2019
ليس للمجلس الدستوري حقّ الإخطار الذاتي (العربي الجديد)
+ الخط -

لم تنه خمس جمعات من الحراك الشعبي بالجزائر، الذي يتجه إلى جمعته السادسة، قدرة النظام السياسي على الاستمرار في المناورة، كما لم ينه قرار قائد الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، تطبيق المادة 102 من الدستور التي تقر حالة شغور منصب رئيس الجمهورية، لطي مرحلة حكم عبد العزيز بوتفليقة، الأزمة السياسية في البلاد، بقدر ما وضعتها في إطار معضلة دستورية مستجدة.

ولم تعد تقتصر الأزمة السياسية الراهنة في الجزائر على بعدها السياسي فقط، بل يبدو أن المأزق دستوري أيضاً. فبالإضافة إلى رفض قوى المعارضة السياسية وكوادر الحراك الشعبي للتطبيق التقني للمادة 102 من الدستور، التي تعلن شغور منصب رئيس الجمهورية، وتقر نقل صلاحيات رئيس الدولة إلى رئيس مجلس الأمة لمدة 45 يوماً، يليها تنظيم انتخابات رئاسية في غضون 90 يوماً، والمطالبة بأن يسبق ذلك تشكيل حكومة انتقالية وإنشاء هيئة مستقلة تشرف على إدارة الانتخابات الرئاسية، فإن الجزائر تكون قد دخلت، في ظلّ المأزق السياسي، مأزقاً دستورياً أيضاً، يبقي زمام المبادرة السياسية لدى بوتفليقة نفسه.

وفي تفاصيل هذا المأزق، فإن الدستور الجزائري لا يتيح للمجلس الدستوري حقّ الإخطار الذاتي، بحيث لا يمكن للمجلس، الذي نفت الإذاعة الحكومية اليوم الخميس أن يكون قد عقد أي اجتماع، أن يعقد دورة من تلقاء نفسه للتداول بأيّ قضية أو بشأن دستورية القوانين، دون أن يتلقى إخطاراً من رئيس الجمهورية أو من رئيسي غرفتي البرلمان أو رئيس الحكومة.

وفي الوضع الراهن المتصل بأزمة شغور منصب رئيس الجمهورية، فإن تحرك المجلس الدستوري مرتبط بإحالة قرار الاستقالة بسبب العجز الصحي من قبل بوتفليقة نفسه، وهو ما يفسر عدم مباشرة المجلس الدستوري لاجتماعات تخصّ إقرار شغور منصب الرئيس، برغم الدعوة التي وجهها قائد الجيش.

لكن بوزيد لزهاري، الخبير في القانون الدستوري، وعضو الفريق الدستوري الذي كلفه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بصياغة التعديلات الدستورية عام 2016، يطرح فتوى دستورية لهذا المأزق، ويدفع باتجاه اجتماع المجلس الدستوري الجزائري استناداً إلى الرسالة التي أوردها بوتفليقة نفسه إلى الأمة في 18 مارس الحالي، والتي أقر فيها صراحة وعلانية بالعجز الصحي وعدم القدرة.

وقال لزهاري، خلال برنامج بثته الإذاعة الحكومية، إن "الرئيس ذكر في رسالته أنه مريض، ولهذا فالمجلس الدستوري يجتمع وجوباً للتأكد من حقيقة هذا المانع، ومن حقيقة وجود مرض خطير ومزمن يقعد رئيس الجمهورية، ويجعله لا يستطيع أن يمارس مهامه"، مضيفاً أن "المادة 72 من قواعد عمل المجلس الدستوري تنص على أنه في مثل هذه الحالة، يجتمع المجلس الدستوري ويحقق بكل الوسائل المتاحة من خلال الاتصال بالأشخاص المختصين بالهيئات المختصة بهدف التأكد من حقيقة المانع، ويصدر تصريحاً بذلك، ويبعث برسالته للبرلمان مجتمعاً بغرفتيه بعد استدعائه من طرف رئيس مجلس الأمة، ويجب أن يصوت بالمانع بثلثي أعضائه، ليتحول بعد ذلك رئيس مجلس الأمة إلى رئيس للدولة بالنيابة".

ويحيل هذا الموقف، إمكانية ثانية يوفرها الدستور لـ50 نائباً في البرلمان، أو 30 عضواً في مجلس الأمة، وهي إمكانية إخطار المجلس الدستوري بالبت والتثبت في شغور منصب الرئيس، لكن الهوية السياسية لرئيس المجلس الدستوري المخوَّل إقرار تطبيق المادة 102 من الدستور، الطيب بلعيز، والذي يعد أبرز الشخصيات الموالية لبوتفليقة ويتحدر من المنطقة ذاتها التي يتحدر منها الرئيس الجزائري، أي تلمسان غربي البلاد قرب الحدود الجزائرية - المغربية، تجعل من الصعوبة بمكان مبادرته بأي إجراء دستوري لخلع بوتفليقة من الحكم، دون مبادرة سياسية من الأخير.




في الأثناء، ترتفع المخاوف في الجزائر من أن تكون البلاد قد دخلت مرحلة كسر العظم والاشتباك الدستوري بين مجموعة الرئيس وقائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح.

وتشير المناقشات في سرايا الحكم إلى أن مجموعة بوتفليقة تعتبر أن مطالبة قائد الجيش بإقرار شغور منصب الرئيس، هو قرار خلع من قبل الجيش لوزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة، خاصة أن عدداً من التقارير تشير الى أن "قائد الجيش الذي كان موالياً لبوتفليقة، اتخذ القرار دون العودة إلى الرئيس نفسه، بعد منعه من مقابلته في السرايا في منطقة زرالدة في الضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية".

ويعتبر محيط بوتفليقة أن قرار قائد الجيش يعني إلغاء الخطة الانتقالية التي طرحها بوتفليقة في رسالته الأخيرة في 18 مارس، ورغبته في تسليم العهدة الرئاسية إلى شخصية يتم التوافق عليها في مؤتمر وفاق وطني دعا إليه بوتفليقة، وتكليفه الدبلوماسي الأخضر الابراهيمي باجراء مشاورات لعقد المؤتمر، وهو إلغاء لم يعلن عنه بوتفليقة، ما قد يدفع مجموعة الرئيس إلى الانتقام السياسي بالدفع إلى حالة الانسداد، ورفض تقديم الرئيس لاستقالته تحت الضغط، ومحاولة إجراء تغييرات في مناصب حساسة في الأجهزة الأمنية والاستخبارية، في ظل معلومات غير مؤكدة عن تنحية مدير جهاز الاستخبارات بشير طرطاق، وتعيين مدير الأمن الخارجي يوسف بوزيت مديراً جديداً للجهاز، وإمكانية إعلان حلّ البرلمان لمنع نقل الصلاحيات إلى رئيس مجلس الأمة.

وتجري هذه التطورات مع تجدد الدعوات إلى تنظيم مسيرات حاشدة غداً في الجمعة السادسة من الحراك الشعبي، توجه خصوصاً للرد على مبادرة قائد الجيش بإعلان شغور منصب الرئيس، ورفض مشاركة وإدارة وجوه من النظام - رئيس مجلس الأمة ورئيس الحكومة نور الدين بدوي - للمرحلة الانتقالية، والتمسك بالدعوة إلى تشكيل حكومة تقودها شخصية مستقلة تتكفل بتحضير الانتخابات الرئاسية المقبلة، وإنشاء هيئة مستقلة تتولى الإشراف المباشر على تنظيم ومراقبة الانتخابات، إذ يتخوف ناشطو الحراك من أن يؤدي إجراء الانتخابات في ظل المناخ السياسي، ودون تعديل قانون الانتخابات الحالي، إلى إعادة إنتاج النظام الحالي واستمرار إمساكه بعجلات الحكم، خاصة في ظل غموض طموحات قائد الجيش.