فشل قمة ترامب وكيم: الرئيس الأميركي يعود إلى مآزقه

01 مارس 2019
بدا التوتر واضحاً بين ترامب وكيم (سول لوب/فرانس برس)
+ الخط -
انتهت القمة الثانية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، في هانوي، أمس الخميس، من دون التوصل إلى أي اتفاق وبلا خطة لعقد لقاء جديد، لتُترجم التوقعات التي سبقتها بعدم تحقيق أي اختراق، نظراً للنقص الواضح في التحضير لها، أكان لجهة الوقت غير الكافي، أو الإمكانات البشرية التي خُصصت لذلك، بما بات يهدد بانتهاء التقارب التاريخي بين البلدين من دون تحقيق أي تقدّم دبلوماسي حقيقي. وفيما حاول ترامب بعد القمة الترويج لنتائج إيجابية، بالقول إنه هو الذي أنهى اللقاء، والتشديد على أن بيونغ يانغ لن تستأنف تجاربها النووية وأن العلاقات مع كيم لا تزال دافئة، غير أن الفشل الذريع أفقده انتصاراً كان في أمسّ الحاجة إليه، في ظل الاضطرابات الداخلية المتزايدة التي يعاني منها، ووسط توقعات بازدياد الضغوط عليه، لا سيما في ملف التحقيق بالتدخّل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، ومع وقوف الديمقراطيين وعدد من الجمهوريين ضده في مجلس النواب، وهو ما تمثّل أخيراً بإسقاط حالة الطوارئ التي أعلنها لإقامة الجدار على الحدود مع المكسيك.

واختتم الرئيس الأميركي والزعيم الكوري الشمالي بشكل مفاجئ، الخميس، في هانوي، قمتهما الثانية المخصصة لبحث نزع أسلحة بيونغ يانغ النووية، من دون التوصل إلى اتفاق، ومن دون إصدار بيان مشترك. وكان البيت الأبيض قد أعلن في بادئ الأمر أنه سيجري "حفل توقيع مشترك" وكذلك غداء عمل بين كيم وترامب. لكن الرئيس الأميركي والزعيم الكوري الشمالي غادرا من دون توقيع أي شيء. وأعلن البيت الأبيض أن كيم وترامب "عقدا اجتماعات بناءة جداً، وبحثا مختلف الطرق للمضي قدماً في مواضيع تتعلق بنزع الأسلحة النووية والاقتصاد". وأضاف "لكن لم يتم التوصل إلى أي اتفاق في الوقت الراهن، إلا أن فريقيهما يتطلعان إلى الاجتماع في المستقبل".

من جهته، قال ترامب للصحافيين إنه قرر المغادرة بسبب خلافات حول العقوبات الأميركية المفروضة على كوريا الشمالية، مضيفاً "في الأساس، أرادوا رفع العقوبات برمتها وليس بوسعنا القيام بذلك". وكان هدف القمة تحديد مضمون أوضح للتعهدات التي قُطعت في قمة سنغافورة الأولى في يونيو/ حزيران الماضي، والتي وقّع خلالها ترامب وكيم إعلاناً مشتركاً "حول نزع الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية"، لكن الطرفين يختلفان منذ ذلك الحين حول تفسير هذه الصيغة.

وقال ترامب في مؤتمر صحافي قبيل مغادرته هانوي: "يجب في بعض الأحيان المغادرة، وهذا كان واحداً من تلك الأوقات"، مشيراً إلى أن المحادثات تعثّرت حول مسألة العقوبات الاقتصادية المفروضة على كوريا الشمالية بسبب برامجها النووية والبالستية. وأضاف "كنت أرغب في المضي أبعد من ذلك"، مؤكداً في الوقت نفسه أن بيونغ يانغ لن تستأنف التجارب النووية. وقال نقلاً عن الزعيم الكوري الشمالي: "لقد قال إنه لن يقوم بتجارب على صواريخ أو أي شيء متعلق بـ(سلاح) نووي". كما أكد أنه لن يتم فرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية على الرغم من انتهاء القمة من دون اتفاق، موضحاً أنه "لا يريد التحدث عن زيادة العقوبات. إنهم أقوياء، هناك الكثير من الأشخاص الرائعين في كوريا الشمالية الذين يجب أن يعيشوا أيضاً".
وسعى الرئيس الأميركي لترويج أجواء إيجابية، قائلاً إن هذه القمة كانت "ودية جداً"، مضيفاً: "نتبادل المشاعر الودية. هناك دفء (في العلاقات) بيننا آمل أن يدوم، وأعتقد أن الأمر سيسير على ما يرام"، فيما أعلن أنه لم يلتزم بعقد قمة ثالثة مع الزعيم الكوري الشمالي.
من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في المؤتمر الصحافي مع ترامب، إنه يتمنى أن يتمكن الجانبان من المضي قدماً. وأضاف أنهم طلبوا من كيم أن يفعل المزيد لكنه كان "غير مستعد للقيام بذلك".


وبدت علامات خيبة الأمل على ترامب واضحة بعد ختام القمة، بعدما كانت توقعاته وآماله من القمة عالية. وكان الرئيس الأميركي قد لوّح مرة جديدة، الأربعاء، "لصديقه كيم جونغ أون"، بتنمية اقتصادية هائلة إذا وافقت كوريا الشمالية على التخلي عن ترسانتها النووية. وقال الرئيس الأميركي "على مدى أبعد، أعرف أننا سنحقق نجاحاً رائعاً" مع كوريا الشمالية. وأضاف "ستكون قوة اقتصادية. بالمساعدة قليلاً في بعض الأماكن المناسبة، أعتقد أن الأمر سيكون شيئاً خاصاً جداً". ومنذ وصوله إلى فيتنام لعقد القمة، لم يكف ترامب عن ذكر هذا البلد الشيوعي الذي تبنّى اقتصاد السوق وطوى صفحة المواجهة مع الولايات المتحدة، كنموذج. وكتب في تغريدة: "فيتنام تتطور مثل القليل من الأماكن الأخرى في العالم". وأضاف أن "كوريا الشمالية ستفعل الأمر نفسه وبسرعة كبيرة إذا قررت نزع سلاحها النووي". لكن الرئيس الأميركي أكد في موازاة ذلك أنه "لست مستعجلاً... السرعة ليست مهمّة إلى هذه الدرجة بالنسبة لي"، مؤكداً أنه يريد التوصّل إلى "اتفاق جيّد".

من جهته، صرح كيم جونغ أون، قبيل ختام القمة، بأنه ما كان ليحضر إلى هانوي لعقد قمة مع الرئيس الأميركي لو لم يكن مستعداً لنزع السلاح النووي، لكنه أبقى الغموض قائماً بالنسبة لأي إجراءات ملموسة محتملة. حتى أن كيم تحدث عن إمكان وجود تمثيل دائم للولايات المتحدة في كوريا الشمالية. وقال رداً على أسئلة صحافيين للمرة الأولى بين جلستي مناقشات مع الرئيس الأميركي، إن فتح مكتب ارتباط أميركي في بيونغ يانغ سيكون موضع ترحيب.

وفور إعلان اختتام القمة من دون التوصل إلى اتفاق، أعربت كوريا الجنوبية عن الأسف لذلك. وقال المتحدث باسم الرئاسة كيم ايوي-كيوم، في بيان: "من المؤسف أن الرئيس ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون لم يتوصلا إلى اتفاق كامل بشأن قمة اليوم". وأضاف "لكن من الواضح على ما يبدو أنه تم إحراز تقدم مهم أكثر من أي وقت مضى". في المقابل، أعلنت وكالة الأنباء الكورية المركزية أن وفداً من كوريا الشمالية برئاسة مساعد الوزير ري كيل سونغ، سافر إلى الصين بعد انتهاء قمة فيتنام.

وقبيل انتهاء القمة، كانت كل التوقعات تتحدث عن صعوبة تحقيق اختراق مهم. وقال الدبلوماسي الأميركي السابق المعني بشؤون كوريا الشمالية، جوزيف يون، إن خروج القمة بلا نتيجة يكشف عن "نقص في التحضيرات". ونقلت عنه قناة "سي إن إن" قوله: "كنتُ في العديد من القمم. وعادة ما ينطوي ذلك على الكثير من العمل على عدة مستويات، وفي الواقع يكون الاتفاق خلاصة للعمل المسبق. في هذه المرة رأينا القليل من التحضير".
وفي السياق نفسه، كتب رئيس "مؤسسة بلاوشيرز"، جو شيرينتشيوني، في تغريدة عن القمة: "إنها فشل كبير"، مضيفاً أن هذا يثبت حدود مثل هذا النوع من اللقاءات "التي تعقد من دون الوقت الكافي أو الإمكانات البشرية" للتوصل إلى اتفاق.

ومع هذا الفشل، يُتوقع أن تتزايد الضغوط على ترامب في هذا الملف الذي فشل فيه كل أسلافه، وفي ظل مآزق عديدة يواجهها. كما أن هناك مخاوف من تراجع كبير يُسقط كل التقدّم الذي تحقق في هذا الملف منذ عقد قمة سنغافورة. وفي هذا السياق، قالت كيلسي ديفنبورت، من جمعية مراقبة الأسلحة، إنه أياً يكن الوضع "لن تبقى النافذة لتحقيق تقدم دبلوماسي مع كوريا الشمالية مفتوحة إلى ما لا نهاية".