إسلام آباد وسط الحصار الثلاثي... هل تعيد حساباتها؟

21 فبراير 2019
تظاهرات هندية ضد باكستان في كولوكوتا (أفيشيك داس/Getty)
+ الخط -
تجد الحكومة الباكستانية نفسها هذه الأيام وسط أزمة حادة مع جاراتها الثلاث، الهند وإيران وأفغانستان، بشكل غير مسبوق ربما منذ عقود، بشكل أعاد ذكريات الخوف العالمي الذي ساد في تسعينيات القرن الماضي من احتمال حصول صدام نووي تبقى حظوظه ضئيلة على كل حال. فحين كانت باكستان مستنفرة لاستقبال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أملاً بعقود مالية تخرجها من أزمتها الاقتصادية، تدهورت الأوضاع فجأة وبشكل متزامن تقريباً مع الهند، الخصم التاريخي لباكستان، وإيران، "الخصم الموسمي"، ومع أفغانستان "الخصم المزمن". الأكثر خطورة كانت الأزمة مع الهند التي رفعت من حدة التهديد بالانتقام بعد تفجير انتحاري استهدف القوات الهندية، الخميس الماضي، في منطقة كشمير المتنازع عليها، وأدى إلى مقتل 44 جندياً اتهمت باكستان بالوقوف خلفه. استشعرت إسلام آباد سريعاً درجة الخطر المحدق، فسارعت إلى المطالبة بالتدخل الأممي من أجل احتواء النيران، مع محاولات رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، في خطاب له أمام الشعب، يوم الثلاثاء، الإعراب عن حسن نوايا بلده "البريء" من الاتهامات الهندية، على حد تعبيره، والمستعد للتعاون مع الهند في التحقيق بشأن الانفجار، والمتمسك بالحوار "كسبيل وحيد لحل جميع الملفات العالقة بين الدولتين"، متوعداً في الوقت نفسه بأن بلاده سترد على أي عدوان هندي إن حصل.


لكن كل هذه التعهدات لم تقنع الهند، وخصوصاً أن الغضب امتد إلى الشارع في البلدين على شاكلة محاولات اعتداء على السفارتين الهندية والباكستانية والطواقم الدبلوماسية في كل من باكستان والهند. رسمياً، لا تزال نيودلهي تصر على موقفها وهو أن باكستان تؤوي المسلحين والجماعات المسلحة، وتحديداً "جماعة جيش محمد"، التي تبنت اعتداء يوم الخميس على الجيش الهندي. و"جماعة جيش محمد" أسسها رجل دين يدعى مولانا مسعود أظهر، من سكان مدينة بهاولبور في إقليم البنجاب في باكستان، وله علاقات قوية مع "القاعدة" و"طالبان"، وقاتل في أفغانستان إبان الغزو السوفييتي. سجن في عام 1994 في مدينة سرنغر على يد القوات الهندية وظل معتقلاً حتى عام 1999، حين أطلق سراحه بعدما خطفت عناصر من "حركة المجاهدين" طائرة هندية إلى مدينة قندهار في جنوب أفغانستان، وطلبت بالإفراج عن مسعود أظهر، مع اثنين آخرين هما مشتاق أحمد وأحمد عمر سعيد شيخ. وأسس أظهر في عام 2000 جماعة "جيش محمد"، ثم في ديسمبر/ كانون الأول 2001، اتهمت السلطات الهندية الجماعة المذكورة بالتورط في الهجوم على البرلمان الهندي، ومن ثم لجأت السلطات الباكستانية إلى حظر هذه الجماعة التي راحت تنشط بأسماء أخرى، مثل المرابطين، وجماعة أفضل كورو، وطريق الفرقان.

لم تكن الهند وحيدة في اتهام باكستان بإيواء المسلحين المعارضين لها، بل حذت حذوها إيران، إذ صبت طهران جام غضبها على إسلام آباد بعد مقتل 27 فرداً من قوات الحرس الثوري في هجوم انتحاري وقع في 13 من الشهر الحالي في محافظة سيستان. واتهم قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري، القوات الباكستانية بدعم الجماعة المسلحة "جيش العدل" التي تبنت الهجوم، محذراً باكستان من أن إيران ستنتقم بطريقتها إن لم تفعل إسلام آباد ما يجدر فعله، بما أن منفذي العملية هما باكستانيان، بحسب ما أعلنت طهران. سارعت باكستان أيضاً إلى محاولة طمأنة إيران على لسان وزير الخارجية شاه محمود قرشي، مع الإعراب عن الاستعداد لتقديم أي شكل من التعاون والإدانة. ويبدو أن إسلام آباد تمكنت من احتواء القضية مع إيران بالفعل، ولكن قضية "جيش العدل" في سيستان تبقى مفتوحة وقابلة للانفجار في أي وقت.


وبالإضافة إلى الهند وإيران، زادت حدة التوتر في العلاقات بين باكستان وجارتها الثالثة أفغانستان، انطلاقاً من رفض حركة "طالبان" الحوار المباشر مع الحكومة الأفغانية، ما تعتبره كابول خطة باكستانية تنفذ من خلال "طالبان" من أجل تهميش دور الحكومة بشكل تكون المصالحة الأفغانية ضامنة لمصالح باكستان لا أفغانستان. وجاء إعلان "طالبان" عن اجتماع مع المسؤولين الأميركيين ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في إسلام آباد، يوم الإثنين الماضي، والذي ألغي، ليفجر الأزمة رسمياً وشعبياً بالنسبة لأفغانستان.

ورغم أن طالبان أعلنت أن الاجتماع أُلغي بسبب عدم السماح لممثليها بالسفر إلى باكستان كونهم مدرجين على اللائحة السوداء للأمم المتحدة، إلا أن مصدراً في "طالبان" قال لـ"العربي الجديد"، إن السبب الحقيقي وراء إلغاء حوار إسلام آباد هو تعاظم المعارضة داخل الحركة، وإلا لترأس وفد طالبان مسؤولون موجودون بالفعل في باكستان، مثل الملا عبد الغني برادار، رئيس المكتب السياسي لـ"طالبان".

ليس التوتر بين باكستان وجاراتها الثلاث بجديد، غير أن مستواه هذه الأيام بلغ ذروته. لكن حرباً إقليمية في منطقة نووية وحساسة مثل تلك التي تقع فيها الدول الثلاث، ربما تحتاج لقرار دولي لكي تندلع. غير أن ما يحصل يدفع كثيرين في باكستان إلى طرح التساؤلات حول نجاعة السياسات الباكستانية العامة في التعاطي مع الملفات الأمنية المتصلة بالهند وبإيران وبأفغانستان، على غرار قول القيادي في حزب الشعب الباكستاني فرحت الله بابر، في تغريدة له: إذا كان ثلاثة بلدان من جيراننا، الهند وإيران وأفغانستان، يتهموننا بدعم وإيواء المسلحين، وإذا كان العالم الآخر لا يثق بنا، فهذا يعني أن هناك مشكلة في سياسة واستراتيجية باكستان، ولا بد من إعادة النظر فيها.