ومنذ تسلم حكومة عبد المهدي السلطة مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تسارعت الخطى بشكل لافت باتجاه تعزيز التعاون بين بغداد وطهران وتوثيقه على مختلف المستويات بدعم مباشر من قوى سياسية أبرزها تحالف "الفتح" (الجناح السياسي لمليشيات الحشد الشعبي المدعوم من طهران) والذي كان داعما لتولي عبد المهدي رئاسة الحكومة بالاتفاق مع تحالف "سائرون" التابع للتيار الصدري.
وخلال زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى بغداد في مارس/آذار الماضي، تم دفع العراق باتجاه توقيع اتفاقيات اعتبرت غير مسبوقة وضارة للعراق، وتصب فقط في صالح إيران، ووصفت تلك الاتفاقيات، حينها، على أنها محاولة إيرانية للخروج من مأزق العقوبات الأميركية وتحويل العراق لعكاز اقتصادي للسوق الإيرانية، وتوريط بغداد باتفاقيات لا يمكن التنصل منها لاحقا.
وتمثلت أبرز الاتفاقيات التي وقعها العراق مع إيران في اتفاقية ترسيم شط العرب التي تصب في صالح إيران جملة وتفصيلا، واتفاقية حقول النفط المشتركة بين البلدين واتفاقية إنشاء طريق طهران دمشق عبر العراق واتفاقيات تجارية مختلفة عرفت باسم التبادل التجاري، لكن حقيقتها كانت توريد البضائع من إيران للعراق، كون العراق حاليا لا يملك غير النفط لتصديره، فضلا عن إلغاء تأشيرات الدخول ورسومها البالغة 40 دولارا على كل إيراني، مما حرم العراق من نحو 250 مليون دولار سنويا، كعائدات السياحة الدينية للمراقد المقدسة في النجف وكربلاء.
وأعلنت الخارجية الإيرانية عقب زيارة روحاني لبغداد أن زيارة الأخير إلى العراق تكللت باتفاق تاريخي بين البلدين لتنفيذ اتفاقية الجزائر الموقعة بين البلدين عام 1975، والتي أُلغي العمل بها عام 1980، وتم الاتفاق على أن يتم البدء بعمليات مشتركة لتنظيف شط العرب، وفقا للاتفاقية المذكورة دون الإشارة إلى أن شط العرب قد انحرف مساره لصالح إيران بسبب عدم تنظيف العراق النهر منذ سنوات، وقيام إيران بذلك ما يعني انحراف خط الوسط بالنهر لصالح إيران كثيرا.
كما وقع الوفد، الذي رافق روحاني، اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع الجانب العراقي شملت النفط والتجارة والصحة والنقل لإنشاء السكك الحديدية بين الشلامجة والبصرة، وتسهيل التأشيرات لرجال الأعمال والمستثمرين من كلا البلدين.
وناقش الطرفان أيضا مسودة اتفاقية أمنية وإنشاء منافذ حدودية جديدة بينهما، وتنفيذ النقل المباشر للبضائع بين البلدين من دون تفريغها في الحدود الدولية بينهما، وتسهيل إجراءات انتقال القوى العاملة الماهرة بين البلدين.
وبشأن شط العرب، قال أستاذ الجغرافيا في جامعة البصرة جواد الدوسري إن جميع الدلائل التاريخية تشير إلى أن شط العرب هو عراقي بالكامل لأن مياهه ناتجة من التقاء نهري دجلة والفرات في البصرة، موضحا لـ"العربي الجديد" أن الخطأ التاريخي بمنح نصف شط العرب للإيرانيين عام 1975 تم تصحيحه بإلغاء الاتفاقية.
وتعرضت الحكومة العراقية لانتقادات من قبل سياسيين وبرلمانيين رفضوا موافقتهم على إعادة العمل باتفاقية الجزائر، إذ قال عضو البرلمان العراقي أحمد الجبوري في وقت سابق إن الأرضية السياسية في العراق غير مناسبة لإعادة العمل بالاتفاقية، مؤكدا أنه لا يمكن القبول بنتائج اتفاق فردي، في إشارة إلى موافقة عبد المهدي على تنفيذ بنود الاتفاقية.
ولم تقتصر التنازلات العراقية لإيران على شط العرب، ففي الربع الأول من عام 2019، زارت وفود إيرانية العراق أكثر من مرة لوضع أسس اتفاق مد طريق بري بين طهران ودمشق يمر عبر الأراضي العراقية، وهو ما أثار مخاوف لدى المناوئين للتمدد الإيراني في العراق، مشددين على أن هذا الطريق سيصبح ممرا للمليشيات والأسلحة، حال استكماله.
وفي إبريل/ نيسان 2019، زار رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إيران برفقة عدد من الوزراء ووقع عددا من الاتفاقيات المتعلقة بقطاعات النفط والغاز والكهرباء، بما في ذلك تحديث المصافي النفطية القديمة في العراق، ومد أنبوب نفط من حقول جنوب غربي إيران إلى جنوب العراق، فضلا عن توريد الكهرباء والغاز من إيران للعراق.
كما جرت خلال الزيارة نقاشات بشأن إدارة الحقول النفطية المشتركة بين العراق وإيران ويبلغ عددها خمسة حقول هي الفكة، ومجنون، وأبو غرب، ونفط خانة، وبزركان، في حين يمتلك العراق حقولا نفطية محاذية للحدود الإيرانية هي النور، وابان، وبيدر غرب.
وفي مايو/أيار الماضي، وقع العراق وإيران اتفاقية لتنظيم الحدود بين الدولتين، وقال رئيس هيئة المنافذ الحدودية العراقية كاظم العقابي إن بلاده اتفقت مع الجانب الإيراني على عدة بنود بشأن عمل منفذ مندلي الحدودي.
ووقع العراق وإيران في يوليو/تموز اتفاقية بناء مدن صناعية مشتركة، وتشكيل لجنة تجارية مشتركة بين البلدين لوضع الخطط الاستراتيجية لتنمية العلاقات الاقتصادية وعقد الاجتماع الأول لها في بغداد، بحضور مسؤولين عراقيين وإيرانيين.
وبحسب الباحث في الشؤون العراقية أحمد العتابي، فإن طهران الرابح الأكبر من جميع تلك الاتفاقيات، مؤكدا في حديث لـ"العربي الجديد" عدم وجود توازن في المنفعة التي يحصل عليها الجانبان، لأن الكفة غالبا ما تميل للإيرانيين.
وأوضح أن أي حكومة جديدة ستجد نفسها ملزمة بإعادة النظر بكل ما ذكر من اتفاقيات، لا سيما ما يتعلق بشط العرب الذي يعتبر التنازل عن جزء منه تفريطا بالسيادة العراقية.