مصر: أوامر بمصادرة أموال متهمين بقضية تمويل الإخوان

16 ديسمبر 2019
إبعاد مجلس الدولة عن النظر بقضايا التحفظ(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
في رسالة تصعيدٍ جديدة من النظام المصري ضد المعارضين، وبصفةٍ خاصة في التيار الإسلامي، أصدرت لجنة التحفظ على أموال جماعة الإخوان المسلمين والكيانات المدرجة على قائمة الإرهاب، قرارات سرّية عدة خلال الأسبوع الماضي، تقضي بالمصادرة النهائية لأموال أكثر من 120 شخصاً من المتهمين في قضايا تمويل الجماعة وإعادة إحياء نشاطها الاقتصادي. وتشكل هذه القرارات تأكيداً لعدم جدية اصطناع النظام وإعلامه وجود نية لتحقيق انفراجة في المجال العام، وتأتي إثر صدور أحكامٍ نهائية من محكمة مستأنف الأمور المستعجلة، برفض التظلّمات المرفوعة من المتهمين بتمويل "الإخوان" والإرهاب، ضد قرار اللجنة، بنقل جميع الأموال والأملاك التابعة لهؤلاء المتهمين إلى الخزانة العامة للدولة. 

وقالت مصادر قضائية في وزارة العدل المصرية، إن هذه القرارات التنفيذية هي الأولى التي تصدر في هذا الشأن، بعد شهورٍ من الصمت، على الرغم من بدء صدور أحكام متتالية من محكمة الأمور المستعجلة منذ ديسمبر/ كانون الأول 2018 وحتى يوليو/ تموز الماضي. وكان بعض المراقبين المتفائلين قد اعتبروا صمت السلطة إشارةً إلى عدم حسم النظام موقفه مما إذا كان سيمضي قدماً في تنفيذ قرارات المصادرة، وتحمّل التبعات الاقتصادية الخطيرة لها على بيئة الاستثمار من عدمه، في ظلّ سيطرة حالةٍ من القلق بين الشركاء السابقين والحاليين من المستثمرين لبعض كبار رجال الأعمال المتهمين في تلك القضايا.

وذكرت المصادر أن الشخصيات التي أُصدِرت قرارات تنفيذية بمصادرة أموالها، معظمها من قيادات الصفين الثاني والثالث من الجماعة، وليس من بينهم العديد من رجال الأعمال الكبار، لكنهم يضمون بعض أصحاب المدارس والمستشفيات المتحفظ عليها منذ عام 2014.

واعتبرت المصادر أن الإقدام على هذه الخطوة الآن، يأتي استجابةً لتعليمات مباشرة من دائرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي لم تكن راضية عن الطريقة التي أدارت بها الشركات القابضة والمؤسسات الحكومية عدداً من أكبر المؤسسات الاقتصادية، التي جرى التحفظ عليها منذ ست سنوات. وكانت معظم هذه المؤسسات قد تعرضت لخسائر فادحة، ما اضطر الإدارات الحكومية الجديدة لها إلى إغلاق بعضها وتخفيض العمالة فيها، وتقليص حجم العمل للبعض الآخر، بما في ذلك المؤسسات الاستهلاكية الناشطة في مجال تجارة التجزئة والأجهزة الكهربائية والإلكترونيات والسلع والأثاث.

كذلك فلهذه الخطوة علاقة أكيدة بالخطة الحكومية الجارية لفصل آلاف الموظفين والمعلمين بحجة تعاونهم مع "الإخوان" وتعاطفهم مع الجماعة، وذلك في إطار خطة أوسع للتنكيل بالجماعة وامتداداتها في المجتمع المصري، وتجفيف البيئات التي قد تبدي تعاطفاً مع أعضائها وأنصارها، وبالتالي إشعارها دائماً بأنها تحت الضغط، وغير مسموحٍ لها بالعودة إلى المشهد.


وأشارت المصادر إلى أن ما أخّر إصدار القرارات التنفيذية بالمصادرة طوال هذه المدة، وجود خلافات بين جهاز الاستخبارات، وهو العنصر الأبرز في دائرة السيسي، وحكومة مصطفى مدبولي التي تقترح تصفية بعض المصالح الاقتصادية المتحفظ عليها، والتصرف في أصولها بعد تنفيذ قرار المصادرة. وترغب الحكومة في اعتماد هذه الخطوة نظراً لعدم استطاعة الدولة إدارة هذه المصالح، أو لحاجتها إلى خبرات نادرة تتطلب بقاء أصحابها فيها.

وأوضحت المصادر أن مقترح التصفية مدعومٌ من وزارة قطاع الأعمال التي طلبت إعادة النظر في الشركات والأملاك التي تسلمتها لإدارتها، لعدم ملاءمة بعضها للإدارة الحكومية من الأساس، وافتقار الشركات القابضة إلى الخصائص الإدارية المناسبة لتشغيلها. من جهتها، طلبت وزارة الصحة السماح لها بدمج بعض المستشفيات والمستوصفات والعيادات الخاصة التي تديرها حالياً، بعد التحفظ عليها، بواسطة الإدارات الإقليمية في كل محافظة. ويعود السبب وراء هذا الطلب إلى صعوبة التعامل مع الأطباء والممرضين والصيدليات والمرضى بشكلٍ منفصل في هذا العدد الضخم من المنشآت المتحفظ عليها، مقابل انخفاض عدد الأطباء الإداريين المكلفين تشغيلها، فضلاً عن افتقاد بعض المنشآت مزايا تنافسية تمتلكها منشآت أخرى.

لكن في المقابل، لا تبدو الاستخبارات جاهزة حالياً لتولي إدارة تلك المصالح الاستثمارية المصادرة، أو حتى بعضها، نظراً إلى المشاكل التي تعرضت لها جرّاء إدارتها الفاشلة للمشروعات الإعلامية طوال السنوات الثلاث الماضية. ويعطل هذا الواقع تفعيل مقترح جديد سبق لـ"العربي الجديد" أن نشرت تفاصيله في أغسطس/ آب الماضي، يتمثّل بإنشاء شركةٍ جديدة، تحت إدارة الاستخبارات العامة والرقابة الإدارية، وتمثل في مجلس إدارتها بعض الشركات القابضة. ومن مهام الشركة الجديدة، إذا ما أنشئت، التصرف في الأملاك المصادرة التي ترغب الحكومة في التخلص منها، ليتاح لهذه الشركة الجديدة أن تبيع وتؤجر وتستثمر في هذه الأملاك، ويكون لها حق مشاركة الغير من داخل مصر وخارجها في هذه التصرفات، بما في ذلك الصناديق المالية المختلفة.

وفي السياق ذاته، كشفت مصادر وزارة العدل أن قطاع التشريع في الوزارة يبحث حالياً إعداد تعديلات على قانون التحفظ والمصادرة رقم 22 لسنة 2018 لحماية التصرفات الحكومية أو غير الحكومية في الأملاك المصادرة، خوفاً من صدور أي حكم قضائي مدني أو دستوري ببطلان المصادرة، مستقبلاً. هذا القانون هو نفسه الذي يبعد مجلس الدولة ومحكمة النقض عن النظر بقضايا التحفظ نهائياً، ما يتناقض صراحة مع المادة 40 من الدستور، التي تنص على أن "المصادرة العامة للأموال محظورة، ولا تجوز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي". فالمقصود بالمصادرة الخاصة هنا، أن تحدد المحكمة الجنائية حصرياً الأدوات أو الأموال التي استخدمها الجاني في عمله الإجرامي، ومن ثم تحكم بمصادرتها بعد ثبوت استخدامها في مخالفة القانون، كمصادرة السيارات والأسلحة والمخدرات في قضايا التهريب والقتل والإرهاب، الأمر الذي يختلف تماماً عن حالة الأموال المتحفظ عليها جميعاً من أشخاص يشتبه في تمويلهم لجماعة "الإخوان".

وكان الشهر العقاري في مختلف المحافظات قد أنهى، في خريف العام الماضي، حصر كل الأملاك والعقارات المتعامل عليها، التي كانت مملوكة للمتهمين، وأُرسل إلى مكتب وزير العدل حسام عبد الرحيم، استعداداً لنقلها إلى ملكية الخزانة العامة للدولة رسمياً، بعد صدور حكم مستأنف الأمور المستعجلة بتأييد المصادرة. وقد حصل ذلك بالفعل خلال الأشهر الماضية بالنسبة إلى مئات الحالات، من بين أكثر من 1500 شخص مدرجين على القائمة الرئيسية لمتهمي تمويل "الإخوان"، ومن بينهم نجم الكرة السابق المقيم في قطر حالياً محمد أبو تريكة، الذي لم تجرِ حلحلة موقفه حتى الآن، على الرغم من تدخل العديد من الوسطاء العرب.

وسبق أن استدعى جهاز الأمن الوطني في بعض المحافظات عدداً من المتهمين بتمويل الجماعة المدرجين في قائمة الإرهاب، ممن لم يدخلوا السجون في قضايا أخرى، وأبلغهم بضرورة تسوية الأوضاع المالية لشركاتهم وأملاكهم سريعاً، تمهيداً لمصادرتها من قبل الدولة. وأشارت المصادر إلى أنّ التعليمات الأمنية تضمنت ضرورة الإفصاح عن جميع الأملاك المسجّلة باسم الشخص المدرج في قائمة الإرهاب بقضية التمويل، قبل تنفيذ قرار المصادرة، مع التهديد بتحريك قضايا ضريبية ومالية ضدّ من يخفون أملاكاً أو ينقلون ملكيتها إلى أشخاص آخرين لحمايتها من المصادرة. بالإضافة إلى هذه الخطوة، أُعدَّت قائمة جديدة العام الماضي تضم نحو 30 شخصاً، زعمت تحريات الأمن الوطني أنهم تعاونوا مع بعض المتهمين لإخفاء ملكياتهم، أو نقلها إليهم أو إلى آخرين، وصدر قرار بالتحفظ أيضاً على أموالهم.