بعد حسم موافقة طرفَي الانقسام الفلسطيني، "فتح" و"حماس"، على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية من دون أي عراقيل، بقيت مشاركة القدس المحتلة في الانتخابات العائق الوحيد، حسب تصريحات القيادة الفلسطينية، وتم ربطها على ما يبدو بشكل غير معلن بإصدار المرسوم الرئاسي لتحديد موعد الانتخابات. وترى أوساط سياسية أن إصدار المرسوم الرئاسي لتحديد موعد الانتخابات لن يحصل إلا بعد حصول السلطة الفلسطينية على موافقة من الاحتلال الإسرائيلي على إجراء الانتخابات في القدس الشرقية، علماً أنها قدمت طلباً رسمياً للاحتلال لتمكين المقدسيين من التصويت. وأكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صالح رأفت، في تصريحات يوم الخميس الماضي، أن القيادة الفلسطينية في انتظار الرد الإسرائيلي. إلا أن محللين سياسيين أبدوا اعتقادهم أن إصرار القيادة الفلسطينية، وتحديداً الرئيس محمود عباس، على مشاركة القدس في الانتخابات، ربما يأتي من باب التلكؤ، لا سيما أن الانتخابات ستكون وفق القانون النسبي، أي أن الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس يشكّلون دائرة انتخابية واحدة، والانتخاب سيكون لقوائم وليس لأشخاص، ما يعني إمكانية وجود شخصيات مقدسية في القوائم كمرشحين من جهة، وإمكانية حضور المقدسيين للانتخاب من القدس أو المقدسيين المقيمين خارج أسوار البلدة وعددهم بالآلاف للمشاركة في الانتخابات من جهة ثانية. ومن الواضح أن الرئيس الفلسطيني ربط مشاركة القدس بإجراء الانتخابات عندما قال إن الانتخابات "لن تكون بأي ثمن".
وكان الرئيس الفلسطيني قد كشف للمرة الأولى عن نيته عقد الانتخابات العامة، خلال كلمته في الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في 26 سبتمبر/أيلول الماضي، من دون أن يسبق هذا الإعلان أي نقاش فلسطيني داخلي، تحديداً في اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. وقال عباس في حينه إنه سيعلن فور عودته من نيويورك عن موعد لإجراء الانتخابات العامة، داعياً الأمم المتحدة والجهات الدولية ذات العلاقة إلى الإشراف على هذه الانتخابات. وأكد أنه سيحمّل أية جهة تسعى لتعطيل إجرائها في موعدها المحدد المسؤولية الكاملة. ويسعى عباس من خلال الانتخابات إلى تجديد الشرعية الفلسطينية المتآكلة، ومنها شرعيته كرئيس للسلطة الفلسطينية انتخب عام 2005، وشرعية المجلس التشريعي الذي انتخب للمرة الثانية عام 2006، قبل أن تحلّه المحكمة الدستورية في عام 2018، والتي يُنظر إليها على أنها خاضعة لسيطرة الرئيس الفلسطيني.
في المقابل، تهدف "حماس" من وراء موافقتها على الانتخابات إلى الاحتماء بالشرعية الفلسطينية أمام أي عدوان إسرائيلي مستقبلي، ولضمان استمرار سيطرتها على قطاع غزة. ويرى مراقبون أنه في حال تمّ إجراء الانتخابات، فإنها لن تؤدي إلى إنهاء الانقسام، بل إدارته من كلا الطرفين "فتح" و"حماس". ولعل أبرز دليل على إدارة الانقسام وتعزيزه بدلاً من إنهائه هو تصريحات عباس وقيادات فتحاوية، عن إمكانية وجود قائمة انتخابية واحدة تجمع بين "فتح" و"حماس"، في حين لم يلتق الطرفان في ما يتعلق بملف الانقسام منذ نحو عامين.
بدوره، يرى الكاتب هاني المصري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن السبب المعلن لتأخر صدور مرسوم الرئيس لتحديد موعد الانتخابات، هو انتظار رد الاحتلال حول القدس، لكن السبب غير المعلن يكمن في وجود تباين داخل حركة "فتح" حول جاهزيتها للانتخابات، فهناك من يؤكد جهوزيتها، وهناك من ينفي ذلك، فضلاً عن بروز مخاوف من تشظي الحركة عبر وجود قوائم تتبع للقيادي الفتحاوي، عضو اللجنة المركزية للحركة، المعتقل مروان البرغوثي، وقوائم أخرى مدعومة من القيادي المفصول من "فتح" محمد دحلان.
من جهته، يقول الكاتب جهاد حرب، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "السلطة الفلسطينية تطلب من الاحتلال مشاركة القدس في الانتخابات العامة الفلسطينية، استناداً إلى البرتوكول الموقع بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي عام 1995. وحدّد هذا البروتوكول عدد الناخبين في القدس بنحو خمسة آلاف مقدسي، بغض النظر عن النمو الطبيعي للسكان".
ويضيف حرب: "نصّ البرتوكول على إجراء انتخابات لمجلس السلطة الفلسطينية لمرة واحدة خلال المرحلة الانتقالية التي كان يجب أن تنتهي بعد خمس سنوات، أي في مايو/أيار 1999، لكن الفلسطينيين أطلقوا عليه اسم (المجلس التشريعي الفلسطيني). وأمام تملص إسرائيل من التزامها بإنهاء المرحلة الانتقالية المستمرة حتى الوقت الحالي، أجرت السلطة الفلسطينية تعديلاً على قانونها الأساسي عام 2005 ينص على أن تجرى الانتخابات كل أربع سنوات". وينوّه إلى أنه "رغم أن البروتوكول الموقّع حول انتخاب المقدسيين يبدو رمزياً، لكن الفلسطينيين يتمسكون به، لعدم إلغاء قضية القدس وإخراجها من المشهد السياسي الفلسطيني، كما ترغب إسرائيل والولايات المتحدة". ويشرح حرب أنه "في المقابل ينظر الاحتلال للبروتوكول، خصوصاً في أوقات الانتخابات التي شارك فيها المقدسيون، على أنه يسمح بانتخاب سكان موجودين في القدس التي تسيطر عليها إسرائيل بالقوة، ويتم التعامل معهم مثل التعامل مع أي جالية أجنبية، الذين ينتخبون في مكاتب البريد الموجودة في القدس المحتلة بموافقة إسرائيلية وعلى نفقة السلطة الفلسطينية".