خلفيات إدانة عمر البشير وتفاصيل التهمتين والحكم المخفّف

14 ديسمبر 2019
راعت المحكمة تجاوز البشير لسن الخامسة والسبعين(Getty)
+ الخط -
أسدلت محكمة خاصة في الخرطوم اليوم السبت، الستار على جلساتها بإصدار أمر قضى بإيداع الرئيس المعزول عمر البشير، مؤسسات الرعاية الاجتماعية والإصلاح، عقب إدانته بتهمتي "الثراء الحرام والمشبوه"، و"التعامل غير المشروع بالنقد الأجنبي".

وراعت المحكمة التي يترأسها القاضي الصادق عبد الرحمن الفكي، تجاوز البشير لسن الخامسة والسبعين، وخففت عنه حكماً كان يمكن أن يصدر بالسجن لأكثر من 10 سنوات، وذلك استناداً إلى القوانين السودانية التي تمنع إصدار حكم بالسجن على أي شخص تجاوز السبعين من العمر.

وتعود تفاصيل القضية إلى أن سلطات عسكرية عثرت على مبلغ يقدر بأكثر من 7 ملايين يورو في مقر إقامة البشير، بعد إطاحته في إبريل/ نيسان الماضي، وهي مبالغ قال البشير خلال التحري معه إنها متبقٍّ من مبلغ 25 مليون دولار أرسلها إليه بصورة شخصية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وإنه صرف بقية المبلغ لهيئات ومؤسسات بغرض تحقيق المصلحة العامة للسودان، مؤكداً أنه لم يتصرف مطلقاً فيها لمصلحته.

لكن المحكمة لم تقتنع بتلك المبررات، ورأت أن البشير خالف قانون الثراء المشبوه، وتسلّم هدية مقدرة من بن سلمان بطريقة غير مشروعة، بما يخالف العرف والوجدان السليم، وأنه تصرف في المبالغ دون أي أسس مالية ودون مراجعة من فرق المراجعة المحاسبية في الدولة، كذلك فإنه لم يودع تلك المبالغ للبنوك والمصارف، مستغلاً السلطة التي تمتع بها.

وأشار القاضي إلى أن المتهم وجدت بحوزته 351 ألف دولار إضافية، لم يقدم أي دليل على مصدرها، كذلك فإنه تسلّم الأموال في مطار الخرطوم بواسطة مدير مكتبه، دون أي إجراءات تتعلق بقانون الجمارك.

وأضاف القاضي أن الرئيس المعزول تعامل بطريقة غير مشروعة في بيع النقد الأجنبي لمتهم آخر هارب، هو طارق سر الختم، مدير شركة سين للغلال، مخالفاً بذلك قانون التعامل بالنقد الأجنبي واللوائح المنظمة، مشيراً إلى أن تلك التعاملات أضرت بالاقتصاد، ودعت في وقت من الأوقات إلى إصدار أوامر طوارئ.

وبعد اكتمال الإدانة، طلبت المحكمة من البشير ذكر أي أسباب مخففة للحكم عليه، فردّ فريق دفاعه بأن المتهم يرفض تقديم أي أسباب مخففة، لأنه لا يخاف من شيء، ولو جاء الحكم بالإعدام، فيما تركت هيئة الدفاع تقدير العقوبة للمحكمة.

بعدها اتجه القاضي لإعلان العقوبة، وفي سياق حديثه، أشار إلى حكم سابق بإعدام مواطن سوداني اسمه مجدي محمد أحمد، بعد إدانته بحيازة عملة أجنبية في الشهور الأولى لنظام البشير، لكن تلك الإشارة أدت إلى فوضى واسعة داخل قاعة المحكمة حينما بدأ محامو الدفاع بالهتاف ضد القاضي بعبارة "محاكمة سياسية"، ما اضطر القاضي إلى إخراجهم من قاعة المحكمة مع تشديد الحماية الأمنية في محيط القفص الحديدي الذي يجلس فيه البشير.

ومع هدوء الأوضاع، عاد القاضي لمواصلة إصدار العقوبة، وقال إن الجرائم التي أدين بها البشير تصل عقوبتها إلى أكثر من 10 سنوات، مشيراً إلى أن القانون يمنع سجن أي شخص تجاوز السبعين من العمر، وأن لا مجال أيضاً لحكم بتغريبه أو نفيه خارج البلاد، مبيناً أن المحكمة رأت إيداع المتهم في مؤسسات الإصلاح الاجتماعي لمدة سنتين مع مصادرة الأموال التي عثر عليها بحوزته.

وخارج القاعة، واصلت هيئة الدفاع رفضها للحكم الصادر تجاه البشير والحديث عن تسييس القضية، وقال عضو الهيئة السر أحمد المبارك لـ"العربي الجديد"، إن المحكمة "التفت حول البيانات ومنحتها أوزاناً مؤسفة ومعكوسة".

وأشار المبارك إلى أن "كل الأدلة وشهود الدفاع تشير إلى براءة البشير من التهم المنسوبة إليه"، مضيفاً أن المحكمة "ناقشت العنصر المادي في القضية وتجاهلت العنصر المعنوي، وهو أصل القضية والباعث على ارتكاب الجريمة بحسن النية"، متابعاً بأن المحكمة "ناقشت كذلك تاريخ فتح البلاغ ولم تناقش تاريخ وقوع الجريمة، لأنه في ذلك التاريخ تسلّم البشير الأموال بصفته رئيساً للجمهورية".

وحول انسحاب هيئة الدفاع قبل إكمال الحكم، قال المبارك إن القاضي أورد سابقة سياسية يستخدمها السياسيون أكثر ضد نظام الرئيس البشير.

من جهته، قال محمد الحسن الأمين، عضو الدفاع ونائب رئيس البرلمان الأسبق، إنهم سيناهضون حكم المحكمة بالوسائل القانونية والسياسية، ملوِّحاً باستخدام الشارع للتظاهر ضد الظلم، والثورة على النظام الجديد، مشيراً إلى أنهم سيستأنفون الحكم، أمام محكمة الاستئناف ودائرة المراجعة والمحكمة الدستورية.

ومن المنتظر أن يواجه البشير قضايا أخرى في الفترة المقبلة، أهمها على الإطلاق اتهامه بالانقلاب على السلطة المنتخبة في عام 1989.


"تجمّع المهنيين": "غيض من فيض"

من جهته، قال "تجمّع المهنيين السودانيين"، إن إدانة البشير اليوم "تُعَدّ غيضاً من فيض فساده وعلوِّه في الأرض، وبدايةً لا أكثر لجرد الحساب"، مشيراً إلى أن الحكم "يمثّل إدانة سياسية وأخلاقية للمخلوع ونظامه، وتكشف حيثيات المحكمة عن جانب من سوء إدارة الدولة والمال العام".

وأضاف التجمع في بيان له نشره على صفحته على "الفيسبوك"، أن ذلك الحكم "لن يكون قطعاً نهاية المطاف، فصحائف اتهام البشير على موبقاته الأكبر يعمل عليها عدد من اللجان والنيابة العامة في مراحل مختلفة، وهي تشمل انقلابه على الديمقراطية وتقويض الشرعية في 1989 وكل جرائم نظامه منذئذ، ومنها التعذيب والاغتيال في المعتقلات، والتصفية العرقية والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها قواته في دارفور، بحسب توصية المحكمة الجنائية الدولية، عدا الجرائم المماثلة في جبال النوبة والنيل الأزرق والجنوب قبل استقلاله، وقتل المتظاهرين السلميين على امتداد فترة حكمه، مع جرائم سياسة التمكين والثراء الحرام والتصرف بالبيع في أصول الدولة وثرواتها وأراضيها".

وأشاد التجمع "بالمهنية وعدالة التقاضي التي أتيحت للمجرم المخلوع، من حق الدفاع وعلنية الجلسات في إطار هذه المحاكمة، وهي تعكس قيم الثورة والتغيير"، طبقاً للبيان.