سورية: حرب الطرق تتركز على "إم 4"

01 ديسمبر 2019
يصل "إم 4" و"إم 5" حلب بوسط البلاد(فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال الصراع محتدماً في الشمال الغربي من سورية وفي الشمال الشرقي منها، حيث تضع جميع أطراف هذا الصراع عينها على الطرق الدولية في المنطقتين، خصوصاً النظام الذي يحاول منذ سنوات استعادة السيطرة على الطريقين الدوليين، "إم 4" و"إم 5"، اللذين يصلان حلب، كبرى مدن الشمال السوري بوسط البلاد وساحلها، لكنه فشل في هذا الأمر، رغم أن الاتفاقيات الروسية التركية تنص على استعادة طرق نقل الترانزيت في محافظة إدلب ومحيطها.

وفي الشمال الشرقي من البلاد، الذي بات يعرف بمنطقة شرقي نهر الفرات، لم يحسم الجانبان التركي والروسي أمر الطريق الدولي "إم 4"، الذي يعد شريان الحياة الاقتصادية في المنطقة الغنية بالثروات، خصوصاً النفطية والزراعية، إذ يعتبر الطريق الرئيسي لنقلها بين مناطق البلاد التي تقطعت أوصالها بين مختلف الأطراف المتنازعة، والتي تدرك أهمية الطرق لترسيخ السيطرة. ويبدأ الطريق الدولي، المعروف بـ "إم 4" من مدينة اللاذقية، كبرى مدن الساحل السوري غربي البلاد، ثم يخترق ريف اللاذقية الشمالي الشرقي وصولاً إلى مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، ثم يمر بقرية فريكة قاطعاً ريف إدلب الجنوبي حيث يمر عبر مدينة أريحا. وفي مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي، يلتقي "إم 4" مع "إم 5" القادم من مدينة حماة ليشكلا طريقاً واحداً باتجاه مدينة حلب كبرى مدن الشمال السوري. وفي ريف حلب الشرقي يتفرع الطريق إلى اثنين، الأول يتجه من بلدة دير حافر إلى بلدة مسكنة في أقصى ريف حلب الشرقي، ومن ثم يدخل الحدود الإدارية لمحافظة الرقة في بلدة دبسي فرج، ومن ثم إلى مدينة الطبقة في ريف الرقة الغربي، ليتفرع في جنوب الرقة إلى طريقين، الأول يتجه إلى مدينة الرقة والثاني إلى دير الزور في أقصى الشرق السوري.

أما الطريق الدولي الثاني، فإنه يتجه من مدينة حلب إلى مدينة الباب في ريف حلب الشمال الشرقي، ومن ثم إلى منبج كبرى المدن في ريف حلب، حيث يمر بالقرب منها ويقطع نهر الفرات عبر جسر قرة قوزاق، ليدخل منطقة شرقي نهر الفرات. وبعد عبوره قرية قرة قوزاق، يمر الطريق "إم 4" إلى الشمال من بلدة صرين، ثم يقطع عشرات القرى، منها بير حسو وبير علي، وصولاً إلى بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، ثم يعبر عشرات القرى منها الشركراك، والارتجوازية وسويلم والعالية في ريف رأس العين، حتى يصل إلى بلدة تل تمر في ريف الحسكة الشمالي الغربي، حيث يتفرع الطريق إلى عدة اتجاهات، ومن ثم قرية تل بيدر، وصولاً إلى قرية أبو رأسين، حيث يقطع ريف الحسكة الشمالي ليصل إلى معبر ربيعة الحدودي مع الجانب العراقي. ودخل هذا الطريق الخدمة في ثمانينيات القرن الماضي، وهو باتجاه واحد، وبعرض يصل إلى 15 متراً، وفق مصادر محلية. وأشارت المصادر إلى أن الطريق لا يزال مفتوحاً، خصوصاً داخل محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من البلاد، موضحة أن هناك حواجز مشتركة بين "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) والنظام على الطريق.


ويسيطر النظام على الطريق الدولي "إم 4" داخل الحدود الإدارية في محافظة اللاذقية، بينما تسيطر المعارضة السورية و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) على القسم الذي يمر داخل محافظة إدلب، وجزء من ريف حلب، ومن ثم تنتقل السيطرة للنظام في حلب وصولاً إلى مدينة منبج، حيث تبدأ سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" وصولاً إلى بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي حيث تمركزت أخيراً قوات روسية وأخرى تابعة للنظام وفق اتفاق أبرم مع "قسد" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لمواجهة الجيش التركي و"الجيش الوطني" السوري التابع للمعارضة. كما لا تزال "قوات سورية الديمقراطية" تسيطر على الطريق داخل الحدود الإدارية في محافظة الحسكة، ما خلا مدينة تل تمر، حيث تتمركز أيضاً قوات للنظام السوري، اشتبكت أكثر من مرة مع فصائل المعارضة السورية المنضوية في "الجيش الوطني" السوري.

ووصلت فصائل المعارضة السورية إلى طريق "إم 4" في بعض المواقع في ريف الحسكة الشمالي الغربي، حيث لا تبعد عنه سوى نحو 500 متر في قرية العالية في ريف مدينة رأس العين وفق مصادر محلية، أشارت إلى أن قوات للنظام وأخرى تابعة إلى "قسد" تتمركز على بعد كيلومترين جنوب الطريق في المنطقة ذاتها. وفي ريف الرقة الشمالي سيطرت فصائل تابعة إلى "الجيش الوطني" السوري على صوامع الجبوب بالقرب من قرية الشركراك التي يمر منها الطريق الدولي، فيما لا تزال القرية تحت سيطرة "قسد". وحاولت الفصائل المعارضة مراراً خلال الشهر الماضي السيطرة على بلدة عين عيسى الواقعة على الطريق كي ترسخ السيطرة عليه في منتصفه، لكنها فشلت في هذا الأمر. كما أنها لم تستطع السيطرة على مدينة تل تمر في ريف الحسكة، لكنها باتت قادرة على التحكم بحركة السير على الطريق الدولي من خلال وصولها إليه في ريفي الرقة والحسكة. ويريد "الجيش الوطني" السيطرة على بلدة عين عيسى، رغم كونها خارج المنطقة المتفق عليها بين موسكو وأنقرة، ليكون بذلك المتحكم بالطريق الدولي "إم 4"، وهو ما يحدّ من قدرة قوات النظام على توسيع نطاق انتشارها في المنطقة وفق الاتفاق العسكري الذي أبرمته مع الجانب الكردي. ورجحت مصادر معارضة مطلعة أن يكون الإشراف على الطريق في منطقة شرقي نهر الفرات مشتركاً بين الجانبين الروسي والتركي، خصوصاً في ريفي الرقة وحلب.

ومن الواضح أن الجانبين، الروسي والتركي، لم يحسما أمر السيطرة على الطريق في منطقة شرقي الفرات في اتفاق سوتشي، وهو ما يفسر استمرار الصراع عليه بين "قوات سورية الديمقراطية"، المسنودة من قوات النظام، و"الجيش الوطني" السوري المدعوم من الجيش التركي. ونصّ الاتفاق على أن الشرطة العسكرية الروسية ستُخرج عناصر "قسد" وأسلحتهم حتى مسافة 30 كيلومتراً من الحدود التركية شرق الفرات. كما نصّ على أن الجيشين التركي والروسي سيبدآن تسيير دوريات مشتركة بعمق 10 كيلومترات في شرق منطقة العمليات التركية وغربها، شمال شرقي سورية، مع الحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة الواقعة ضمن العملية التي تضم مدينتي تل أبيض ورأس العين.

ويعد الطريق الدولي "إم 4" السبب الرئيسي لاستمرار الصراع في منطقة شرقي نهر الفرات، حيث تدرك جميع الأطراف أهمية هذا الطريق في منطقة غنية بالثروات، خصوصاً النفطية والزراعية، حيث يعد هذا الطريق شريان الحياة الاقتصادية لمنطقة شرق نهر الفرات. يشار إلى أنه لم يتم تنفيذ الاتفاق الروسي التركي المبرم في سوتشي في سبتمبر/أيلول 2018، الذي نص على "استعادة طرق نقل الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب - اللاذقية) وإم 5 (حلب - حماة) بحلول نهاية عام 2018". ولطالما حاول النظام وحلفاؤه الروس تطبيق الاتفاق بالقوة، حيث شرعا في نهاية إبريل/نيسان الماضي بحملة عسكرية واسعة النطاق سيطرا خلالها على عشرات المدن والبلدات والقرى في ريف إدلب الجنوبي، فضلاً عن سيطرتها الكاملة على ريف حماة الشمالي. وبدأت هذا القوات مطلع الشهر الماضي عملية عسكرية لقضم المزيد من مناطق المعارضة السورية في ريف إدلب الجنوبي للوصول أولاً إلى مدينة معرة النعمان ومن ثم مدينة سراقب التي تعتبر عقدة الطرق الرئيسية في شمال غربي سورية.

ومن الواضح أن النظام يضع جل ثقله العسكري لاستعادة السيطرة على الطرق الدولية في الشمال الغربي من البلاد، ما يفتح الباب مجدداً لعودة حركة الترانزيت المتوقفة منذ عدة سنوات من تركيا إلى سورية ومن ثم الأردن وصولاً إلى الخليج. وجرى الحديث أخيراً عن إعادة فتح الطريق الذي يربط مدينة حلب بتركيا، والمعروف باسم طريق عينتاب، لكن يبدو أن موسكو وأنقرة أجلتا البت بالأمر لحين حسم مصير ريف حلب الشمالي الذي توجد فيه أغلب أطراف الصراع على سورية.