عاشت بيروت منذ مساء أمس الأحد وحتى الساعات الأولى من فجر اليوم الاثنين، ساعات طويلة من التوتر، كان على اللبنانيين خلالها أن يشاهدوا مناصري حركة أمل وحزب الله وهم يعتدون على المتظاهرين الذين كانوا يقطعون الطريق عند جسر الرينغ في وسط بيروت، قبل أن تتمدد اعتداءاتهم إلى تكسير الخيم للمرة الثالثة في ساحة الشهداء، فضلاً عن عمليات تخريب طاولت أحياء عدة في وسط العاصمة، وسط محاولات "ناعمة" من الجيش اللبناني لاحتواء الموقف. ولا شك في أن الحديث عن عناصر غير منضبطة تورطت في الاعتداءات من دون أوامر مباشرة من حزب الله وحركة أمل، وعن وجود شارع في مواجهة شارع، وعن اشتباكات بين طرفين في لبنان، لا يدل على حقيقة ما حصل ليل الأحد – الاثنين.
لعل التوصيف الأدق لما حصل في هذه الساعات هو أن حزب الله أراد ترهيب الشارع، وتوجيه رسائل لأطراف عدة في الداخل والخارج، وتأكيد أن موازين القوى في الداخل اللبناني يحتكرها وحده، وأن كل ما حصل منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لا يمكن ترجمته سياسياً، بل أقصى ما يمكن تحقيقه هو بضعة وعود، وعودة إلى السائد منذ عقود في الداخل اللبناني.
هو فعلياً 7 مايو/أيار مصغّر (نسبة لـ7 مايو 2008، حين اجتاح الحزب وحلفاؤه العاصمة بيروت عسكرياً في حرب أهلية مصغرة سقط فيها نحو 80 قتيلاً)، حاول الحزب من خلالها تذكير الجميع بفائض قوته، وأنه قادر فقط عبر استخدام مناصرين على ترهيب الشارع، وفرض ما يريد، ما يطرح سؤالاً عن الخطوة التالية في حال فشل الترهيب، وإثبات أن المحتجين متمسكون بمطالبهم ولم يخرجوا من الشارع؟
الرسالة الأبرز كانت للجيش اللبناني وقائده العماد جوزيف عون، خصوصاً أن الحزب حتى الساعة لا يبدو أنه يفضل تولي قمع المتظاهرين بنفسه أو عبر أنصاره، لحسابات عدة من بينها حدود قدرته على مواجهة شارع لبناني من مختلف المناطق والطوائف، لذلك كان يضغط منذ البداية على الجيش للقيام بهذه المهمة. وأراد الحزب، بتصعيد ضغطه في الساعات الماضية، إيصال رسالة بأنه في حال لم يتولَّ الجيش هذا الأمر، فإنه لن يتردد في مرحلة لاحقة بفتح الطرقات على طريقته. مع العلم أن الأيام الأخيرة شهدت هجمات متتالية على قائد الجيش من قبل مسؤولين في حزب الله والإعلام المحسوب عليه، خصوصاً بعد الفشل في تأمين انعقاد جلسة مجلس النواب، يوم الثلاثاء الماضي.
اقــرأ أيضاً
كما أن حزب الله، الذي وضع نفسه بوصفه راعياً للسلطة برمتها في مواجهة الشارع سياسياً، بداية عبر رسم الخطوط الحمر، ورفض إسقاط الحكومة، أو إسقاط العهد، وحتى رفض إجراء انتخابات نيابية مبكرة، فكان سقوط الحكومة بمثابة ضربة للحزب وما رفعه من خطوط حمر، يحاول إيصال رسائل للخارج، بأنه لن يخسر أكثر من ذلك، وذلك في وقت وفشلت جميع محاولاته بشيطنة الانتفاضة ومساعيه لحشرها في خانة اصطفافات حزبية ضيقة أو حتى تخوين المشاركين فيها. وحاول في السياق، توظيف كلام السفير الأميركي الأسبق في لبنان، جيفري فيلتمان، الذي أوحى كلامه أخيراً بأن الولايات المتحدة مرتاحة لما يحصل في لبنان. وهو ارتياح لا يبدو أنه جاء نتيجة الثورة بحد ذاتها، بل فعلياً جاء بسبب تعامل الحزب والسلطة مع الثورة، ومواجهتها منذ اليوم الأول، رفضاً وقمعاً وترهيباً.
بالشكل، قد يكون نجح "حزب الله" في الترهيب لبعض الوقت فكان المشهد الليلي، والهتافات الطائفية التي تضمنت تهديدات واضحة بالقتل، والجولات على الدراجات النارية، وما تكشف صباحاً من اعتداء على بعض الأملاك الخاصة وحرقاً وسرقة وتدميراً، صادماً للبعض، ومذكراً البعض الآخر بأساليب الحزب في الداخل اللبناني وما يمكن أن يفعله. وهو ما يدركه الجميع في لبنان، ويسلمون به، لكن فعلياً ستكون الأيام المقبلة اختباراً للمتظاهرين ومدى قدرتهم على توجيه رسالة مضادة للحزب بأن العنف والترهيب لن يفلحا في إطفاء شعلة الانتفاضة.
ويمكن القول إن المتظاهرين نجحوا في تجاوز ليلة الترهيب. لكن في المقابل، يبقى تحدي عدم إعادة فرز البلاد وفق اصطفافات يريدها الحزب مساراً لمواجهة الشارع وإخراج الناس منه. ولا يستبعد أن تحمل الأيام المقبلة مزيداً من التأزم، خصوصاً مع استمرار انسداد الأفق الحكومي، وارتفاع حظوظ استمرار الفراغ، وبقاء الوضع على ما هو عليه حتى أشعار آخر.
في المقابل، فإن بورصة الستاتيكو السياسي على الصعيد الحكومي رست في الأيام الأخيرة، على جملة من المعطيات التي لا تبدو مشجعة، باتجاه تأليف حكومة: أولها استمرار رفض رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري تأليف حكومة تكنوسياسية، على الرغم من كل محاولات تدوير الزوايا، والحديث تارة عن تمثيل مباشر، وطوراً عن تمثيل ضمني عبر وجوه غير مستفزة أو وجوه غير حزبية. وثاني تلك المعطيات هو عدم قدرة الحزب وتالياً قوى 8 آذار تشكيل حكومة لون واحد، لأنها ستكون في مواجهة مفتوحة مع المجتمع الدولي وكذلك الداخل اللبناني، خصوصاً مع السياسات الأميركية في تطويق حزب الله مالياً واقتصادياً.
وأمام هذين الحدين، يتخبط كل ما طرح في الاجتماعات التي عقدت بين الثلاثي "حزب الله" – تيار "المستقبل" – حركة "أمل"، وسط ترجيحات بأن يكون عمر حكومة تصريف الأعمال طويلاً، خصوصاً أن الخلافات أو التباينات بين الأفرقاء السياسيين لا تقتصر على شكل الحكومة إن كانت تكنوسياسية أو تكنوقراط، بل تمتد أيضاً إلى مهام هذه الحكومة ودورها، وسط أزمة لم تعد تقتصر على الحكومة، بل امتدت إلى النظام، وإلى شكله في المرحلة المقبلة، وطبيعته.
بين كل هذا المشهد يبدو أن الحزب واضح في أولوياته. فهو يرى في موازين القوى الحالية انعكاساً لكل السنوات الماضية، وتالياً انعكاساً لقوته في الداخل والخارج، وأنه ليس في وارد التنازل عما أفرز في السنوات الأخيرة وتحديداً في الانتخابات النيابية الأخيرة (مايو 2018)، خصوصاً أن هذه الموازين مرتبطة أساساً بموازين القوى في المنطقة، وبالمشهد العام الممتد من إيران والعراق وصولاً إلى لبنان.
لعل التوصيف الأدق لما حصل في هذه الساعات هو أن حزب الله أراد ترهيب الشارع، وتوجيه رسائل لأطراف عدة في الداخل والخارج، وتأكيد أن موازين القوى في الداخل اللبناني يحتكرها وحده، وأن كل ما حصل منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لا يمكن ترجمته سياسياً، بل أقصى ما يمكن تحقيقه هو بضعة وعود، وعودة إلى السائد منذ عقود في الداخل اللبناني.
الرسالة الأبرز كانت للجيش اللبناني وقائده العماد جوزيف عون، خصوصاً أن الحزب حتى الساعة لا يبدو أنه يفضل تولي قمع المتظاهرين بنفسه أو عبر أنصاره، لحسابات عدة من بينها حدود قدرته على مواجهة شارع لبناني من مختلف المناطق والطوائف، لذلك كان يضغط منذ البداية على الجيش للقيام بهذه المهمة. وأراد الحزب، بتصعيد ضغطه في الساعات الماضية، إيصال رسالة بأنه في حال لم يتولَّ الجيش هذا الأمر، فإنه لن يتردد في مرحلة لاحقة بفتح الطرقات على طريقته. مع العلم أن الأيام الأخيرة شهدت هجمات متتالية على قائد الجيش من قبل مسؤولين في حزب الله والإعلام المحسوب عليه، خصوصاً بعد الفشل في تأمين انعقاد جلسة مجلس النواب، يوم الثلاثاء الماضي.
كما أن حزب الله، الذي وضع نفسه بوصفه راعياً للسلطة برمتها في مواجهة الشارع سياسياً، بداية عبر رسم الخطوط الحمر، ورفض إسقاط الحكومة، أو إسقاط العهد، وحتى رفض إجراء انتخابات نيابية مبكرة، فكان سقوط الحكومة بمثابة ضربة للحزب وما رفعه من خطوط حمر، يحاول إيصال رسائل للخارج، بأنه لن يخسر أكثر من ذلك، وذلك في وقت وفشلت جميع محاولاته بشيطنة الانتفاضة ومساعيه لحشرها في خانة اصطفافات حزبية ضيقة أو حتى تخوين المشاركين فيها. وحاول في السياق، توظيف كلام السفير الأميركي الأسبق في لبنان، جيفري فيلتمان، الذي أوحى كلامه أخيراً بأن الولايات المتحدة مرتاحة لما يحصل في لبنان. وهو ارتياح لا يبدو أنه جاء نتيجة الثورة بحد ذاتها، بل فعلياً جاء بسبب تعامل الحزب والسلطة مع الثورة، ومواجهتها منذ اليوم الأول، رفضاً وقمعاً وترهيباً.
بالشكل، قد يكون نجح "حزب الله" في الترهيب لبعض الوقت فكان المشهد الليلي، والهتافات الطائفية التي تضمنت تهديدات واضحة بالقتل، والجولات على الدراجات النارية، وما تكشف صباحاً من اعتداء على بعض الأملاك الخاصة وحرقاً وسرقة وتدميراً، صادماً للبعض، ومذكراً البعض الآخر بأساليب الحزب في الداخل اللبناني وما يمكن أن يفعله. وهو ما يدركه الجميع في لبنان، ويسلمون به، لكن فعلياً ستكون الأيام المقبلة اختباراً للمتظاهرين ومدى قدرتهم على توجيه رسالة مضادة للحزب بأن العنف والترهيب لن يفلحا في إطفاء شعلة الانتفاضة.
في المقابل، فإن بورصة الستاتيكو السياسي على الصعيد الحكومي رست في الأيام الأخيرة، على جملة من المعطيات التي لا تبدو مشجعة، باتجاه تأليف حكومة: أولها استمرار رفض رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري تأليف حكومة تكنوسياسية، على الرغم من كل محاولات تدوير الزوايا، والحديث تارة عن تمثيل مباشر، وطوراً عن تمثيل ضمني عبر وجوه غير مستفزة أو وجوه غير حزبية. وثاني تلك المعطيات هو عدم قدرة الحزب وتالياً قوى 8 آذار تشكيل حكومة لون واحد، لأنها ستكون في مواجهة مفتوحة مع المجتمع الدولي وكذلك الداخل اللبناني، خصوصاً مع السياسات الأميركية في تطويق حزب الله مالياً واقتصادياً.
وأمام هذين الحدين، يتخبط كل ما طرح في الاجتماعات التي عقدت بين الثلاثي "حزب الله" – تيار "المستقبل" – حركة "أمل"، وسط ترجيحات بأن يكون عمر حكومة تصريف الأعمال طويلاً، خصوصاً أن الخلافات أو التباينات بين الأفرقاء السياسيين لا تقتصر على شكل الحكومة إن كانت تكنوسياسية أو تكنوقراط، بل تمتد أيضاً إلى مهام هذه الحكومة ودورها، وسط أزمة لم تعد تقتصر على الحكومة، بل امتدت إلى النظام، وإلى شكله في المرحلة المقبلة، وطبيعته.
بين كل هذا المشهد يبدو أن الحزب واضح في أولوياته. فهو يرى في موازين القوى الحالية انعكاساً لكل السنوات الماضية، وتالياً انعكاساً لقوته في الداخل والخارج، وأنه ليس في وارد التنازل عما أفرز في السنوات الأخيرة وتحديداً في الانتخابات النيابية الأخيرة (مايو 2018)، خصوصاً أن هذه الموازين مرتبطة أساساً بموازين القوى في المنطقة، وبالمشهد العام الممتد من إيران والعراق وصولاً إلى لبنان.