الانتخابات الرئاسية التونسية على مقاس قيس سعيّد

06 أكتوبر 2024
مسيرة احتجاجية في تونس، 4 أكتوبر 2024 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يسعى الرئيس التونسي قيس سعيّد لتجديد ولايته عبر انتخابات مصممة لتناسبه، حيث يواجه مرشحين محدودين، مع استبعاد آخرين رغم أحكام قضائية لصالحهم، مما أدى لمقاطعة معظم الأحزاب.
- تشهد الانتخابات دعوات واسعة للمقاطعة من أحزاب مثل النهضة، معتبرةً إياها غير شرعية، بينما يرى البعض أن المشاركة قد تتيح فرصة للتغيير رغم القرارات المثيرة للجدل منذ انقلاب 25 يوليو 2021.
- تتسم الانتخابات بغموض حول نسب المشاركة، مع منع نشر استطلاعات الرأي، وسط محاولات لرفع نسب التصويت ودعوات سعيّد للمشاركة بكثافة.

يسعى الرئيس التونسي قيس سعيّد من خلال الانتخابات الرئاسية التونسية التي تشهدها البلاد اليوم الأحد، إلى تجديد ولايته في الحكم، بعدما نجح في تصميم مسار انتخابي على قياسه، ليحصر التنافس مع مرشح معتقل ومحكوم بأكثر من 12 سنة سجناً في قضايا انتخابية بحتة، هو رئيس حركة "عازمون" العياشي زمال، وآخر كان مسانداً لقرارات 25 يوليو/تموز 2021 الانقلابية التي اتخذها سعيّد، وهو الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي. وكانت سلطات سعيّد قد عمدت إلى استبعاد ثلاثة مرشحين آخرين على الرغم من صدور حكم قضائي بإعادتهم إلى السباق الانتخابي، ليدفع كل ذلك معظم الأحزاب التونسية الفاعلة للدعوة إلى مقاطعة هذا الاستحقاق، والتشكيك في نتائجه قبل إجرائه، ما يجعل الشرعية المترتبة عن هذه الانتخابات ضعيفة، في ظل التضييق على المسار الانتخابي بشكل كامل وما سبق ذلك من اعتقالات طاولت أبرز خصوم سعيّد، لا سيما قياديي حركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني. وفي حين ليس واضحاً حجم المشاركة المتوقعة في هذه الانتخابات، والتي من المتوقع أن تتأثر بالدعوات لمقاطعتها، بعد تراجع كبير في المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية في تونس منذ ما بعد 2019، فإن مراقبين يتوقعون تداعيات مستقبلية سلبية للمسار القائم على مؤسسات الحكم في البلاد، وزيادة الانقسامات وتعميق الأزمات في تونس.

الانتخابات الرئاسية التونسية: بين دعوات المقاطعة ومطالبات التغيير

دعي تسعة ملايين و753 ألفاً و217 ناخباً للتوجه إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في الانتخابات الرئاسية التونسية التي تجرى اليوم الأحد داخل البلاد، علماً أنها بدأت في الخارج منذ يوم الجمعة الماضي، وسط دعوات واسعة من الأحزاب لمقاطعتها، وانقسام كبير في صفوف المعارضة حول الموقف من الانتخابات الرئاسية التونسية عموماً.
وأعلن العديد من الأحزاب مقاطعة الانتخابات، وهي أحزاب العمل، والقطب، والمسار الديمقراطي الاجتماعي، والاشتراكي، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، والجمهوري. وأعلن الأخير في بيان له أنه "قرر وضع حد لانخراطه في سياق المشاركة في الانتخابات الرئاسية التونسية حتى لا يتحول إلى غطاء لمآل فاقد للمصداقية والمشروعية". كما أعلن حزبا الدستوري الحر والتيار الديمقراطي أنهما لن يعترفا بشرعية الانتخابات الرئاسية التونسية فيما اعتبرتها حركة النهضة "انتخابات فاسدة". وقالت في بيان لها، الخميس الماضي، إن "الخروقات التي اكتنفت المسار الانتخابي تؤكد أنّ السلطة عملت على إفساد العملية الانتخابية بكاملها، في نزوع تسلطي واستبدادي مفضوح، عبر سيل من الإجراءات والمراسيم التي تم فرضها من أجل تأبيد بقاء الرئيس المنتهية ولايته". من جهته، دعا حزب ائتلاف الكرامة إلى التصويت للمرشح العياشي زمال.

دعا العديد من الأحزاب لمقاطعة الانتخابات، كما أعلنت أحزاب أخرى أنها لن تعترف بشرعيتها

ويعتبر الداعون إلى المقاطعة أن المشاركة في الانتخابات الرئاسية التونسية يمكن أن تمنح سعيّد مشروعيّة شعبيّة وإن كان حجمها محدوداً، في حين أن الداعين للمشاركة يرون فيها أملاً ممكناً للتغيير، ويعتبرون أن هناك فرصة من خلال حصيلة سعيّد السلبية خلال حكمه. ولكن المشككين في الانتخابات الرئاسية التونسية ككل يعتبرون أن ما بُني على باطل فهو باطل، وأن انتخابات نتيجة الانقلاب لا يمكن أن تكون بهذا الشكل. ويستشهدون بكل القرارات التي اتخذتها السلطة منذ إجراءات 25 يوليو 2021، عندما أقدم سعيّد على حل البرلمان وإلغاء دستور 2014 التشاركي، ووضع في 2022 دستوراً كتبه بنفسه، وحلّ الهيئات الدستورية المنتخبة وكذلك المجلس الأعلى للقضاء، وعيّن هيئة الانتخابات، ثم غيّر القانون الانتخابي في آخر أيام الحملة الانتخابية لقطع الطريق أمام أي طعن لدى المحكمة الإدارية، خصوصاً بعد أن أثبتت الأخيرة قدرة واضحة على عدم الخضوع لتعليمات السلطة. ويؤكدون أن سعيّد الذي عطّل الحياة الحزبية ووضع كل معارضيه في السجن ليس مستعداً لانتخابات حرة تنافسية، بحسب رأيهم.

وخرجت المعارضة التونسية إلى الشارع للاحتجاج على مسار الانتخابات مرات متعددة خلال الأيام الماضية، آخرها أول من أمس الجمعة. وعلى هامش مشاركته في المسيرة، أكد الأمين العام لحزب العمال حمة الهمامي، لـ"العربي الجديد"، أن "الدعوة إلى المقاطعة تأتي لأن الشروط الدنيا غير متوفرة في الانتخابات، التي أصبحت عبارة عن بيعة عواقبها وخيمة تقوم على تركيز حكم فردي استبدادي"، مضيفاً أنه "يجب أن تكون هناك أقل نسبة مشاركة لنزع الشرعية على هذا النظام". وقال الهمامي: "لقد شاركنا سابقاً في الانتخابات، ولكن هذه الانتخابات لا تتوفر فيها الشروط الدنيا من حرية الإعلام والتعبير، فالسجون مكتظة والمحكمة الإدارية نُزعت صلاحيتها ومن تحصّل على السلطة بانقلاب لن يفرط فيها بالانتخاب".

وأضاف الهمامي أن "من يرون أن المقاطعة ليست حلاً ستؤكد لهم نتائج 6 أكتوبر/ تشرين الأول (انتخابات اليوم) عدم صحة موقفهم، فأحد المرشحين في السجن والثاني لا يظهر كثيراً، وبالتالي فالحد الأدنى من المنافسة غير متوفر، ولذلك كانت الدعوة إلى المقاطعة النشيطة مثل المسيرات والتي من خلالها يتم الدفاع عن الحرية والحقوق"، معتبراً أن "موقف المقاطعة، وخلافاً لما يتصور البعض، هو موقف نشيط، والتجارب السابقة مع الرئيس المخلوع بن علي والحبيب بورقيبة كانت خير دليل، فبن علي لم تسقطه الانتخابات بل أسقطه الشارع، واليوم في ظل نظام مستبد فإن الشارع هو الحل".

شرعية ضعيفة للانتخابات

تعليقاً على وضع هذه الانتخابات، قال رئيس المعهد العربي للديمقراطية خالد شوكات، لـ"العربي الجديد"، إن هذه الانتخابات "غريبة الأطوار فعلاً، فانت لا تستطيع أن تضعها في خانة الانتخابات التي كانت تُجرى ما قبل الثورة، سواء زمن الرئيس الحبيب بورقيبة أو زمن الرئيس زين العابدين بن علي، عندما كان هناك حزب واحد يحكم الدولة، وحزب مهيمن عليها في سياق تعددية صورية، كما لا تستطيع أن تضعها في خانة انتخابات عشرية الانتقال الديمقراطي، التي كان يشاد بنزاهتها وديمقراطيتها في العالم بأسره. فهي انتخابات تشبه قائد هذه المرحلة، الرئيس قيس سعيّد، الذي يصعب تصنيفه أو تصنيف نظامه... شيء هجين بلا ملامح واضحة".

واعتبر شوكات أن "التضييقات المتواترة التي حصلت في المسار الانتخابي تجعل من الشرعية المترتبة عن هذه الانتخابات شرعية ضعيفة بالضرورة، فسعيّد الذي انتُخب سنة 2019 في انتخابات شفافة بمعايير دولية قرر ألا يخوض مرة أخرى انتخابات مشابهة، وبالتالي تولت السلطات الانتخابية والإدارية منذ الإعلان عن موعدها إتيان كل الأفعال التي تنال من سمعتها، سواء تعلق الأمر برفض جل طلبات الترشيح والإبقاء على ثلاثة مرشحين فقط، ثم رفض الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية القاضية بإرجاع مرشحين جديين للسباق (عبد اللطيف المكي وعماد الدايمي ومنذر الزنايدي)، فضلاً عن وضع المرشح التنافسي الجدي الوحيد في السجن (العياشي زمال)، وأخيرا تغيير القانون الانتخابي قبل أيام قليلة من الاقتراع". وأضاف: "كل هذا ستكون له تداعيات مستقبلية خطيرة على مؤسسات الحكم وستزيد من تعميق أزمات البلاد".

خالد شوكات: التضييقات التي حصلت في المسار الانتخابي تجعل من الشرعية المترتبة عن هذه الانتخابات ضعيفة

وعن توقعاته بشأن موقف التونسيين اليوم، قال شوكات: "لا يزال نظام الرئيس سعيّد نفسه غير متأكد من النتيجة، ولديه مخاوف أو عدم ثقة بالناخبين الذين سيختلون بأنفسهم للإدلاء بأصواتهم، وبالنظر إلى صعوبة التزوير، أي التلاعب بصناديق الاقتراع، فإنني لا أستبعد مفاجأة على مستوى النتائج"، مضيفاً: "طبعاً رهان السلطات واضح على وجود رغبة في حسم الأمور لصالح الرئيس الحالي من جولة واحدة، ولكن إذا كانت هناك جولة ثانية، فستكون جولة غير عادية ويصعب التكهن مسبقاً بنتيجتها". وعن تقييمه موقفَ المعارضة التونسية وتضارب مواقفها حيال الانتخابات، رأى شوكات أن "انقسام المعارضة طبيعي في رأيي، فهناك من لا يزال يرى في المشاركة اعترافاً بنظام لا يرونه شرعياً، ومن هنا الدعوة إلى المقاطعة، وهناك من يعتقد أن المشاركة هي فرصة لتعبئة الرأي العام وفضح التزوير إن حصل. وكلا الرأيين له بعض الوجاهة".

غموض حول نسب المشاركة

تبدو الأمور غامضة بشأن توقعات النسب المتعلقة بالانتخابات، سواء كان الأمر بشأن المتنافسين فيما بينهم أو حتى في ما يتعلق بنسبة المشاركة الشعبية المتوقعة، بعد أن منعت هيئة الانتخابات نشر أي عملية سبر آراء حول الانتخابات الرئاسية التونسية إلا بعد إقفال مكاتب الاقتراع. ولكن التوقع الوحيد المعلن هو ما كان صرح به رئيس الهيئة العليا للانتخابات فاروق بوعسكر لوكالة الأنباء التونسية، عندما توقع أن "تقارب نسبة مشاركة الناخبين التونسيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة نسبة المشاركين في الانتخابات الرئاسية السابقة عام 2019". وقال بوعسكر إن "الثابت أن الناخب التونسي يهتم أكثر بالإقبال على الانتخابات الرئاسية مقارنة بالانتخابات التشريعية".

وبالعودة إلى المحطات الانتخابية الماضية، فقد شهدت نسب التصويت والمشاركة في المحطات الانتخابية تراجعاً واضحاً منذ الانتخابات الرئاسية في 2019، التي سجلت نسبة غير مسبوقة في تاريخ المحطات الانتخابية المتعاقبة منذ ثورة 2011، بعد الفوز الكبير لقيس سعيّد في الدور الثاني من انتخابات 2019 على منافسه نبيل القروي بنسبة تصويت بلغت 72.71% وفق نتائج هيئة الانتخابات. لكن بعدها شهدت نسب التصويت تراجعاً خلال الاستفتاء على الدستور في 25 يوليو 2022، الذي صاغه سعيّد بعد الانقلاب، وسجّلت الهيئة تصويت 27.54% من جملة الناخبين. وواصلت نسب التصويت في التدحرج نهاية العام 2022 خلال الانتخابات التشريعية حين أقبل على الانتخابات البرلمانية نحو 11.22%. أما نسبة المشاركة في انتخابات المجالس المحلية عام 2023 فبلغت 11.66% من مجموع الناخبين.

محاولات لرفع نسب التصويت

في آخر تصريحات للمتنافسين الثلاثة قبل الصمت الانتخابي، دعا المرشح زهير المغزاوي إلى "إغلاق قوس قيس سعيّد"، مضيفاً: "من يعتقد أن الانتخابات الرئاسية التونسية ستكون على دورتين فهو واهم، لأنه على الأرجح ستكون على دورة واحدة، خصوصاً بعد الأحكام القضائية التي صدرت ضد المرشح العياشي زمال". وأضاف المغزاوي، في مؤتمر صحافي يوم الجمعة الماضي، أن "من حق التونسيين أن يكون هناك عدة مرشحين، ولكن حصل إقصاء للمرشحين وعدم تطبيق أحكام المحكمة الإدارية وملاحقة المرشح العياشي زمال"، مشيراً إلى أن "تغيير القوانين والملاحقات القضائية دليل على حالة الفزع التي تعيشها السلطة التي أصبحت أقلية وتدرك أن الأرقام ليست في صالحها".
وبيّن أن "دعوات المقاطعة تعني استمرار السلطة سنوات طويلة أخرى، ولا بد من التوجه إلى صناديق الاقتراع والتصويت للتغيير"، مضيفاً أنه "طيلة خمس سنوات من حكم سعيّد، لم يتحقق أي شيء في تونس، خصوصاً للشباب، فلا استثمار ولا تنمية، بل سيطر الخوف في ظل قوانين تكبّل الجميع". وتابع: "ذاهبون إلى انتخابات ومنفتحون على جميع القوى السياسية، وهناك خياران، إما استمرار الوضع الحالي أو التغيير، وهو ما يعني ضرورة الذهاب إلى صناديق الاقتراع".

المغزاوي: تغيير القوانين والملاحقات القضائية دليل على حالة الفزع التي تعيشها السلطة

من جهته، قال مدير حملة زمال رمزي الجبابلي في ندوة صحافية يوم الجمعة الماضي: "تعمّدنا وضع علم تونس في الخلفية على الرغم من علمنا أنها مخالفة انتخابية، ونحن نطلب من هيئة الانتخابات تسجيلها، والهدف من ذلك إجابة المرشح رقم 3 (سعيّد) الذي خوّن الجميع بخطاب إعلان حرب على كل من ينافسه، والهدف من رفع العلم هو تأكيد أننا تونسيون مثله، وزمال تونسي وله الحق في ممارسة السياسة كما باقي التونسيين، وهو محل وفاق وطني".
وقال الجبابلي إن "هذه المخالفة لا تعد شيئاً أمام ما يتعرض له العياشي زمال من تنكيل، وهو حكم بـ14 عاماً سجناً، ونقله من سجن إلى سجن ومن مركز شرطة إلى آخر، ومنعه من حملته الانتخابية، والتنكيل بأفراد عائلته، إذ صدرت مناشير تفتيش في ثلاثة أفراد من عائلته، والتنكيل به اقتصادياً بإغلاق مصانعه وجميع وحدات الإنتاج في الشمال الغربي". ودعا التونسيين إلى الإقبال على صناديق الاقتراع مستغرباً "دعوة أحزاب وشخصيات لها تاريخها من دعواتها للمقاطعة، وإلى اليوم، لم يفهموا اللحظة التاريخية، فزمال لا يمثل قضية شخصية بل قضية كل التونسيين، والأوْلى الدعوة إلى مساندته كما ساندنا زمن بن علي المرحوم أحمد إبراهيم". وطالب قادة المعارضة "بمراجعة قراراتهم والدعوة إلى التصويت لزمال"، كما طالب هيئة الانتخابات بـ"عدم العبث بأصوات التونسيين، وهي أيضاً رسالتنا إلى المؤسسات التي تؤمن وتحمي الانتخابات".

من جهته، كان سعيّد قد دعا في خطاب ألقاه مساء الخميس، في مقر حملته الانتخابية، الشعب التونسي إلى "المشاركة بكثافة في الاستحقاق الانتخابي الذي يمثل فرصة حاسمة لتحديد مصير الوطن". وشدّد على أن "الشعب هو من يملك القرار، وأن خياراته ستكون محددة لمستقبل البلاد"، معتبراً أن "الشعب التونسي سيعبّر عن إرادته في تحقيق الحرية والكرامة وأن أصوات الناخبين يجب أن تكون قوية ومزلزلة". كما دعا إلى "العبور نحو التحرير الكامل والتطهير الشامل". وزعم أن "القوى المناهضة للثورة أصبحت اليوم تحاول استعادة مواقعها عبر التحالفات غير المعلنة، وأن عدو الأمس أصبح صديق اليوم"، مدعياً أن "تلاعبات تحاك من وراء الكواليس تهدف إلى زعزعة الاستقرار وعدم تنظيم الانتخابات".

المساهمون