بقدر ما شكّل إعلان الإدارة الأميركية أنها لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة خارجة عن القانون الدولي، ضربة جديدة للمواثيق القانونية والتوافق الدولي حول مسار حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وضربة جديدة لإمكان قيام دولة فلسطينية مستقلة، ولم يجد من يرحب به سوى قادة الاحتلال، فإن الإعلان لم يكن مفاجئاً وخارج التوقعات، بل يأتي ضمن مسار انتهجته إدارة دونالد ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض يقوم على دعم ثابت للاحتلال، بدأت بإعلانه في شباط/فبراير 2017 عدم تشبث واشنطن بـ"حل الدولتين"، ثم إعلانه في 6 ديسمبر/كانون الأول 2017 القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ليلي ذلك في 14 مايو/أيار 2018 نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وبعده قرار أميركي بوقف تمويل "أونروا" ثم إغلاق مكتب البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في واشنطن، وصولاً إلى إعلان ترامب في 21 مارس/آذار الماضي عن تأييده الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل.
هذه الخطوات تأتي في سياق تنفيذ واشنطن، على نحو تدريجي، للخطة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن"، بعدما كشف صهر الرئيس ومستشاره، جاريد كوشنر، عن الجانب الاقتصادي من هذه الصفقة في مؤتمر المنامة في يونيو/حزيران الماضي، مع تأجيل الجانب السياسي منها، لتكون الإدارة الأميركية مع قرارها حول المستوطنات قد استكملت الكشف عن "صفقة القرن" قبل نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، بعد تأجيل متكرر تبين أنه كان لتمرير بنودها بالتقسيط. وكان السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان ألمح إلى هذه الخطوة، عندما قال، قبل أشهر، إنّ "من حق إسرائيل ضم بعض أجزاء الضفة"، علماً أنه أحد مهندسي الصفقة. يومذاك سُئلت الخارجية الأميركية عما إذا كان السفير يتحدث باسم الإدارة أو باسمه، فكان الجواب أنّ "الإدارة لم تغير سياستها". عدم التبرؤ، آنذاك، كان بمثابة تمهيد للآتي لاحقاً. وهو ما حصل بإعلان وزير الخارجية مايك بومبيو مساء الاثنين أن الإدارة الأميركية، و"بعد دراسة كل الحجج في هذا النقاش القانوني بعناية"، خلصت إلى أن "إنشاء مستوطنات لمدنيين إسرائيليين في الضفة الغربية لا يتعارض في حد ذاته مع القانون الدولي".
وحرص بومبيو على التأكيد أن هذا الإعلان ليس سوى عودة إلى تفسير للرئيس الأسبق رونالد ريغان في مطلع ثمانينيات القرن الماضي. لكن السياسة الأميركية كانت تعتمد حتى الآن، على الأقل نظرياً، على رأي قانوني لوزارة الخارجية يعود إلى عام 1978 وينص على أن "إقامة مستوطنات سكانية في هذه الأراضي" الفلسطينية "ليس مطابقاً للقانون الدولي".
وقرر بومبيو أن هذا الرأي الذي يعود إلى 1978 تقادم. وقال "الحقيقة هي أنه لن يكون هناك أبداً حل قانوني للنزاع وأن الجدل حول من محق ومن هو مخطئ في نظر القانون الدولي، لن يجلب السلام"، مشيراً إلى أن "اعتبار إقامة مستوطنات إسرائيلية أمراً يتعارض مع القانون الدولي لم ينجح ولم يحقق تقدماً على مسار قضية السلام". وأكد أن "الهدف ليس توجيه رسالة حول ما إذا يجب زيادة عدد المستوطنات أو تخفيضه، بل مجرد مراجعة قانونية". وأكد أيضاً أن هذا القرار لا يستبق "الوضع النهائي" للضفة الغربية التي يرتبط مصيرها بمفاوضات مقبلة بين إسرائيل والفلسطينيين.
وتعتبر الأمم المتحدة أن هذه المستوطنات التي أقيمت على الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل إسرائيل منذ 1967، غير قانونية، بينما يرى جزء كبير من الأسرة الدولية أنها تشكل عقبة كبرى في طريق السلام.
وجددت واشنطن تأكيدها الوقوف إلى جانب تل أبيب، إذ قالت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة كيلي كرافت: "مثلما نحن ملتزمون بالسلام، فإننا ملتزمون أيضاً بإسرائيل، وكما قلت من قبل، لقد دعمت الولايات المتحدة إسرائيل من قبل وها هي تدعمها اليوم وستدعمها في المستقبل". وأضافت كرافت، في بيان وزعته البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة على الصحافيين في نيويورك: "لنكن واضحين، الولايات المتحدة ستبقى ملتزمة التزاماً كاملاً بقضية السلام. وإعلان اليوم (حول المستوطنات) لا يغير هذه الحقيقة. ولن يؤدي الجدل الدائر حول القانون الدولي إلى إحلال السلام الدائم الذي نلتزم به".
ويبحث مجلس الأمن الدولي، اليوم الأربعاء، في جلسته الشهرية بشأن الشرق الأوسط، إعلان واشنطن "شرعية" المستوطنات الإسرائيلية في الضفة.
ويرى سياسيون وخبراء قانون أن تشريع المستوطنات حسب تصريح بومبيو، يُعتبر الضربة القاتلة الثانية لحلم إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بعد قرار الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وما تبعها من سلسلة قرارات ترسخ دور الولايات المتحدة كشريك للاحتلال الإسرائيلي.
وعلى الرغم من الرفض والاستنكار الفلسطيني الرسمي للتصريحات الأميركية، إلا أن القيادة الفلسطينية لا تملك بعد عبارات الرفض والشجب سوى مطالبة المجتمع الدولي والدول العربية باتخاذ موقف ضد الولايات المتحدة، ليكون هامش الرد الرسمي الفلسطيني مقيّداً بخيارات مكررة وغير مجدية، وهي "الدعوة لعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية العرب، والتوجّه لمجلس الأمن على الرغم من أن الفيتو الأميركي سيكون بالمرصاد"، كما قال أمين سر اللجنة التنفيذية صائب عريقات، للإذاعة الفلسطينية الرسمية أمس.
وأعلن عريقات في مؤتمر صحافي عقده أمس في رام الله، أن السلطة الفلسطينية "بدأت بمجموعة من الخطوات ضد الموقف الأميركي الأخير بشأن الاستيطان ومنها التوجّه إلى المؤسسات الدولية". وأضاف "سنتوجه إلى مجلس الأمن وإلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وإلى محكمة الجنايات الدولية وإلى مجلس حقوق الإنسان ضد هذا القرار". وتابع "بدأنا مداولات في الأمم المتحدة لتقديم مشروع قرار في مجلس الأمن". ومن الخطوات التي ستقوم بها السلطة الفلسطينية أيضاً، وفق عريقات، "الذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسنطلب من المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق قضائي رسمي مع المسؤولين الإسرائيليين في ما يتعلق بالمستوطنات".
وقال عريقات إن القرار الأميركي، بمثابة "خطر على الأمن والسلم الدوليين"، مضيفاً: "الولايات المتحدة بإعلانها أن الاستيطان شرعي، فتحت أبوابا للعنف والتطرف والفوضى وإراقة الدماء". وشدد على أن القرار "باطل ولن يغير شيء على الأرض لمخالفته القانون الدولي". ودعا المجتمع الدولي للتصدي للقرار الأميركي.
اقــرأ أيضاً
من جهته، أعلن مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور، أنه بدأ بمشاورات مع أعضاء مجلس الأمن، بدءاً بالعضو العربي في المجلس دولة الكويت، لحشد المواقف الدولية للتصدي للإعلان الأميركي غير القانوني، بشأن المستوطنات.
أما حركة "فتح"، فقالت في بيان، "إن إعلان الإدارة الأميركية، حبر على ورق، ولن يخلق حقاً كسابقيه من القرارات الغاشمة، وهو مدان ومرفوض ومخالف للقانون والشرعية الدولية".
وفي السياق، دعت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" في بيان، إلى "معالجة الأوضاع الداخلية الفلسطينية بما ينهي الانقسام وصولاً إلى وحدة وطنية تعددية، تمكننا من مواجهة سياسات ومخططات الاحتلال وشريكته الإدارة الأميركية التي لا تتوقف من أجل تصفية قضيتنا وحقوقنا الوطنية". وأضافت:" الموقف الأميركي الجديد يتطلب وقف أي أوهام ما زالت تراود بعضهم في دور أميركي يراهنون عليه في ما يُسمّى بعملية سياسية لحل الصراع". من جهتها، دعت حركة "الجهاد الإسلامي" إلى عقد "لقاء وطني ينهي الانقسام ويعيد توجيه كل الطاقات الشعبية والوطنية في مواجهة الاحتلال". وقالت إن القرار الأميركي "استعماري وعدائي، وفاقد لأي شرعية".
أما حركة "حماس"، فاعتبرت إعلان بومبيو بشأن المستوطنات "مخالفة صارخة لكل مبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني". وقال المتحدث باسم الحركة، حازم قاسم، في بيان، إن "إقامة هذه المستوطنات هي جريمة حرب حقيقية، فالاحتلال طرد أصحاب الأرض الأصليين من شعبنا الفلسطيني، ثم سرق الأرض وإقامة عليها مستوطنات بالقوة وجاء بسكان من أصقاع الأرض".
في المقابل، لم يتأخر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، للترحيب بالتحوّل في موقف الولايات المتحدة، واصفاً الأمر بأنه "يصحح خطأ تاريخياً". وقال نتنياهو في بيان إن "هذه السياسة تعكس حقيقة تاريخية بأن اليهود ليسوا مستعمرين أجانب في يهودا والسامرة. في الواقع نحن ندعى يهوداً لأننا شعب يهودا".
بدوره، أشاد وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتس بتحول الموقف الأميركي. وقال كاتس إن "حق الشعب اليهودي بأرض إسرائيل لا جدال فيه". أما المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة داني دانون، في تصريحات للصحافيين في نيويورك، الاثنين، إن "حقنا في أرض إسرائيل لا يرتكز فقط على المطالبة التاريخية، ولكن أيضاً في أفكار العدالة بموجب القانون الدولي".
وفي تصريح بالعبرية، أشاد "مجلس يشا"، وهو هيئة تمثّل المستوطنين، "بإدارة ترامب التي كشفت الحقيقة حول وضع المستوطنات الإسرائيلية في يهودا والسامرة ووادي الأردن". وتابع البيان "بعد الاعتراف الأميركي علينا أن ننتقل للمرحلة التالية وهي تطبيق السيادة الإسرائيلية على المستوطنات".
ويُعتبر الإعلان الأميركي الجديد ضربة جديدة للقانون الدولي. ورأى الخبير في القانون الدولي الإنساني رزق شقيرات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذه المواقف الأميركية تقيّض القانون الدولي وهي انقلاب على المنظومة القانونية التي تحمي العلاقات الدولية، وعودة إلى قانون الغاب، وتؤكد أن الولايات المتحدة تتنكر إلى القرارات الدولية التي كانت جزءاً منها. وشرح شقيرات عدم قانونية المستوطنات الإسرائيلية انطلاقاً من القانون الدولي الإنساني، قائلاً: "أحد أهم المبادئ التي أنشئ على أساسها ميثاق الأمم المتحدة في عام 1945 هو مبدأ عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، أو المس بالسلامة والوحدة الإقليمية للدول". وتابع: "هناك مبدأ في القانون الدولي الإنساني يحظر على الدولة القائمة بالاحتلال تغيير الوضع القانوني القائم بالدولة المحتلة وإحداث أي تغييرات في معالم الأرض المحتلة، والاستيطان من أكثر الأفعال التي تشكل تغيير في هذا الوضع القانوني".
أما على صعيد تداعيات التصريحات الأميركية سياسياً وعملياً على الأرض، فرأى الباحث في الشأن السياسي الإسرائيلي عادل شديد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التداعيات خطيرة، إذ لم تعد حسب القرار الأميركي الضفة الغربية منطقة فلسطينية محتلة، بل أصبحت منطقة إسرائيلية، ولإسرائيل الحق وحدها بتقرير مصيرها وليس عبر مفاوضات أو قانون دولي". وتابع: "هذا أخطر من ضم الضفة الغربية، لأنه أعطى شرعية دولية للضم، فأميركا تمثل رأس الشرعية الدولية اليوم في العالم".
وأكد شديد أن "هذا القرار الأميركي لا يختلف في أهميته عن قرار القدس، وبكل الأحوال الموضوع لا يتعلق فقط بإلغاء الماضي أي الاتفاقيات بين الاحتلال والفلسطينيين، بل يتعلق بتأسيس مرحلة جديدة جوهرها أن من يحدد مستقبل الضفة هي إسرائيل". وأضاف: "أصبح الفلسطيني من المواطن إلى الرئيس محمود عباس عندما يريد أن يتنقل في الضفة الغربية بين مناطق (أ) و(ب) و(ج) يحتاج إلى تصريح إسرائيلي، بما أن المستوطنات موزعة في الضفة الغربية، أي أن الإسرائيلي سيفرض قانونه".
هذه الخطوات تأتي في سياق تنفيذ واشنطن، على نحو تدريجي، للخطة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن"، بعدما كشف صهر الرئيس ومستشاره، جاريد كوشنر، عن الجانب الاقتصادي من هذه الصفقة في مؤتمر المنامة في يونيو/حزيران الماضي، مع تأجيل الجانب السياسي منها، لتكون الإدارة الأميركية مع قرارها حول المستوطنات قد استكملت الكشف عن "صفقة القرن" قبل نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، بعد تأجيل متكرر تبين أنه كان لتمرير بنودها بالتقسيط. وكان السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان ألمح إلى هذه الخطوة، عندما قال، قبل أشهر، إنّ "من حق إسرائيل ضم بعض أجزاء الضفة"، علماً أنه أحد مهندسي الصفقة. يومذاك سُئلت الخارجية الأميركية عما إذا كان السفير يتحدث باسم الإدارة أو باسمه، فكان الجواب أنّ "الإدارة لم تغير سياستها". عدم التبرؤ، آنذاك، كان بمثابة تمهيد للآتي لاحقاً. وهو ما حصل بإعلان وزير الخارجية مايك بومبيو مساء الاثنين أن الإدارة الأميركية، و"بعد دراسة كل الحجج في هذا النقاش القانوني بعناية"، خلصت إلى أن "إنشاء مستوطنات لمدنيين إسرائيليين في الضفة الغربية لا يتعارض في حد ذاته مع القانون الدولي".
وقرر بومبيو أن هذا الرأي الذي يعود إلى 1978 تقادم. وقال "الحقيقة هي أنه لن يكون هناك أبداً حل قانوني للنزاع وأن الجدل حول من محق ومن هو مخطئ في نظر القانون الدولي، لن يجلب السلام"، مشيراً إلى أن "اعتبار إقامة مستوطنات إسرائيلية أمراً يتعارض مع القانون الدولي لم ينجح ولم يحقق تقدماً على مسار قضية السلام". وأكد أن "الهدف ليس توجيه رسالة حول ما إذا يجب زيادة عدد المستوطنات أو تخفيضه، بل مجرد مراجعة قانونية". وأكد أيضاً أن هذا القرار لا يستبق "الوضع النهائي" للضفة الغربية التي يرتبط مصيرها بمفاوضات مقبلة بين إسرائيل والفلسطينيين.
وتعتبر الأمم المتحدة أن هذه المستوطنات التي أقيمت على الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل إسرائيل منذ 1967، غير قانونية، بينما يرى جزء كبير من الأسرة الدولية أنها تشكل عقبة كبرى في طريق السلام.
وجددت واشنطن تأكيدها الوقوف إلى جانب تل أبيب، إذ قالت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة كيلي كرافت: "مثلما نحن ملتزمون بالسلام، فإننا ملتزمون أيضاً بإسرائيل، وكما قلت من قبل، لقد دعمت الولايات المتحدة إسرائيل من قبل وها هي تدعمها اليوم وستدعمها في المستقبل". وأضافت كرافت، في بيان وزعته البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة على الصحافيين في نيويورك: "لنكن واضحين، الولايات المتحدة ستبقى ملتزمة التزاماً كاملاً بقضية السلام. وإعلان اليوم (حول المستوطنات) لا يغير هذه الحقيقة. ولن يؤدي الجدل الدائر حول القانون الدولي إلى إحلال السلام الدائم الذي نلتزم به".
ويبحث مجلس الأمن الدولي، اليوم الأربعاء، في جلسته الشهرية بشأن الشرق الأوسط، إعلان واشنطن "شرعية" المستوطنات الإسرائيلية في الضفة.
ويرى سياسيون وخبراء قانون أن تشريع المستوطنات حسب تصريح بومبيو، يُعتبر الضربة القاتلة الثانية لحلم إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بعد قرار الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وما تبعها من سلسلة قرارات ترسخ دور الولايات المتحدة كشريك للاحتلال الإسرائيلي.
وعلى الرغم من الرفض والاستنكار الفلسطيني الرسمي للتصريحات الأميركية، إلا أن القيادة الفلسطينية لا تملك بعد عبارات الرفض والشجب سوى مطالبة المجتمع الدولي والدول العربية باتخاذ موقف ضد الولايات المتحدة، ليكون هامش الرد الرسمي الفلسطيني مقيّداً بخيارات مكررة وغير مجدية، وهي "الدعوة لعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية العرب، والتوجّه لمجلس الأمن على الرغم من أن الفيتو الأميركي سيكون بالمرصاد"، كما قال أمين سر اللجنة التنفيذية صائب عريقات، للإذاعة الفلسطينية الرسمية أمس.
وأعلن عريقات في مؤتمر صحافي عقده أمس في رام الله، أن السلطة الفلسطينية "بدأت بمجموعة من الخطوات ضد الموقف الأميركي الأخير بشأن الاستيطان ومنها التوجّه إلى المؤسسات الدولية". وأضاف "سنتوجه إلى مجلس الأمن وإلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وإلى محكمة الجنايات الدولية وإلى مجلس حقوق الإنسان ضد هذا القرار". وتابع "بدأنا مداولات في الأمم المتحدة لتقديم مشروع قرار في مجلس الأمن". ومن الخطوات التي ستقوم بها السلطة الفلسطينية أيضاً، وفق عريقات، "الذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسنطلب من المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق قضائي رسمي مع المسؤولين الإسرائيليين في ما يتعلق بالمستوطنات".
وقال عريقات إن القرار الأميركي، بمثابة "خطر على الأمن والسلم الدوليين"، مضيفاً: "الولايات المتحدة بإعلانها أن الاستيطان شرعي، فتحت أبوابا للعنف والتطرف والفوضى وإراقة الدماء". وشدد على أن القرار "باطل ولن يغير شيء على الأرض لمخالفته القانون الدولي". ودعا المجتمع الدولي للتصدي للقرار الأميركي.
من جهته، أعلن مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور، أنه بدأ بمشاورات مع أعضاء مجلس الأمن، بدءاً بالعضو العربي في المجلس دولة الكويت، لحشد المواقف الدولية للتصدي للإعلان الأميركي غير القانوني، بشأن المستوطنات.
أما حركة "فتح"، فقالت في بيان، "إن إعلان الإدارة الأميركية، حبر على ورق، ولن يخلق حقاً كسابقيه من القرارات الغاشمة، وهو مدان ومرفوض ومخالف للقانون والشرعية الدولية".
وفي السياق، دعت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" في بيان، إلى "معالجة الأوضاع الداخلية الفلسطينية بما ينهي الانقسام وصولاً إلى وحدة وطنية تعددية، تمكننا من مواجهة سياسات ومخططات الاحتلال وشريكته الإدارة الأميركية التي لا تتوقف من أجل تصفية قضيتنا وحقوقنا الوطنية". وأضافت:" الموقف الأميركي الجديد يتطلب وقف أي أوهام ما زالت تراود بعضهم في دور أميركي يراهنون عليه في ما يُسمّى بعملية سياسية لحل الصراع". من جهتها، دعت حركة "الجهاد الإسلامي" إلى عقد "لقاء وطني ينهي الانقسام ويعيد توجيه كل الطاقات الشعبية والوطنية في مواجهة الاحتلال". وقالت إن القرار الأميركي "استعماري وعدائي، وفاقد لأي شرعية".
في المقابل، لم يتأخر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، للترحيب بالتحوّل في موقف الولايات المتحدة، واصفاً الأمر بأنه "يصحح خطأ تاريخياً". وقال نتنياهو في بيان إن "هذه السياسة تعكس حقيقة تاريخية بأن اليهود ليسوا مستعمرين أجانب في يهودا والسامرة. في الواقع نحن ندعى يهوداً لأننا شعب يهودا".
بدوره، أشاد وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتس بتحول الموقف الأميركي. وقال كاتس إن "حق الشعب اليهودي بأرض إسرائيل لا جدال فيه". أما المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة داني دانون، في تصريحات للصحافيين في نيويورك، الاثنين، إن "حقنا في أرض إسرائيل لا يرتكز فقط على المطالبة التاريخية، ولكن أيضاً في أفكار العدالة بموجب القانون الدولي".
وفي تصريح بالعبرية، أشاد "مجلس يشا"، وهو هيئة تمثّل المستوطنين، "بإدارة ترامب التي كشفت الحقيقة حول وضع المستوطنات الإسرائيلية في يهودا والسامرة ووادي الأردن". وتابع البيان "بعد الاعتراف الأميركي علينا أن ننتقل للمرحلة التالية وهي تطبيق السيادة الإسرائيلية على المستوطنات".
ويُعتبر الإعلان الأميركي الجديد ضربة جديدة للقانون الدولي. ورأى الخبير في القانون الدولي الإنساني رزق شقيرات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذه المواقف الأميركية تقيّض القانون الدولي وهي انقلاب على المنظومة القانونية التي تحمي العلاقات الدولية، وعودة إلى قانون الغاب، وتؤكد أن الولايات المتحدة تتنكر إلى القرارات الدولية التي كانت جزءاً منها. وشرح شقيرات عدم قانونية المستوطنات الإسرائيلية انطلاقاً من القانون الدولي الإنساني، قائلاً: "أحد أهم المبادئ التي أنشئ على أساسها ميثاق الأمم المتحدة في عام 1945 هو مبدأ عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، أو المس بالسلامة والوحدة الإقليمية للدول". وتابع: "هناك مبدأ في القانون الدولي الإنساني يحظر على الدولة القائمة بالاحتلال تغيير الوضع القانوني القائم بالدولة المحتلة وإحداث أي تغييرات في معالم الأرض المحتلة، والاستيطان من أكثر الأفعال التي تشكل تغيير في هذا الوضع القانوني".
وأكد شديد أن "هذا القرار الأميركي لا يختلف في أهميته عن قرار القدس، وبكل الأحوال الموضوع لا يتعلق فقط بإلغاء الماضي أي الاتفاقيات بين الاحتلال والفلسطينيين، بل يتعلق بتأسيس مرحلة جديدة جوهرها أن من يحدد مستقبل الضفة هي إسرائيل". وأضاف: "أصبح الفلسطيني من المواطن إلى الرئيس محمود عباس عندما يريد أن يتنقل في الضفة الغربية بين مناطق (أ) و(ب) و(ج) يحتاج إلى تصريح إسرائيلي، بما أن المستوطنات موزعة في الضفة الغربية، أي أن الإسرائيلي سيفرض قانونه".