تونس: صعوبات التعايش البرلماني ومشاورات الحكومة الجديدة

18 نوفمبر 2019
تنتظر مهمة الجملي تحديات كبرى (فيسبوك)
+ الخط -
يبدأ رئيس الحكومة التونسية المكلف الحبيب الجملي، اليوم الإثنين، مشاوراته مع الأحزاب بخصوص تشكيل حكومته.

وأكدت حركة "النهضة" التي رشحت الجملي لتشكيل الحكومة أنّه "شخصية كفؤة ومستقلة"، بينما قال الجملي، في تصريح صحافي، إنه سيتحاور مع الجميع دون استثناء، مبدياً تفاؤله بخصوص إمكانية نجاحه في هذه المهمة.

غير أنّ مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، تعترضها صعوبات التلاقي بين مكونات المشهد السياسي، الذي يجمع الخصوم الأيديولوجيين والفرقاء المتنافسين، وزادتهم انطلاقة أعمال البرلمان تنافراً، بعدما وضعت الحرب الانتخابية أوزارها.

وتنتظر الجملي رهانات وتحديات كبرى، خلال شهر؛ فترة التكليف الدستورية، حيث يواجه في أول أيامها بشرخ عميق بين مختلف مكونات المشهد السياسي والحزبي الجديد، فبين مجموعات مشتتة لا تتجاوز أعتاها وأكبرها ربع تركيبة المجلس النيابي، يجد نفسه أمام حتمية جمع الأغلبية المطلقة من الأصوات (109 على الأقل من أصل 217) لتمر حكومته المقترحة.

وبالتمعن في التصريحات والمواقف، فقد بلغ اختلاف الأضداد داخل مكونات البرلمان الجديد حدّ التنافر الذي يستحيل معه الجلوس إلى طاولة الحوار، فلا الأحزاب والكتل الرافعة للواء الثورة والدفاع عن أهدافها مستعدة للتحالف على هذا المبدأ، وهي أحزاب "النهضة" (52 نائباً) و"التيار الديمقراطي" (22 نائباً) وائتلاف "الكرامة" (21 نائباً) وحركة "الشعب" (15 نائباً)، ولا الأحزاب الأخرى في المقابل التي ترفع شعار التقدمية والحداثة أو التي تضم قياديين وأسماء من فلول حزب "التجمع" المحلول، مستعدين للعمل جنباً إلى جنب، وهي تضم حزب قلب "تونس" (38 نائباً) و"الدستوري الحر" (17 نائباً) و"تحيا تونس" (14 نائباً) ومجموعة "كتلة الإصلاح الوطني" (15 نائباً)، التي تضم أحزاب "نداء تونس" و"مشروع تونس" و"البديل" ومستقلين.

ويصعب اليوم أن تجتمع الأحزاب والكتل الجديدة، حول مشتركات فكرية أو أيديولوجية أو توجهات اقتصادية وهو ما ترجمه التصويت على رئاسة البرلمان، الذي كشف عن تقارب غير متجانس لأربعة أطراف تختلف إلى حد القطيعة بينها.

وتزداد صعوبات تجميع حزام برلماني داعم للحكومة الجديدة أمام رئيسها المكلف، ومن ورائه حزب "النهضة" ورئيسها راشد الغنوشي الذي نزل بثقله لتشكيل حكومة قوية.

وبلغ الاحتقان أوجه بين مكونات المشهد الحزبي والبرلماني في تونس، مع انطلاق مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، في وقت لم يتجاوز البرلمان المنتخب أسبوعه الأول، ليتنافس قادة الأحزاب في كيل التهم وتبادل الشتائم، مما زاد من تعكير العلاقات بينهم، الأمر الذي يراكم الصعوبات أمام مهمة الجملي.

وشهدت أول خمسة أيام من عمر مجلس الشعب في العهدة الجديدة جدلاً وخلافات غير مسبوقة، وبعسر تمكّن البرلمان من انتخاب رئيسه راشد الغنوشي ونائبيه سميرة الشواشي من حزب "قلب تونس"، وطارق الفتيتي مرشح مجموعة المستقلين والأحزاب الصغيرة عددياً.


وتصاعدت وتيرة الاحتقان وبلغت أشدها بين التيار "الديمقراطي" وحركة "الشعب" ضد حركة "النهضة" بسبب الاتفاقات المبرمة حول انتخاب رئاسة البرلمان، إذ اعتبرا انحياز "النهضة" إلى "قلب تونس" "خيانة" لتوافقات سابقة ووعود سالفة.

ووجدت "النهضة" في "قلب تونس" صاحب المركز الثاني، ما لم تجده في "التيار" و"الشعب" اللذين رفعا سقف التفاوض إلى منتهاه، وطالبا بما يتعسر ويتعذر على "النهضة" تقديمه من تنازلات ومن وزارات، في وقت وجدت الأرضية مهيأة واللقاء سانحاً مع "قلب تونس" المتعطش للتموقع وفرض حضوره برلمانياً.

ولم يتوان كل من زهير المغزاوي أمين عام حركة "الشعب"، وغازي الشواشي القيادي البارز في التيار "الديمقراطي" عن اتهام نور الدين البحيري القيادي بحزب "النهضة" بـ"الكذب والافتراء"، على خلفية تصريح متلفز ذكر فيه أنّ كلا الحزبين اختارا طريق "الدستوري الحر" ورئيسته عبير موسي، مع حزب "قلب تونس"، وأنّهما في مشاورات مع الأخير، في إشارة إلى زيارة قاما بها إلى منزل القيادية سميرة الشواشي.


وقال زهير المغزاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "لا نستغرب هذا الحجم من الافتراء الباطل والكذب المقصودة منه الإساءة إلى حركة الشعب، والذي صدر عن القيادي نور الدين البحيري ويستوجب اعتذاره".

وأوضح المغزاوي أنّ "مواقف حركة الشعب وقراراته تعلن عنها فقط مؤسساته، وليس لأي طرف أن يتحدث باسمها في محاولات يائسة لمغالطة الرأي العام، والالتفاف على حقيقة التحالف الواضح بين النهضة وقلب تونس".

وتابع أنّ "النهضة تبحث التبريرات وسبل التقصي عن تحالفاتها، بعد أن وجدت نفسها في مواجهة الرأي العام الذي تعهدت أمامه بعدم التحالف مع قلب تونس"، معتبراً أنّ "الشعب اكتشف الترويكا الجديدة منذ انتخاب الغنوشي رئيساً للبرلمان".

في المقابل، كتب غازي الشواشي على صفحته الرسمية على "فسبوك": "كما قال الفيلسوف نيتشه، أقول للزميل نور الدين البحيري: ما يزعجنا ليس أنك كذبت علينا، إنما يزعجنا أنه لا يمكن تصديقك بعد الآن".


ورأى المحلل السياسي عبد المنعم المؤدب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "المشهد البرلماني والسياسي المتعكر هو امتداد طبيعي للتناحر الانتخابي"، مشيراً إلى أنّ "استقرار المشهد يحتاج وقتاً طويلاً حتى يتم إحداث الحكومة وتتضح الرؤية وينقسم المشهد إلى ائتلاف حاكم ومعارضة".

وأضاف أنّ "المشهد البرلماني يبعث على الحيرة والقلق، ويزداد قتامة بدخول الأضداد والمجموعات المتنافرة سياسياً وأيديولوجياً في صدام متواصل ورفض للجلوس إلى طاولة الحوار".

واعتبر المؤدب أنّ "مقاعد البرلمان لن تعرف السكون والهدوء، فمنذ اليوم الأول تبادل الحزب الدستوري الشتائم مع نواب ائتلاف الكرامة ومع نواب عن حزب النهضة، لتنتقل عدوى الصدام إلى التيار والشعب مع النهضة، مما يفتح أبواب التساؤل على مصراعيها حول مستقبل القوانين والالتزامات المعروضة على البرلمان مستقبلاً".

المساهمون