انتهاكات خليفة حفتر بحق المدنيين بطرابلس تتواصل.. وصمت دولي مريب

24 أكتوبر 2019
حفتر يواصل جرائمه في ظل الصمت (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
أعلن مركز الطب الميداني والدعم الليبي مقتل أحد عناصره في قصف جوي طاول سيارة إسعاف، فجر اليوم الخميس، بمنطقة صلاح الدين، وذلك بعد ساعات من مقتل ثلاثة مدنيين وإصابة ثمانية آخرين في قصف جوي طاول حيّ الأصفاح بمنطقة السواني جنوب طرابلس.


وأكدت عملية "بركان الغضب"، على صفحتها الرسمية، أن الطيران الإماراتي المسيَّر الداعم لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر هو المسؤول عن الحادثين. وبحسب مصادر طبية لـ"العربي الجديد"، فإن مصابي حيّ الأصفاح لا يزالون يتلقون العلاج حتى صباح اليوم الخميس، فيما يعاني بعضهم إصابات خطيرة.


وكانت المنطقة العسكرية الغربية التابعة للجيش بقيادة الحكومة، قد أفادت في بيان لها أمس الأربعاء، بتعرض مواقع داخل طرابلس لقصف بـ"استخدام قنابل أميركية الصنع شديدة الانفجار وزن 227 كيلوغراماً موجهة بالليزر"، مشيرة إلى أن تحقيقاتها أكدت أن طائرة من طراز F16 هي التي نفذت الهجوم.


وسقط عشرات المدنيين بسبب استهداف قوات حفتر للأحياء المدنية منذ بداية حملته العسكرية على طرابلس في إبريل/ نيسان الماضي، آخرها وفاة ثلاث طفلات شقيقات في حيّ الفرناج الأسبوع الماضي، وثلاثة أطفال آخرين، وإصابة أبيهم وأمهم فجر الثلاثاء الماضي.
وفيما لا تزال حكومة الوفاق تطالب المجتمع الدولي بضرورة إرسال فرق للتحقيق في استهداف المدنيين، مؤكدة أن وزارة العدل في الحكومة توثق الأدلة التي تثبت "جرائم الحرب" التي تقترفها قوات حفتر، لا يزال المجتمع الدولي يلتزم الصمت حيال ما يحدث في ليبيا.

وفي الصدد، أعلنت منظمة العفو الدولية، أمس الأربعاء، توصّلها إلى معلومات تؤكد تورط قوات حفتر في قصف حيّ أبو سليم بطرابلس، في 16 من إبريل/ نيسان الماضي، باستخدام صواريخ "غراد"، ما سبّب سقوط مدنيين.


وعن الصمت الدولي المريب، يعلّق الناشط السياسي الليبي، مروان ذويب، بالقول إن "الدول الداعمة لحفتر لم تتخلّ عنه كما يعتقد البعض، فهي حتى الآن توفر له التغطية اللازمة دولياً، وتطلب من المجتمع الدولي غضّ البصر عن جرائمه".

واعتبر ذويب في تصريح لـ"العربي الجديد" أن المسار الدبلوماسي الأخير لحكومة الوفاق قد "يحرك الاتجاه الحقوقي والعدلي الدولي ضد حفتر"، ولا سيما في ظل "طلب الخارجية الليبية من الصين جواباً على وجود طائرات صينية الصنع بيعت للإمارات في صفوف قوات حفتر وتستخدم في قصف مواقع مدنية، وقبلها الضغط لإجبار الولايات المتحدة على فتح تحقيق في العثور على صواريخ جافلن في ليبيا، التي بيعت لفرنسا، وغيرها من التحركات".
ولفت إلى أن "تلك الدول ترى في تزايد جرائم قوات حفتر خطراً قد يواجهها مستقبلاً، لأنها لا تسقط بالتقادم".

وبعد خسارته الكثير من مقاتليه في جبهات القتال، وفشل استراتيجية الاستعانة بمرتزقة من الخارج، اتجه حفتر لخيار الضربات الجوية الكثيفة لإضعاف القواعد الخلفية لقوات الجيش الليبي بقيادة حكومة الوفاق.

وكثف الطيران الداعم لحفتر من عمليات استهداف عدة مواقع لقوات الجيش، سواء في مصراته أو في سرت وفي طرابلس، لكن المتحدث باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب"، مالك المدني، أكد لـ"العربي الجديد" أن أغلب تلك الضربات لم تحقق نتائج، مضيفاً أنها "في أكثرها أصابت أهدافاً مدنية لا علاقة لها بالحرب وبعيدة عن جبهات القتال".

أما الناشط الحقوقي الليبي، الصديق عبد المجيد، فيعتبر اختلاط السياسي العسكري سبباً في تأخر دور المحاكم الدولية، ولا سيما محكمة الجنايات، مشيراً إلى أن الأخيرة "عادة ما تتخوف من إمكانية تزييف الحقائق من قبل طرف سياسي لتوريط الآخر".
وتابع عبد المجيد في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "القانون الدولي يقسم تلك الجرائم إلى جرائم ضد السلام وضد الإنسانية وجرائم حرب، لكن توصيفاتها القانونية تنطبق كلها دون استثناء على عمليات حفتر في طرابلس وقبلها".
كذلك أشار إلى أن بيانات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية تصف جرائم حفتر بأنها "قد ترقى إلى مستوى جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية" إلا أنها تنطلق من المحاذير ذاتها المتعلقة باختلاط السياسي بالعسكري.


وعن إمكانية وجود فرق للتحقيق، قال عبد المجيد: "معلومات لدي تؤكد وجوداً فعلياً للتحقيق على الأرض، لكنه يسير ببطء شديد بسبب محاولة فرق التحديد تجاوز تدخل مكتب النائب العام في طرابلس المصنف كطرف من أطراف النزاع"، مضيفاً: "بحسب المسار القانوني المعروف، فإن حفتر من غير شك سيواجه تهمة جريمة الحرب، وسيطالَب بالخضوع للمحاكمة بكل تأكيد".

وشدد الناشط الحقوقي على أن "إعداد ملف لإثبات الجريمة يجب أن يتوافر على بنود تعذيب الأسرى وتوجيه الجرائم ضد المدنيين والتهجير القسري والإبادة الجماعية"، وذكر أن الواقع على الأرض يؤكد أن تلك العناصر اجتمعت في ملف حفتر بكل تأكيد.
وبحسب عبد المجيد، فإنه على الرغم من أن رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج يمتلك الاعتراف الدولي ومؤسسات الدولة القانونية بيده والعامل المادي المتمثل بإيرادات النفط، وكذلك الدعم الذي يحظى به في مدن مؤثرة كمصراته والزنتان والزاوية التي تمثل خزاناً بشرياً ضخماً للحرب ضد حفتر، إلا أن الأشهر الماضية أثبتت ضعفه وعدم قدرته على استثمار كل هذه العوامل والإمكانات.

لكن ذويب يعود للتأكيد بالقول: "من غير شك الموقف يتعلق بدعم دولي وراء حفتر يوفر له الغطاء اللازم، لكنها بكل تأكيد مواقف يمكن الضغط عليها للتتغير، والأمر رهين جهود الحكومة في طرابلس".


ويتساءل الناشط السياسي الليبي: "كيف للبعثة الأممية أن تستنكر مقتل عشرات المدنيين مطلع أغسطس/ آب الماضي في مرزق جنوب البلاد دون أن تشير حتى المسؤولية حفتر عنها وهو الذي اعترف جهاراً نهاراً بقصف المدينة بواسطة الطائرات؟".
كذلك أشار إلى أن البعثة اعترفت بمسؤولية حفتر عن قصف جوي طاول نادي الفروسية مطلع الشهر الجاري، أصيب خلالها ستة أطفال ورجل مسنّ، وأن فرقها تأكدت من خلو النادي من أي وجود عسكري. ويخلص ذويب إلى أن "الدعم الدولي يوفر غطاءً لجرائم حفتر ويقف أمام أي تحقيق في جرائمه بحق المدنيين سابقاً في شرق البلاد وجنوبها، وحالياً في طرابلس".