حتى ليلة الاثنين الماضية، لم تتسلم وزارة الداخلية العراقية أي إخطار بشأن دعوات التظاهر التي أطلقتها حسابات على "فيسبوك" وحملت عدة أوسمة وشعارات، بحسب مسؤول أمني عراقي، قال إن الحكومة أخطأت التقدير بشأن فاعلية الدعوات تلك لسبب بسيط هو أن "التيار الصدري" و"الحزب الشيوعي" تنصّلا منها وأعلنا أنهما لن يشاركا فيها، إلا أن عدد المتظاهرين غير المنظمين أو العشوائيين الكبير أثبت خطأ التقديرات تلك.
التظاهرات التي ضربت بغداد في ساحة التحرير وساحة الطيران بمنطقة الباب الشرقي وأحياء في الصدر وحي أور والصليخ والزعفرانية والشعلة والشعب، وامتدت خلال ساعات إلى ذي قار وميسان ومدن أخرى جنوبي البلاد، قابلتها قوات الأمن بارتباك واضح وقمع شديد، تسبب حتى الآن في مقتل ثلاثة مواطنين متظاهرين، جميعهم دون سن الثانية والعشرين عاماً، وإصابة ما لا يقل عن 300 آخرين. ولم تتوقف التظاهرات عند الثلاثاء، إذ تجددت اليوم الأربعاء في المناطق ذاتها، مع تزايد القمع من قبل الأمن العراقي، حيث يُتهم جهاز مكافحة الشغب بأنه الأكثر قسوة، وأن الجيش لم يستخدم القوة مع المتظاهرين بل تدخل لتخفيف الضرب وإطلاق النار من قبل مكافحة الشغب تجاه المتظاهرين في مناطق عدة.
وشهدت تظاهرات اليوم تطورات وتصعيداً، إذ قطع المتظاهرون عدداً من الطرق الرئيسة، ومنها طريق يربط العاصمة بغداد بالمحافظات الشمالية، من خلال حرق إطارات السيارات، فيما قامت قوات مكافحة الشغب بتفريق متظاهري الزعفرانية، من خلال استخدام الرصاص الحي، الذي أدى إلى سقوط عدد من الجرحى، وفقاً لمصادر أمن عراقية.
وقال رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي، لـ"العربي الجديد"، إن "التظاهرات التي خرجت في بغداد وباقي المحافظات شعبية قام بها شبان، من الذين شعروا بالغبن، وشعروا بإهانتهم خلال التظاهرات التي سبقت، وكانت آخرها تظاهرة حملة الشهادات العليا". وبيّن الهاشمي أن "التيار الصدري والحزب الشيوعي، اللذين كانا سابقاً من يقودان التظاهرات، انسحبا منها ولم يشاركا فيها".
ورأى أن "التيار الصدري والحزب الشيوعي تورّطا بعدم المشاركة في هذه التظاهرات، فهما كانا يعتقدان أن لا تظاهرات في العراق إلا من خلالهما، لكن تظاهرة يوم أمس، والأعداد الكبيرة التي شاركت فيها، سحبت البساط من تحت الصدريين والشيوعيين".
وأضاف أن "هناك جهات سياسية وغيرها سوف تحاول ركوب موجة التظاهرات، كما حصل في التظاهرات السابقة".
وبيّن رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية أن "قضية طبع الصور واللافتات والأعلام تولّاها الشباب المتظاهر نفسه، ويتضح أنهم جمعوا فيما بينهم الأموال من أجل ذلك، من دون أي دعم من جهة سياسية أو غيرها، وهذا الأمر يحدث في غالبية التظاهرات، والتظاهرات كانت سلمية وطالبت بحقوق".
وأكد أنّ من "قاد التظاهرات شبان، لم يعيشوا في فترة "البعث"، لذلك حديث البعض عن أنهم مندسون أو بعثيون غير صحيح ولا يمكن تقبله".
وتابع الهاشمي أن "التظاهرات سوف تستمر، وقد تكون أكبر وتمتد إلى محافظات أخرى، خصوصاً أن المطالب المرفوعة فيها تمثل مطالب وطنية لكل العراقيين في جميع المحافظات؛ من سوء خدمات وفساد والوضع الاقتصادي، والخلافات السياسية والصراع على المناصب التنفيذية في تلك المحافظات".
من جانبه، قال عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد سعد المطلبي، لـ"العربي الجديد"، إن "التظاهرات الشعبية هي عبارة عن استفتاء شبابي على فشل النظام البرلماني في العراق، فالشباب يريدون نظاماً سياسياً يقوم بخدمتهم، بعيداً عن المحاصصة والأحزاب، خصوصاً أن أبرز هتافات الشباب المتظاهر "الشعب يريد إسقاط الأحزاب"، فالشعب العراقي، وخصوصاً الشباب، أدرك جيداً أن النظام البرلماني يؤدّي إلى خدمة الأحزاب وليس خدمة الشعب".
وبيّن أن "الهدف الرئيس من هذه التظاهرات هو تغيير نظام الحكم في العراق من برلماني إلى رئاسي"، قائلاً: "هذا تبيّن من خلال حديثي مع عدد من المتظاهرين السلميين".
وأضاف المطلبي أنه "بسبب العنف الذي استُخدم ضد المتظاهرين وعجز الحكومة العراقية عن تقديم شيء للمواطن، فإنّ التظاهرات سوف تستمر وهي في تصاعد"، مؤكداً أن "من يقود التظاهرات هم الشباب العراقي، من دون أي تحريك من أية جهة سياسية أو خارجية".
في المقابل، قالت القيادية في "تجمع القوى المدنية الوطنية"، النائب السابق شروق العبايجي، لـ"العربي الجديد"، إن "تظاهرات يوم أمس، واليوم، هي نتيجة طبيعية لفشل النظام السياسي العراقي في تحقيق أبسط مطالب الشعب، وهذا الأمر حذرنا منه في وقت سابق، وطالبنا الحكومة والقوى السياسية بأن تصحح مسار عمل الدولة، وتحقيق ما يطمح إليه المواطن العراقي، لكن تجاهل هذه المطالب أدّى إلى خروج الثورة الجماهيرية الغاضبة".
وبيّنت العبايجي أن "من تظاهروا هم أبناء الشعب الفقراء، من الشباب، ولا توجد أية جهة سياسية أو غيرها تحرك هذه الاحتجاجات"، مؤكدة أن "المتظاهرين تعرضوا إلى عنف كبير وكثير، والرصاص الحي كان يُطلق بكثافة، والقمع والعنف اللذان حصلا ضد المتظاهرين سوف يزيدان من غضب الجماهير واستمرارهم في مواصلة الاحتجاج إلى حين تحقيق المطالب".
وشددت القيادية في "تجمع القوى المدنية الوطنية" على أن "القائد العام للقوات المسلحة عادل عبد المهدي مُطالب بفتح تحقيق لمعرفة من هي الجهات التي قامت بالاعتداء على المتظاهرين، وحتى القوات الأمنية، وهي كانت ملثمة وتطلق النار من أعلى أسطح البنايات، وهذا الأمر خطير جداً".