وفي تبرير لموقفه بالاستمرار في التحرك، قال فضل الرحمن في تصريحات له أخيراً: "لو أعطينا فرصة أخرى ومزيداً من الوقت للحكومة الحالية، فستدفع البلاد صوب هاوية جديدة، لذا قررنا المضي قدماً في المسيرة الكبرى والاعتصام المفتوح من أجل مستقبل البلاد"، مضيفاً "لن نسمح لأحد بأن يدفع ببلادنا إلى الهاوية". وأوضح أنّ "كل الأنشطة الاحتجاجية ستكون في إطار القانون وفي جو من الأمن والاستقرار، وهي تهدف لإقالة رئيس الوزراء وإرغامه على إجراء انتخابات مبكرة".
وأضاف فضل الرحمن أنّ الحكومة الحالية "بخلاف الوعود التي قطعتها، أخذت من المواطنين حقّ الحياة"، معتبراً أنّ "إعطاءها مزيداً من الوقت، قد يدفع بالبلاد صوب هاوية كبيرة، لا سيما أنّ بلادنا تواجه حالة اقتصادية هشة. من هنا لا بدّ من إسقاط الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة نزيهة، كي تأتي حكومة جديدة تقود البلاد نحو برّ الأمان". وأشار إلى أنّ حزبه يتشاور مع الأحزاب السياسية الأخرى من أجل مشاركتها في المسيرة الكبرى التي أطلق عليها اسم "مسيرة الحرية" صوب العاصمة.
كما جاب زعيم "جمعية علماء الإسلام" أنحاء البلاد ومعظم مناطق نفوذ الجمعية، من أجل تحريك كل من ينتمي إليها للمشاركة في المسيرة، وإنجاح الخطة التي وضعتها الجمعية بهذا الخصوص، إذ إنها وجميع الأحزاب المعارضة، تدرك جيداً أنّ الفشل سيقوي الحكومة. مع العلم أن معظم القياديين في الأحزاب المعارضة يواجهون ملفات قضائية دخل على أثرها بعضهم إلى السجون، على رأسهم زعيم حزب "الرابطة الإسلامية" رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف.
المدرسة الدينية سلاح في وجه الحكومة
من المعروف أنّ "جمعية علماء الإسلام" لها تأثير كبير في مجريات الساحة الباكستانية، كما تتمتع بنفوذ قوي، خصوصاً في الأقاليم، وتحديداً في الأوساط الدينية. وهي في الحقيقة تستمدّ نفوذها من المدارس الدينية في البلاد، وتحديداً التيار الفكري الديبوندي، إذ إنّ معظم رواد وأنصار هذا الفكر يجتمعون تحت مظلة "جمعية علماء الإسلام". ويصل عدد تلك المدارس في باكستان إلى الآلاف، ولها دور كبير، ليس فقط في الساحة الداخلية، بل في المتغيرات التي تشهدها المنطقة، وبرز ذلك تحديداً إبان الغزو السوفييتي لأفغانستان في سبعينيات القرن الماضي، حين تعاظم دور المدرسة الدينية منذ ذلك الحين.
كما بات معروفاً أنّ معظم قيادات وأنصار حركة "طالبان" من خريجي تلك المدارس، ولهم صلة دينية قوية بزعيم الجمعية المولوي فضل الرحمن. من هنا، لا شك أنّ تحريك تلك المدارس وإعلان فضل الرحمن عن احتجاجات من أجل إقالة رئيس الوزراء، ستشكّل مصدر قلق كبير للحكومة. وسعت الأخيرة من خلال قنوات خلفية، وعبر التهديدات، لثني الجمعية وأنصارها عن قرارهم، ولكن يبدو أنّهم مصرّون على المضي به، خصوصاً بعد إعلان بعض الأحزاب السياسية المهمة تأييد الاحتجاجات.
وفي السياق، رأى المحلل السياسي مظهر عباس، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "سيكون لهذه التحركات تأثير على الساحة السياسية، وباكستان لا تحتمل ذلك في الوقت الراهن. من هنا، فإنّ الأفضل جلوس الطرفين على الطاولة، وأن تسمع الحكومة مطالب الجمعية، وفي المقابل أن تعلن الأخيرة إلغاء الاحتجاج، لأنّ هناك ملفات كبيرة تواجه باكستان في الساحتين الداخلية والخارجية، والأحرى مجابهة هذه التحديات بدلاً من فتح قضية جديدة".
لكنّ رئيس الجمعية كان قد اعتبر أنّ الأساس "هو القضاء على هذه الحكومة، التي أتت نتيجة التزوير في الانتخابات، وفشلت في مواجهة كل ما تواجهه البلاد من تحديات، داخلياً وخارجياً"، على حدّ تعبيره.
في المقابل، اتخذت الحكومة الباكستانية الدعوات للاحتجاج على محمل الجدّ، وعقد رئيسها عمران خان اجتماعات مع الوزراء وقيادات حزبه "حركة الإنصاف"، خلال الأيام الماضية من أجل مواجهة هذا التحدي. وبدأت الحكومة تعمل على ثلاثة محاور في هذا الشأن، من خلال الضغط على الجمعية لأن تعيد النظر بقرارها، والعمل من أجل عدم استجابة الأحزاب السياسية والدينية لدعواتها والمشاركة في الاحتجاجات، وكذلك مواجهتها عبر القضاء. وبالفعل قدّم أحد سكان العاصمة ويدعى حافظ إحتشام، دعوى في محكمة إسلام آباد ضد الاعتصام المفتوح المتوقّع من قبل الجمعية، ونظر قاضٍ في القضية، وبتّ فيها بالقول إنه "لا أحد يمكنه الاحتجاج من دون أخذ التصريح من الجهات المعنية، والجمعية لم تقدم الطلب إلى حدّ الآن، لكنها إذا طلبت ذلك، فمن حق أي مواطن الاحتجاج في الحدود المرسومة له".
إلى جانب ذلك، وضعت الحكومة خطة كاملة من أجل التصدي للاحتجاجات بقوة إذا دعت الحاجة لذلك. وفي هذا الإطار، قال القيادي في الحزب الحاكم "حركة الإنصاف"، علي أمين كنده بور، إنّ "الحكومة تحترم احتجاج المواطن وتتعاون معه، شرط أن يكون ذلك في دائرة القانون"، مضيفاً "غير أنّ الإخلال بحياة المواطنين وعرقلة أمور الحكومة، قد تستدعي استخدام كل السبل والوسائل من أجل التصدي لأي خطوة غير قانونية".
من جهته، اتهم القيادي الآخر في الحزب الحاكم شبلي فراز، المولوي فضل الرحمن بأنه "يتستّر وراء بطاقة الدين والمدرسة الدينية، من أجل الوصول إلى مصالحه الشخصية والحزبية"، متهماً إياه كذلك، بأنه "يعمل من أجل أجندات أجنبية، في وقت يستدعي الوضع العام في البلاد وفي المنطقة التساند والتنسيق".
الأحزاب السياسية منقسمة
وانقسمت الأحزاب السياسية حيال الاحتجاجات المقررة من قبل الجمعية منذ البداية، ولكن يبدو أنّ الأخيرة أحرزت نجاحاً نسبياً في هذا الخصوص، تحديداً في ما يتعلّق بالحزبين الكبيرين "الشعب الباكستاني" و"الرابطة الإسلامية" جناح نواز شريف. فبعدما وضع حزب "الشعب"، بزعامة الرئيس الأسبق أصف علي زرداري، شروطاً صعبة للمشاركة في الاحتجاجات، عاد وأعلن أخيراً المشاركة والمساندة الكاملة لهذا التوجه. وفي هذا السياق، قال نجل أصف زرداري، عضو البرلمان بلاول بوتو زرداري، إنّ "الحزب قرر المشاركة والمساندة الكاملة لاحتجاجات الجمعية، بعدما ناقش الوضع الداخلي والسياسة الخارجية لباكستان"، مضيفاً أنّ "الحكومة فشلت على الصعد كافة، ولذلك آن الأوان لأن نخلّص الشعب منها".
من جهته، وبعدما كان زعيم حزب "الرابطة" جناح نواز شريف، شهباز شريف، شقيق رئيس الوزراء الأسبق، يعارض الاحتجاجات، بدأ أخيراً يغيّر موقفه. ورأى في تصريحات له أنّ "المشاركة بكل قوة قد تضرّ بالحزب، لا سيما إذا فشلت الاحتجاجات المقررة في إقالة رئيس الوزراء"، غير أنه لا يعارض المشاركة بشكل نسبي وعلى مستوى الأقاليم والقيادات المحلية. ومع ذلك، فإنّ القرار النهائي في هذا الشأن سيتخذه رئيس الوزراء الأسبق السجين في قضية فساد نواز شريف.
ومع كل هذه التطورات، تبقى الكلمة الأخيرة في ما يخصّ مستقبل الحكومة للجيش والمؤسسة العسكرية، ويبدو أنّ الأخيرة تقف بجانب الحكومة، غير أن تحريك الشريحة الدينية قد يخلق عقبات كبيرة أمام السلطة التنفيذية التي تواجه تحديات جمّة على الصعيدين الداخلي والخارجي.